تفسير سورة ( الانفطار ) كاملة
الدرس ( 269 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــ
تفسير سورة الانفطار
{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)}
{ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ } يعني تشققت.
{ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ } يعني تساقطت.
{ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ } أي فجر بعضها ببعض، العذب مع المالح فاجتمعت، { وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ } وهذا يدل على أنها تفجر، ثم بعد ذلك تأجج نارا كما في قوله تعالى { وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ }
{ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ } يعني قلبت قلبت القبور فيخرج الناس من قبورهم
ذلكم القسم من أجل ماذا؟ { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } علمت نفس كل ما قدمته في أول حياتها، وفي آخر حياتها، أو علمت نفس ما قدمته من أعمال، وما تركته من أعمال.
{ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)}
{ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } يعني ما الذي حملك على أن تغتر { مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } وهنا تهديد، وليس معنى الإتيان بقوله {الْكَرِيمِ } من أنه تلقين له من أجل أن يجاوب، لا، بل هذا تهديد، ولذلك لماذا ذكر اسمه {الْكَرِيمِ } ؟ من باب ماذا؟ أن الكريم لا يقابل بمثل هذه الأقوال والأفعال السيئة.
{ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ } خلقك من عدم { فَسَوَّاكَ } يعني أنه جعلك تام الخلقة { فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ } جعل أعضاءك متناسبة، لم تكن يد أطول من أخرى، وهكذا..
{ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } { مَا } هنا زائدة للتأكيد { فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } يعني في أي صورة ما شاء ركبك على أي شيء أراده عز وجل، ولذلك تجد أن الناس يختلفون من حيث صورهم.
{كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)}
{ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ } يعني بيوم القيامة.
{ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)} وقد مر معنا توضيح لذلك أكثر فيما تكتبه الملائكة في سورة ( ق)
{ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ } كما قال تعالى { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ }.
{ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)} يعني أن لهم الكرامة عند الله، والمنزلة العظيمة، وأيضا هم كرام إذ عبدوا الله حق العبادة.
{ كِرَامًا كَاتِبِينَ } يكتبون ما تفعلون { كِرَامًا كَاتِبِينَ } ولذلك قال بعدها {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } كل ما تفعلونه فإنهم يعلمونه.
{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)}
{ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } وهذا ليس محصورا بيوم القيامة فقط، ولذا قال ابن القيم رحمه الله { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } يتنعمون في حياتهم الدنيا وفي القبور، وفي الآخرة وهذا كما قال رحمه الله فيكون النعيم الأعظم متى؟ يوم القيامة.
{ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) } لفي النار وهذا أعظم ما يتعذبون به { يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ } يقاسون عذابها يوم الجزاء { يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16)} يعني أنهم لا يخرجون منها فهم خالدون فيها أبد الآباد، { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ } يعني يوم الجزاء والحساب ثم استفهم عنه مرة أخرى للتهويل وللتعظيم { ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ } ثم فسره { يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } { يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا } فلا تملك نفس لنفس أخرى أي شيء { وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } كذلك في ذلك اليوم الأمر كله لله فلا أمر لأحد كما مر معنا تفصيل ذلك فيما يتعلق بالملك { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }..