تفسير سورة ( الأعلى )
الدرس (274 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــ
تفسير سورة الأعلى….
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا (13)}
{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } قال ابن القيم رحمه الله إذا جاء التسبيح لاسم الله من أجل ماذا؟ أن التسبيح ذكر، والذكر ضد النسيان، ويكون في القلب، إذن هنا قال { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ } يعني سبح الله ناطقا ومتكلما باسمه عز وجل فإن الذكر لا يكون ذكرا تاما في أعلى درجاته إلا إذا توافق اللسان مع القلب، ولذا مما يدل على ما قاله رحمه الله { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا قرأ هذه الآية ماذا يقول؟ ” سبحان ربي الأعلى” لم يقل سبحان اسم ربي الأعلى.
{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } وفي هذا إثبات صفة العلو لله.
{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) } خلق الخلق فسواهم، وأتم خلقهم.
{ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } قدر لكل مخلوق ما قدر له، ثم هداه إلى مصالحه، وقد مر معنا في قوله تعالى مفصلا أكثر قال { قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) }
{ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى } وهو النبات { فَجَعَلَهُ } يعني بعد أن كان خضرا { فَجَعَلَهُ غُثَاءً } يعني يابسا { أَحْوَى } يعني أسود، ومن ثم أتى بحرف العطف هنا { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)} لماذا لم يقل مباشرة الذي قدر فهدى الذي أخرج المرعى؟ وذلك من باب الثناء على الله لأن كل جملة في سياق الجملة الفعلية.
{ سَنُقْرِئُكَ } يا محمد { سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } والله لم يشأ لك أن تنساه وقيل { سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } يعني مما نسخه الله، وقد بينت لمن أراد التوسع في مثل هذا بينت هذا في قوله تعالى { مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا }
{ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) } يعني يعلم عز وجل القول والعمل الذي هو ظاهر، والذي هو خفي.
{ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى } يعني للطريقة السهلة الميسرة { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) } يعني ذكر يا محمد إن نفعت الذكرى قال بعض المفسرين { فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى } أو لم تنفع، فعليك أن تذكر، وقال بعض العلماء بل إنه يذكر إن نفعت الذكرى، لكن إن كانت الذكرى ستزيد الذي ذكر شرا أو يترتب على ذلك مفاسد، فإنه لا يذكره {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى } وذلك لأن الأمور مبينة على تقليل المفاسد وتكثير المصالح.
{ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى } يعني من يخشى الله { سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا } يعني هذه الموعظة، وهذه الذكرى، وهذه الطريقة { الْأَشْقَى } ثم وصفه { الْأَشْقَى } لأنه أشقى نفسه بأن عرضها للعذاب { الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى } الذي يقاسي النار الكبرى، ووصفها بأنها كبرى لأنها أكبر من نار الدنيا بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم “من أن نار الدنيا جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ” { ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا } ثم لا يموت فيستريح من هذا العذاب، ولا يحيى يعني حياة طيبة كما قال تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا }.
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)}
{ قَدْ أَفْلَحَ } يعني فاز { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } { مَنْ تَزَكَّى } يعني من تطهر من الشرك ومن الذنوب { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} يعني أنه ذكر اسم الله ، وحافظ على الصلوات، وقد قال بعض المفسرين { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } يعني زكاة الفطر { وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} يعني صلاة عيد الفطر، وهذا يكون داخلا، لكن لا تحصر الآية بتفسيره.
{ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } يعني بل إنكم تقدمون الحياة الدينا على الآخرة { وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } { خَيْرٌ } من حيث الثواب، { وَأَبْقَى } من أن ثواب الآخرة لا يفنى.
{ إِنَّ هَذَا } يعني ما ذكر قيل ما ذكر في السورة كلها، وقيل من قوله { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } ولعل هذا هو الأقرب، فقال الله { إِنَّ هَذَا } يعني ما ذكر سابقا هو مكتوب في الصحف الأولى { إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)} ودل هذا على أن لإبراهيم وأن لموسى عليهما السلام أن لهما صحفا وقال { إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى} لماذا قال { لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى } من باب ماذا؟ من أن محمدا عليه الصلاة والسلام ليس بدعا من الرسل فقد سبقه أنبياء أنزل عليهم كتبا.