تفسير سورة البقرة الدرس ( 101 ) [ ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا .. ] الآيات ( 87 88 ) الجزء الثاني

تفسير سورة البقرة الدرس ( 101 ) [ ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا .. ] الآيات ( 87 88 ) الجزء الثاني

مشاهدات: 456

تفسير سورة البقرة ــ الدرس ( 101 )

ــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88) }

سورة البقرة ( 87 ـ 88 )  / الجزء الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88) }

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أننا أسلفنا في الأمس فقلنا إن موسى هو أول انبياء بني إسرائيل وأن آخرهم هو عيسى

والقول كما قلنا وذلك أن أولوية رسالة موسى إلى بني  إسرائيل باعتبار أنه هو النبي الأول الذي أتى لفرعون وبسبب موسى بعد فضل من الله أنقذت بنو إسرائيل فمنّ عليهم وبعد هذا المنّ توالت الرسل على بني إسرائيل

ولذلك قال تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} فدل على أن كل نبي إنما أتى بهذا العدد بعد موسى باعتبار أن كل من أتى بعده فإنه يحكم بالتوارة حتى أتى عيسى وأنزل عليه الإنجيل ونسخ بما في الإنجيل بعضا مما في التوراة فدل على أن التوراة لم تنسخ كلها : { وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } كما قال عيسى ذاكرا الله عنه ذلك

وإلا فيوسف عليه السلام هو قبل موسى

كما قال عز وجل في سورة غافر : { وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ }

وكما دل على ذلك في مستدرك الحاكم :

أن الله لما أمر وهذا الحديث إسناده صيحح لما أمر موسى أن يذهب مع بني إسرائيل فرارا من فرعون أظلم عليهم الطريق ، فقال عليه الصلاة والسلام من يدلنا على الطريق ؟ فقال العلماء  : إن يوسف عليه السلام أخذ علينا العهد إذا خرجنا من مصر أن نخرجه معنا

قال العلماء من بني إسرائيل إن يوسف أخذ علينا العهد ألا نخرج من مصر إلا وهو معنا

فقال وأنى لي به ؟ قالوا : لا يعرف قبره إلا عجوز ، فأتوا إلى هذه العجوز فقالت : حتى تؤتيني حكمي  ، قال : وما حكمك ؟ قالت : أن أكون معك في الجنة ، فتردد موسى لأن هذا الأمر ليس إليه ، فقال  الله : أعطها حكمها

فدلتهم على مكانه في ماء ، أزالوا الماء ثم أخرجوا يوسف فأضاء لهم الطريق “

وهذه هي مبنية على سبب ، هذه القصة مبنية على سبب :

النبي عليه الصلاة والسلام أتى على أعرابي ضيفا فأكرمه الأعرابي

فقال عليه الصلاة والسلام : ( إذا نزلت بنا فأتنا )

من باب المكافأة

( فأتى إليه بعد حين وقال عليه الصلاة والسلام : سلني )

فماذا سأله ؟

( قال : أريد أعنزا )  جمع عنز  ( يحلبها أهلي )

فقال عليه الصلاة و السلام : ( أيعجز أحدكم أن يقول كما قالت عجوز بني إسرائيل ؟ )

يعني يرتقي الإنسان بطلبه لا يطلب له قطيعا من الغنم  ، فذكر القصة

هي طلبت من موسى المرافقة في الجنة بينما هذا طلب أعنزا

الشاهد من هذا :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن يوسف قبل موسى

إذًا إذا قلنا إن موسى أول رسول بني إسرائيل الأولوية هنا باعتبار أن الله أنقذ به بني إسرائيل لما سلط عليهم فرعون العذاب

ثم بعد ذلك إذا بكل الأنبياء يأتون ويحكمون بالتوراة

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أن الله أيد عيسى بروح القدس { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ } ما هو روح القدس ؟

القدس هي الطهارة لكن ما هو روح القدس ؟

قال بعض  العلماء : إن روح القدس الذي أيد به عيسى عليه السلام روحه

{ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ } فهو روح وأضيفت إلى القدس إلى الطهارة

إذًا روح عيسى طاهرة ، وإذا طهرت روح الإنسان فإنه يؤيد بها تعينه

لكن نسأل الله السلامة والعافية يعني لو كانت خبيثة فإنها تكون عونا عليه لا عونا له

هكذا قال بعض المفسرين

وقال بعض المفسرين { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ } يعني هو الإنجيل لأن الإنجيل روح لأن به تحيا الأراوح كما هو القرآن :  { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا } فكتب الله تعد حياة لأرواح الناس

وقال بعض العلماء : إن المقصود من ذلك هو جبريل وأضيف إلى القدس لأنه مقدس ومطهر ، وهو الصحيح : أن الله أيده بجبريل ، لم ؟

لأن عيسى روح أليس روحا ؟ بلى

الدليل :

{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ }

هو كلمة الله يعني قال له كن فكان

إذًا هو روح من الله كونه مخلوقا أضيف إلى الله من باب التشريف

كذلك جبريل روح لما أتى إلى مريم

{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) }

من هو الروح هنا  ؟

هو جبريل

فانظروا : سبحان الله !

ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول لحسان لما يهجو المشركين كما جاء  في الصحيحين قال : (( اللهم أيده بروح القدس )) يعني بجبريل

فإذًا عيسى أيد بعيسى عليه السلام

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

بيان حال بني إسرائيل مع الرسل

إذًا :

{ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ } يعني أتت الرسل خلف موسى تباعا

لمن ؟ لبني إسرائيل

ما حال بني إسرائيل مع هؤلاء الرسل ؟

حالهم بين أمرين :

إما التكذيب وإما القتل

إما أن يكذبوا بعضهم وإما أن يقتلوا بعضهم وبالفعل قتلوا بعضهم وكذبوا بعضهم : { فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ }

وممن كذبوه : هو نبينا عليه الصلاة والسلام

وممن قتلوه  : نبينا عليه الصلاة والسلام ولذلك يعد شهيدا عليه الصلاة والسلام مع ما له من منقبة الرسالة والنبوة

ولذلك سموه ووضعوا السم وضعته تلك المرأة زينب اليهودية في الذراع لما قالت ما هو أحب شيء إليه ؟ قالوا : الذراع  ، فأعدت له شاة وأكثرت من السم في الذراع فلما رفعه النبي عليه الصلاة والسلام ونهسه نهسة أخبره الذراع

النبي عليه الصلاة والسلام ماذا كان يقول  ؟

قال : (( مازالت بي الأكلة التي بخيبر )) فقال عند وفاته (( فهذا أوان انقطاع أبهري ))

الأبهر هو عرق يكون في الظهر متصل بالقلب إذا انقطع مات القلب

إذًا مات النبي عليه الصلاة والسلام متأثرا بالسم

 

العجيب مما ذكر في التاريخ :

إذا جمع الله بين شيئين جمع بينهما في أشياء يستغرب أن يجتمعوا فيه :

أبو بكر رضي الله عنه كما قال بعض المؤرخين مات بالسم ، عمره كما جاء عند مسلم ثلاث وستون سنة ، وعمر النبي عليه الصلاة والسلام ثلاث وستون سنة

لكن ليس هناك شيء بعيد عن الله

 

فالشاهد من هذا :

أن حال بني إسرائيل مع هؤلاء الرسل ، وألحقو اعيسى بمن سبق وألحقوا النبي عليه الصلاة والسلام بمن سبق إما القتل وإما التكذيب

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

بيان خطورة الهوى

ولذلك قال الشعبي قال : ” ما سمي الهوى هوى إلا لأنه يهوي بصاحبه “

أي إنسان يتبع هواه ليس في الأمور الدينية فقط بل حتى في الأمور الدنيوية

مثلا عنده مال كل تهواه نفسه مما له منفعة أو ليس له مفعة اشتراه

سيهوي به هواه في حين من الدهر فلا مصلحة تبقى له في دنياه ولا في  أخراه

ولذلك كيف أثر هذا الهوى في بني إسرائيل ؟

هذا التكذيب وهذا القتل ناجم من الهوى

{ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ }

أين الحكمة ؟

أين العقل أين التروي أين الفهم ؟

ليسوا بعوام علماء وأعظم ما يفجع العالم أن يتبع هواه لأنه ليس كغيره

يمكن بعض العوام لما يتبع هواه ينصح ويبين له فيعود

لكن العالم إذا اتبع هواه عنده علم يقول والله ذلك الدليل يؤيد ما ذهبت إليه هذا هنا مخرج

فهو له مخارج يخرج منها ، وبالتالي فإن الهوى من الخطورة بمكان

ولذا فإن الهوى لم يرد في الشرع إلا مذموما في غالب الأحوال ولم يأت محمودا إلا على وجه الندرة

الدليل :

أتى دليل على مدح الهوى ولكن ليس الهوى الذي يهوي بصاحبه ، الهوى هوى كما قال عليه الصلاة والسلام : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به )

إذًا أنت تهوى لن تنفك عن الهوى أنت تتمنى

الأصل أن الهوى في المذموم لكن لترتقي بهواك إلى أعلى ما يكون ابتغاء مرضات الله

ولذلك في الصحيح لما عرضت تلك المرأة نفسها على النبي عليه الصلاة والسلام كما في سورة الأحزاب { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ }

عرضت نفسها على النبي عليه الصلاة والسلام ليتزوجها فغارت عائشة رضي الله عنها وقالت ألا تستحي المرأة تعرض نفسها على الرجال فأنزل الله عز وجل هذه الآيات وما بعدها فقالت عائشة رضي الله عنها (( ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك )) يعني في محبوبك

الأصل أن الهوى مذموم ولذلك وقع هذا الهوى موقعه من بني إسرائيل لأنهم علماء  ، وكما أسلفت خطورة الهوى على الجميع لكن على العلماء أعظم

ولذلك قال بعض العلماء بعض السلف : ” اتقوا الدنيا فإنها هي السحارة تسحر قلوب العلماء “

فإذا سحرت قلوب العلماء وعندهم العلم إذًا من تحتهم من باب أولى

إذًا على الإنسان أن يعرف نفسه وقدره وأنه ضعيف ولو كان عالما ولو كان مثقفا ولو كان حافظا للقرآن ولو كان حافظا للسنة فهو ضعيف بحاجة إلى قوة الله

سبحان الله ! ألا يحتاج إلى قوة الله وقد أيد الله عيسى بجبريل ؟

وهو نبي يؤيده بملك لأن النفس البشرية ضعيفة فهي بحاجة إلى قوة والقوة لا تؤخذ الا من الله والقرب من الله لا يكون إلا بالانطراح بين يدي الله عز وجل

أسأل الله لي ولكم الثبات على دينه