تفسير سورة البقرة ــ الدرس ( 102 )
ــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88) }
سورة البقرة ( 87 ـ 88 ) / الجزء الثالث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88) }
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أن الله كما سلف أعطى موسى الكتاب فالتوراة سميت بالكتاب لأن الكتابة معناها الجمع ، فإنك حينما تكتب إنما تجمع حروفا مع حروف فكذلك الكتاب يجمع ما فيه من حروف وكلمات فيكون مكتوبا
وهذه التوراة بين الله في مواطن أخرى أنها ألواح : { وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ }
وهذه التوراة كما أن منها ألواحا منها أيضا صحف قال تعالى : { إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19) }
فسورة الأعلى بأكملها كما قال بعض العلماء أو كما قال البعض الآخر من أن قول الله في أواخر سورة الأعلى :
{ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)}
يعني من قول { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } هذا موجود في صحف موسى وصحف إبراهيم عليهما السلام
بل قال بعض العلماء بل كل ما في السورة سورة الأعلى موجود في صحف موسى وإبراهيم عليهما السلام
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أن الله أنكر عليهم أشد النكير فقال : { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ }
الهمزة هنا للاستفهام استفهام إنكاري ينكر على هؤلاء وهذا الإنكار يقوى بقوة وبكثرة ما رتب عليه هنا أتى بأداة الشرط ” كلما “
” كلما ” تفيد التكرار يعني يتكرر منكم كلما أتاكم رسول يتكرر منكم الاستكبار المتضمن إما التكذيب وإما القتل { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ } الجواب { اسْتَكْبَرْتُمْ } هذا الاستكبار مبني على ماذا أو متضمن ماذا ؟ إما التكذيب وإما القتل
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أن الصفة العظمى في اليهود كما قال شيخ الإسلام رحمه الله هو الكبر
والكبر نوعان :
ــ كبر مخرج عن الملة
ــ وكبر لا يخرج عن الملة
كبر بني إسرائيل كبر مخرج عن الملة لأنهم أعرضوا بهذا الكبر عن ما جاء به الله وجاء به رسوله عليه الصلاة والسلام
بينما الكبر الآخر لا يخرج عن الملة ولكنه على خطورة :
قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم : (( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)) ذرة وزن نملة من كبر
وعرف النبي عليه الصلاة والسلام الكبر بأنه (( بطر الحق وغمط الناس ))
( بطر الحق ) : يعني دفع الحق
( وغمط الناس ) : يعني احتقارهم
المتكبر لم يقم بحق الله حيث قبل الحق ولا هو قام بحق المخلوق من احترامهم وتقديره وعدم احترامه وتنقصه
وقد يجتمع ركنا الكبر في شخص يرد الحق وينتقص الآخرون وقد تنفرد خصلة من خصلة الكبر في شخص قد يكون عنده قبول للحق لكنه يحتقر الآخرين
وقد يكون عنده رد للحق ولكنه لا يحتقر الآخرين لكن في الغالب أن من رد الحق أنه يتنقص الآخرين وأن من تنقص الآخرين أنه في الغالب لا يقبل منهم الحق
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا هنا : { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ }
قال : { بِمَا لَا تَهْوَى } الأصل لو كان في غير القرآن بما لا تهواه أنفسكم فأين الهاء ؟
فلما قال هنا { بِمَا لَا تَهْوَى } حذفت الهاء كما قال القرطبي لطول الاسم أنفسكم فحتى لا تطول الكلمة تهواه مع أنفسكم حذفت الهاء من باب ألا يجتمع طولان { بِمَا لَا تَهْوَى }
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أن بني إسرائيل بين الرسل كما أسلفنا إما التكذيب وإما القتل
هنا اختلف الأسلوب قال في أمر التكذيب { كَذَّبْتُمْ } بالفعل الماضي وقال في القتل { تَقْتُلُونَ } بالفعل المضارع
المضارع يكون للحاضر والمستقبل
فلماذا أتى في سياق التكذيب بالفعل الماضي وفي سياق القتل بالفعل المضارع ؟
لبيان أن هؤلاء وهم بنو إسرائيل لا يزالون ولن يالو اقتلة
يعني هذا هو دأبهم ولذلك قتلولا النبي عليه الصلاة والسلام بالسم
ولذلك ترون أن اليهود حتى في هذه العصور قتلة ظلما وعدوانا
لكن لو قال قائل : التكذيب مازال عندهم ولذلك كذبوا النبي عليه الصلاة والسلام
فالجواب عن هذا : أنه ولو كان الكذب حاصلا منهم إلا وإن خطورة القتل أعظم من خطورة الكذب
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
بيان فضل النبي عليه الصلاة والسلام إذ تميز بعصمة الله من أعدائه حتى لا يقتلوه
ولذلك قال تعالى : { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }
يعني كان هو عليه الصلاة والسلام يحرس من قبل أصحابه فأراد بعض أصحابه أن يحرسه ذات ليلة فقال : اذهب فقد أنزل الله قوله { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }
{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)}
بينما الرسل المتقدمون قتلوا لم تكن لهم عصمة
لكن المشكل هنا أن النبي عليه الصلاة والسلام قتل من قبل هؤلاء أو تسببوا فهل يتنافى مع الآية ؟
لا يتنافى مع الآية ، لم ؟
لأنه عليه الصلاة والسلام كما قال بعض العلماء لأن العصمة هنا من القتل حال التبليغ يدليل أول الآية
ولدي قول لم أر أحدا قال به وأقول إن قتل الرسل السابقين كان قتلا مباشرا بينما هو عليه الصلاة والسلام هذا القتل الذي جرى له جرى له وبقي سنين ولم يتأثر بهذا لأن هذا السم كان في غزوة خيبر في السنة السابعة وتوفي النبي عليه الصلاة والسلام في السنة الحادية عشرة
يعني كم سنة ؟
أربع سنوات ومع ذلك كان يبلغ وكان عليه الصلاة والسلام يخوض المعارك في غير دعوة ومع ذلك ما قتل وما تسلط عليه أحد
لكن من باب بيان أن النبي عليه الصلاة والسلام حتى يزيد فضله أنه عليه الصلاة والسلام كما أنه معصوم من أن يقتل مع أنه سم أراد الله أن يرفع منزلته مع كونه نبيا وأنه أفضل الأنبياء أراد أن يجمع له مع النبوة الشهادة
لأن السم كان في غزوة خيبر وهذا من تأثير تلك الغزوة فيحسب النبي عليه الصلاة والسلام من ضمن الشهداء