تفسير سورة البقرة الدرس ( 103 ) [ ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا ..] الآيات ( 87 88 ) الجزء الرابع

تفسير سورة البقرة الدرس ( 103 ) [ ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا ..] الآيات ( 87 88 ) الجزء الرابع

مشاهدات: 440

تفسير سورة البقرة ــ الدرس ( 103 )

ــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

 { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88) }

سورة البقرة ( 87 ـ 88 )  / الجزء الرابع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88) }

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أن بعد ما صنعته اليهود من القتل والتكذيب تذرعوا بكلام ما ينبغي أن يتكلم به عاقل فضلا عن علماء فقالوا { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ }

بمعنى أن قلوبنا مغلفة فلا تسمع شيئا ولا تعي خيرا { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} يعني قد غلف عليها

فرد الله عليهم فقال : { بَلْ }

بل هنا تفيد ماذا ؟

مرت معنا بل مثل بلى ، { بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ } هذا أسلوب يسمى بالأسلوب الإبطالي { بَلْ } هنا هي الإبطالية يعني أبطل وأعرض عن كلا مهم السابق بكلام آخر خلاف ما قالوه ، هم قالوا { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } فهنا إضراب إبطالي

بمعنى أنه انتقل إلى شيء آخر فقال { بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ }

 

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــ

أن مدار سعادة الإنسان على ما حواه قلبه ، فإذا حوى قلبك من الخير الشيء الكثير فإنك بقدر ما تحمله من هذا الخير تكون سعيدا في دنياك مكرما عند الله وبقدر ما يقل بقدر ما تقل سعادتك وكرامتك

بل إذا انعدم الخير في قلبك انعدم منك الخير والسعادة

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )

فعلى المسلم أن يأخذ العبرة والعظة من هؤلاء فهم علماء وحملوا في قلوبهم العلم والعلم لا يجدي ولا يفيد إذا لم يصحب صاحبه العمل  ، إذا لم يكن هناك عمل فإنه لا خير

ولاشك أن العلم إذا وقع في القلب فإنه مؤثر فليس العالم كالجاهل ولكن خطورة الإعراض من العالم أعظم من خطورة إعراض الجاهل

ولذلك انظروا إلى الرد : { بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } هنا في سورة البقرة

في سورة النساء { بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ }

إذًا انظروا حصلت لهم عقوبتان : بسب هذا القول الذي منشؤه من الكبر

{ اسْتَكْبَرْتُمْ } {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ } هذا مبني على استكبارهم وإلا لو كانوا متواضعين كانت قلوبهم مفتوحة  لكن هذا الكبر أغلق قلوبهم ، وبالتالي لما أغلقت هذه القلوب طبع الله عليها ولما طبع الله عليها لعنهم فالطبع واللعن حاصلان بسبب كفرهم

هذا الكفر كفر ماذا ؟

كفر استكبار

ولذلك وهي الفائدة التي تليها :

لم يقل بكفرهم لقتل الأنبياء أو لتكذيبهم قال { بِكُفْرِهِمْ } حذف المعمول

وحذف المعمول كما هي القاعدة في التفسير تفيد العموم { بِكُفْرِهِمْ }

أي كفر ؟ عام لكي يشمل كفرهم بالتكذيب بالقتل بلبس الحق بالباطل بكتمان الحق بالقول على الله بلا علم  قل ما تشاء من أنواع الكفر

وهذا يدل على خطورة ما كانت عليه اليهود

ولكن العجب مع أنهم قالوا { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } العجب من هذا أننا نسير مع أن القرآن وضح خطورة ما كان عليه اليهود ومع هذا نسير نحن الآن خلف هؤلاء اليهود  ، ولو من حيث الصورة  ، بعض الناس تأتي وتقول : يا أخي صل فيقول : الله ما هداني ، ما كتب لي الهداية ، هذا مثل قول اليهود

{ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } يعني كأنك تقول قلبي مغلق فلم يهده الله عز وجل

سبحان الله ! لك مشيئة لك إرادة

ولذلك تقدم لو رأى الله من هذا العاصي أو من هذا الفاسق تقدما أعانه الله لكن كونه ينحصر مع نفسه ويحبس نفسه مع شيطانه ويقول لم يهدني الله هذا هو الخطأ

ولذلك ألم يقل الله عز وجل كما في الحديث القدسي في  الصحيح :  (( من تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا

ومن أتاني يمشي أتيته هرولا ))

يعني تحرك أري الله من نفسك خيرا

بعض الخطوات التي تقدمها لله وابتغاء الأجر من الله تعان عليها

يعني بعض الناس ربما أنه يتأثر بأي كلمة بأي آية ، أحد الإخوان في رمضان قبل خمس أو ست سنوات يقول أنا غير متسقيم ولا أصلي ولا أصوم ، فالشاهد من هذا أن بعضهم الأخوة قال نصلي مع فلان ( وهو أنا  ) نصلي  معه هذه الليلة فيقول بعد إلحاح أتوا فيقول : لا أنزل

فهم نزلوا وبقي في السيارة ، يقول سبحان الله ! سمعت قراءة القرآن فتأثرت ، فنزلت وتوضأت وصليت يقول بعد تلك اللحظة إذا بالرجل شخص آخر

يقول هذه هي حالي ، إذًا  أري الله من نفسك ولو بعض الشيء

بعض الناس يقول والله لا أستطيع أن أستيقظ لصلاة الفجر

يا أخي ضع المنبه أوصي غيرك بأن يوقظك مرة ومرة ومرة

بعض السلف كان يقول كابدت قيام الليل لابد من المكابدة { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ } بعض الناس يظن { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ }يظن أن الأمر فقط فيما يتعلق بأمور الدنيا ، لا ، أنت مخلوق في كبد في مجاهدة كما قال تعالى : { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ } تنتقل من حال إلى حال

 

أري الله من نفسك خيرا تجد الخير

يقول بعض السلف : ” كابدت قيام الليل عشرين سنة ثم تلذذت بها عشرين سنة “

لكن نحن لا نتعاهد قلوبنا

بعض الناس لما تنصحه يقول : الله يهدينا

طيب : افعل شيئا تحرك فلا نأخذ هدينا وطريقتنا من طريقة اليهود ولو من حيث لا نشعر ، بعض الناس قد يسلك طريقة اليهود من حيث لا يشعر

لكن هذه الطريقة هي طريقة اليهود : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ } يعني ما كتب الله لها الهداية

سبحان الله ! ما كتب الله لكم الهداية وأنتم معكم العلم الذي هو الهدى :

{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ }

الهدى هو العلم ، ودين الحق هو العمل الصالح

يعني ما بقي عندكم إلا دين الحق الهدى معكم العلم معكم الوسية إلى الهدى هو العلم : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } العلماء هم الذين يخشون  الله

أنتم علماء ولكن انظروا خطورة إعراض العالم فإن عقوبته أشد

{ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } { بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ }

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أن اللعن هو الطرد والإبعاد

في اللغة : يقولون فلان لعين يعني مطرود لكن لا يجوز أن يتلفظ بها الإنسان والإنسان مسلم ويجب عليه إذا تلفظ أن يتلفظ بالألفاظ الشرعية

يعني لو أن إنسانا من حيث اللغة قال لشخص : لعنتك من بيتي يعني طردتك

لكن لا ينبغي للمسلم أن يقولها

لكن من حيث الاصطلاح : هو الطرد والإبعاد عن رحمة الناس

بعض الناس يظن أن اللعن هو أقصى وأعظم درجات سب المسلم لأخيه المسلم ، لا

الغضب أشد : لو قلت ” غضب الله عليك ” أشد

أو قلت أدخلك الله النار أشد

ولذلك عند الترمذي قوله عليه الصلاة والسلام : (( لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار ))

في آيات اللعان في حق الرجل : { وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ }

في حق المرأة :  { وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا }

لماذا اختلف الأسلوب ؟

لأن حقيقة الزنى تعلم به المرأة أكثر من الرجل فكانت اللعنة في حقه أولى بينما الغضب في حقها أولى لأن الغضب أعظم

 

 

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أن الباء هنا سببية في قوله { بِكُفْرِهِمْ } يعني بسبب الكفر لعنهم الله

 

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أنه قال  { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ }  ما معنى هذه الجملة من هذه الآية ؟

هل معناها : أن إيمانهم بكتب الله قليل أو أن عدد اليهود ممن آمن قليل أو أنهم يؤمنون بما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام زمنا قليلا ثم يعرضون أو أنه لا إيمان عندهم البتة  ؟ يعني الإيمان منعدم تماما ؟

{ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ }  فتكون { مَا } هنا زائدة والحروف الزائدة للتأكيد فالحرف الزائد هنا لتأكيد قلة إيمانهم

وإذا قلنا حروف زائدة لتعلم أنه ليس في كتاب الله حروف زائدة ، حروف زائدة من حيث الإعراب عند النحويين نعم لكن من حيث المعنى لا

إذا أتى الحرف الزائد في اللغة يقصد به الزيادة من حيث المعنى والإعراب

لكن ما فيه حرف في كتاب الله إلا وله فائدة ومعنى

ولذلك قول الله عز وجل : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } أصل الكلام ليس مثله شيء لكن لما أتى بالكاف هنا زائدة من حيث الإعراب لتأكيد نفي أن لله مثيلا

وكذلك هنا تأكيد لقلة إيمانهم

ويمكن أن يكون معنى ذلك أن عدد من آمن منهم قليل

وهذا هو الذي حصل

لما أتى النبي عليه الصلاة والسلام لم يؤمن إلا قليل

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام ( لو آمن بي عشرة من يهود لآمنت بي اليهود )

علماء الشرع هم سلاح ذو حدين : إن أعطاهم  الله الهدى والتقى نفع الله  بهم

وإن صرف الله قلوبهم وأصبحت الدنيا همهم فإن ضررهم على المجتمع أفظع من ضرر العصاة والفساق

وانظر إلى حال علماء اليهود مع العلماء الآخرين

ولذلك ماذا قال عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري مما يدل على قلة من آمن به منهم قال : (( لو آمن بي عشرة من يهود لآمنت بي اليهود ))  يدل على أن العالم ينفع الله به إن هداه الله

ولا أحد يأمن

هذا فائدة لنا :

الإنسان لا يأمن على نفسه من الضلال

فإذا كان العلماء يداهمهم الخطر فمن باب أولى من هو دونهم

فليكن المسلم على حذر من مساخط الله عز وجل

 

ويمكن أن يكون المعنى { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } أن زمن إيمانهم قليل والدليل في سورة آل عمران : { وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ } مما يدل على أن إيمانهم في زمن قليل

 

ويمكن أن يكون هنا { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } يعني العدم

والقلة تطلق على العدم كا لو قلت : فلان قليلا ما يفهم قد يكون مقصودك أن فهمه قليل وقد يكون قصدك أن الفهم منه منعدم

فيصح إطلاق القلة في اللغة العربية على الشيء القليل وهذا هو الأصل

وقد يجوز أن تطلق على العدم كما قال تعالى هنا { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } ولاشك أن هؤلاء قد انعدم منهم الإيمان وقد يكون هذا أقرب مع أن المعاني الأخرى لها دلائل من حيث إن إيمانهم من حيث الزمن قليل لكنه إيمان تشويش على آحاد الصحابة : { وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ } قالوا آمنوا أول النهار وكفروا أخره حتى يحدث بلبلة في قلوب آحاد الصحابة كيف هؤلاء علماء يؤمنون أول النهار ويكفرون آخره ؟

إذًا هذا الإيمان ليس إيمانا محمودا ولذلك يمكن أن يكون هذا المعنى بعيدا لأن مقصودهم هو التشكيك

ولذلك في قضية القبلة صرفت من بيت المقدس إلى الكعبة : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا }

يقولون : يعني محمد على ما يروق له مرة إلى تلك الجهة ومرة إلى تلك الجهة يعني محمد لا يعرف حكم ربه

ولذلك هم كعلماء يوقعون الشبه في نفوس المؤمنين

ولكن القلة هنا من حيث العدم هي الأوضح فيما أراه ، كيف ؟

لأنه قال قبلها : { بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } وإذا أتى الكفر يبقى شيء من الإيمان  ؟ لا

فدل على أن قوله { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } الأوضح والأظهر أنها هي العدم

فنسأل الله  لنا ولكم الهدى والتقى والعفاف والغنى