تفسير سورة ( الانشقاق )
الدرس ( 271 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــ
تفسير سورة الانشقاق….
{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)}
{ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } يعني أنها تصدعت وتفطرت.
{ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } يعني أنها استمعت لربها { وَحُقَّتْ } يعني حق لها أن تستمع فتنفطر وتتشقق.
{ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ } يعني مدت مد الأديم والجلد. { وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ } { مُدَّتْ } بمعنى أنها تمد في يوم القيامة كما قال تعالى { لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا }
{ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا } من الموتى والكنوز { وَتَخَلَّتْ } تخلت عما في بطنها {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } يعني استمعت لربها ولأمره { وَحُقَّتْ } يعني حق لها أن تستمع.
{ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } يعني أنك مكابد ومجتهد في هذه الدنيا { كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } يعني أنك ستلاقي الله، وقيل ستلاقي عملك، ولا تعارض بينهما، وهذا يدل على أن ابن آدم في هذه الدنيا لابد أن يعمل إما عملا صالحا، وإما عملا سيئا، فإنه لا يخلو من الحركة فقال { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } . ولذا ماذا قال بعدها مبينا أنواع الكدح { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) } قال النبي عليه الصلاة والسلام: ” من نوقش الحساب عذب، فقالت عائشة يا رسول الله ألم يقل الله { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } قال ذلك العرض تعرض على المؤمن ذنوبه ثم يغفرها الله له “
لكن الكفار يحاسبون ويناقشون فقال الله { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ } يعني في الجنة { مَسْرُورًا }.
{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ } بمعنى أنه تؤخذ يده ويعطى كتابه بشماله من وراء ظهره.
{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11)} يعني هلاكا
{ وَيَصْلَى سَعِيرًا } يعني يصلى ويقاسي السعير والعذاب فيها.
{ إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا } لأنه معرض عن الدين.
{ إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ } يعني أيقن أنه لن يرجع إلى الله { بَلَى } سيرجع {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا } فلا يخفى عليه شيء من أعماله.
{فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)}
{ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ } والشفق الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس، وهذا هو الأقرب.
{ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } يعني والليل وما غطى بظلامه على الأشياء.
{ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ } يعني اكتمل نوره في ليالي البدر.
{ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ } أنتم ايها الخلائق { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ } يعني أنكم تكابدون في هذه الدنيا، وتمرون بمراحل ثم بالقبر ثم بيوم القيامة, أيضا يدخل في ذلك ما قاله بعض المفسرين يدخل في ذلك {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ } مرة يكون لكم الفرح، ومرة يكون البكاء، والضحك والسعادة والهم والفرح، وهكذا ما بين غنى، ما بين فقر، ما بين كرب، وشدة، ما بين سعة وعافية وهكذا…
{ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ } أقسم بهذه الأشياء { لَتَرْكَبُنَّ } من أجل ماذا؟ {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ }
{ فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } بعد تلك الدلائل { فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)} هذه هي الآيات الشرعية تتلى عليهم تلك فيما مضى الآيات الكونية فلم يؤمنوا
{ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ } يعني لا يخضعون لله، ولا ينفذون أمر الله، ولا يصلون لله.
{ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ } حالهم ماذا حالهم حال التكذيب { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23)} يعني بما تخفيه صدورهم { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } يعني ما تكنه صدورهم.
{ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } من باب التبكيت لهم قال { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ثم استثنى الذين لا عذاب عليهم { إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } يعني أنه غير منقطع، وغير منقوص.