تفسير سورة البقرة ــ الدرس { 105 }
ــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ ………. }
سورة البقرة ـ الآيات { 89 ، 90 ، 91 } الجزء الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ {89} بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ {90} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {91}}
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
بيان أن هذا القرآن منزل غير مخلوق { أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ }
معتقد أهل السنة والجماعة خلافا للجهمية وغيره مممن ضل في كلام الله :
أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، وذلك لأن الآيات أتت بذكر لفظ التنزيل
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)}
{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) }
لكن لو قال قائل :
قول الله عز وجل في سورة الزخرف : {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) }
فيجاب عن هذا :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أن هذا الجعل المذكور في هذه الآية مفسر بالآية الأخرى التي في أول سورة يوسف { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) }
لو قال قائل :
لم لا تحمل هذه الآية التي في سورة يوسف على هذه الآية فيكون لمعنى في قوله { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ } بمعنى { إِنَّا جَعَلْنَاهُ }
فنقول : النصوص الوارد ة الكثيرة كلها أتت بالتنزيل
ثم إن الجعل هنا يختلف معناه من حيث اللغة فإن نصب مفعولين فيكون بمعنى صير بينما إذا نصب مفعولا واحدا فيكون بمعنى خلق ، والأدلة :
قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ }
ليس هنا إلا مفعول واحد
إذًا جعل هنا التي في أول سورة الأنعام بمعنى خلق ، هنا : { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا } نصبت مفعولين فيكون بمعنى صيرناه مصير ليس لأنه مخلوق مصير على أنه عربي ليس أعجمي ، ولذلك قال تعالى في سورة فصلت : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ }
ولذلك أنكر الله عليهم في أواخر سورة النحل : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) }
فاللسان يعني لغة من يميلون إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام تعلمه من ذلك الأعجمي يقول : { لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ } هذا أعجمي
{ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } لا يمكن أن يجتمعا
فالشاهد من هذا :
أن القرآن منزل غير مخلوق ، وقد امتحن الإمام أحمد من الجهمية لما انفتحت لهم الأبواب عن طريق أمراء السوء وأرغموا الناس على أن يقولوا إن القرآن مخلوق وأنزلوا بهم العذاب
فطائفة كبيرة من العلماء أخذوا بمبدأ الترخص بالتورية فقالوا إنه مخلوق
بينما الإمام أحمد ، لا ، لأنه عرف أنه تعين عليه أن يبقى على هذا القول جهارا
ما في قلبه أظهره على لسانه ، لم ؟ لأنه لم يبق أحد
فتصوروا لو أن الإمام أحمد قال إن القرآن مخلوق حتى ينجي نفسه بما أباحه له الشرع لصارت هذه البدعة إلى من بعده وانتشرت
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أن تنزيل القرآن فضل من الله { أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}
وتنزيل القرآن فضل ، الهدى والعلم فضل
ولذلك قال تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}
ولذلك كما سيأتي معنا من آيات {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) }
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أن القرآن بما فيه من العلم من أعطيه فإنه أعطي نعمة وفضلا فيجب عليه أن يشكر الله على هذه النعمة أكثر من شكره لنعم الدنيا
وقد طبقها النبي عليه الصلاة والسلام { أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}هو نزل على النبي عليه الصلاة والسلام فما هو حاله ؟
في الصحيحين :
تقول عائشة يا رسول الله ـ لما كان يصلي الليل وتتفطر قدماه من طول القيام ـ فقالت : ( يارسول الله أتفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من نبك وما تأخر ؟! فيقول : يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا )
يشكر هذا الفضل الذي هو القرآن
وهذا توجيه من الله لنبيه عليه الصلاة والسلام ولمن أتى بعده ممن تحمل هذا العلم المذكور في القرآن وكل على حسب ما تحمله
ولذلك كلما زاد علم الإنسان كلما كانت الحجة عليه أكبر وكلما كانت العبادة في حقه أوجب { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أن الفضل من الله ليس بحول الإنسان ولا بقوته
ولذلك : قريش لما علمت مما سمعت من أهل الكتاب أن هناك نبيا يبعث اسمه محمد قبل أن يأتي النبي عليه الصلاة والسلام سمى أشخاص أبناءهم بمحمد رجاء أن يكون هو النبي
يقول السخاوي : فهم سبعة لا ثامن لهم سبعة فقط ، هم الذين سموا أبناءهم بمحمد ، من بين هؤلاء السبعة : عبد المطلب سمى النبي عليه الصلاة والسلام محمد
لكن سبحان الله ! حفظ الله هذا الفضل للنبي عليه الصلاة والسلام
يعني اسم أحمد لم يتسم به أحد { وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ } مع أنهم كانوا يسمعون الخبر من أهل الكتاب بأن اسمه أحمد وبالتالي ما ظفروا به ، هذا فضل من الله يعطيه من يشاء
لا تقل هذا حولي أو هذه قوتي أو هذا ذكائي أو هذه حافظتي أو أنا عالم أو أنا مثقف أو أنا أفهم ما لم يفهمه غيري هذا فضل من الله لو شاء أن يسلبه منك سلبه منك
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أن قوله تعالى : { مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ } إثبات المشيئة لله عز وجل
والمشيئة هنا هي المشيئة الكونية القدرية يعني شاء أن ينزل القرآن على محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام فوقع
لأن إرادة الله نوعان : كونية قدرية وشرعية دينية
أراد الله أن يزني شخص أو أن يسرق هذه كونية فلا يلزم من كونه جل وعلا يريد إرادة كونية قدرية لا يلزم أنه يحب هذا الفعل ، أما الإرادة الشرعية فإنه يحبها ، أراد منا أن نصلي لأنه يحبها لأنها إرادة شرعية دينية
أراد من فلان أن يسرق فسرق إرادة كونية لا يلزم أنه يحبها ، ولذا تجتمع الإرادتان الكونية والشرعية في حق المؤمن ، كيف ؟
لما يصلي يصوم يحج هذه إرادة دينية أحبها الله ولولا إرادته الكونية القدرية ما استطاع أحد أن يصلي ، فاجتمعت الإرادتان الكونية والشرعية في حق المؤمن ، ومشيئته جل وعلا مبنية على علم ، بعض منا يشاء ويريد لكن ليست مبنية على علم ، ممكن أنا أريد شيئا لكني لا أعلم مخاطره ومفاسده
أما الله ، فلا ، مبنية مشيئته على العلم والحكمة ، قد يشاء منا شخص شيئا ويعلم به لكن قد لا يكون حكيما في اختياره
ولذلك قال تعالى : { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) }
أتى هذان الاسمان العليم والحكيم بعد المشيئة لأن مشيئته جل وعلا مشيئة مبنية على علم وحكمة
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أنه قال : { عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ }
هذا الفضل الذي هو القرآن وهذا العلم وهذا الخير الديني أعطاه من ؟ عباده
نأخذ فوائد من كلمة { عِبَادِهِ } :
إذا كان هذا المعطى هذا الخير عبدا أفيرفع إلى منزلة الإله ؟ الجواب : لا
إذًا ما يفعله بعض غلاة الصوفية في الغلو في النبي عليه الصلاة والسلام هذا خلاف الآية { عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } هذا عبد لله عز وجل
بل قالها النبي عليه الصلاة والسلام : ( إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أنه إذا أعطيت هذا الفضل وهذا العلم إذًا عليك أن تعبد الله هذه هي الحقيقة هذه هي الثمرة من هذا الفضل
ولذلك هؤلاء اليهود أعطوا الفضل أعطوا التوراة أعطوا الإنجيل النصارى ولكن هل هم عباد لله ؟ لا ، ما نفعهم
فالقضية ما هي قضية وصول النعمة إليك ، القضية قضية ماذا هو فعلك في هذه النعمة