تفسير سورة البقرة الدرس ( 106 ) [ ولما جاءهم كتاب من عند الله .. ] الآيات ( 89 90 91 ) الجزء الثالث

تفسير سورة البقرة الدرس ( 106 ) [ ولما جاءهم كتاب من عند الله .. ] الآيات ( 89 90 91 ) الجزء الثالث

مشاهدات: 424

تفسير سورة البقرة ــ الدرس { 106 }

ــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ ………. }

سورة البقرة ـ الآيات { 89 ، 90 ، 91 } الجزء الثالث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

قوله تعالى :

{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ {89} بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ {90} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {91}}

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

بيان ما انطوت عليه نفوس اليهود من البغي ، ولذا قال تعالى : { بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } فلأنهم لا يرون أن الفضل لا يكون إلا لهم حسدوا النبي عليه الصلاة والسلام وهذا الحسد جرهم إلى أن يعرضوا عما جاء به مع انهم كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج أن هناك نبيا سيبعث وأنهم سيتبعونه وأنهم سيقاتلون مع هذا النبي

لكن اللفتة هنا هي : قال هنا { بَغْيًا } أقال حسدا   ؟ لا

قال : { بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } البغي هو التطاول على الغير لكن المفسرين فسروا البغي هنا بالحسد من  باب تفسير الشيء بسببه لأنه ما سبب التطاول والاعتداء على الآخرين ؟ هو الحسد

ولذلك المفسرون فسروا البغي هنا بأنه الحسد ، مع أن البغي في معناه هو الاعتداء على الآخرين ، من باب أن الحسد هو السبب الموصل إلى هذا البغي

 

من الفوائد  :

ـــــــــــــــــــــ

أن كلمة البغي في اللغة العربية بمعنى الفساد ، لأن التطاول على الغير يسبب الإفساد في الأرض ، ولذلك قال تعالى في هذه السورة : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) } لأن هذا هو التطاول الاعتداء على الأنفس على الثمرات على ما في الأرض هو سبب الفساد

ولذلك لماذا تسمى الزانية بأنها بغي ؟ لأنها تفسد فرجها على زوجها

ففيه اعتداء وبغي على الزوج ، بغي على عشيرتها لما تدنس سمعتهم

بغي على المجتمع لأن الزنى إذا انتشر وعم يحل بهذا المجتمع الوباء والبلاء وتتفرق الأسر ، فانظر إلى عظيم اللغة العربية لما تفسر كلمة في القرآن

 

من الفوائد  :

ـــــــــــــــــــــ

أنه جل وعلا قال في عقوبة هؤلاء اليهود : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ }

باءوا يعني رجعوا تقول باء فلان بالشيء يعني رجع به

{ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ } إذًا هناك غضبان أصاب هؤلاء اليهود وهذا إن دل يدل على أن الذنب يجر الذنب والذنب الأسبق ينتج منه أو يسبب غضب  الله ، الذنب الآخر الذي يعقبه يسبب غضب الله

{ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ } ما هما هذان الغضبان ؟

أنهم كفروا برسالة عيسى عليه السلام ولم يأخذوا بما جاء في التوراة  لما ذكر في مطلع الآيات أنهم كانوا يستفتحون على الذين كفروا

{ عَلَى غَضَبٍ } بكفرهم بالقرآن وبالنبي عليه الصلاة والسلام

 

من الفوائد  :

ـــــــــــــــــــــ

إثبات صفة الغضب لله عز وجل بما يليق بجلاله وعظمته

الغضب في اللغة هو غليان دم القلب بغية الانتقام ، هذا فيما يخصنا نحن

هذاغضبنا ، لكن بالنسبة إلى غضب الله فإنه لا يمثل بغضب المخلوق

إذًا نثبت صفة الغضب لله لكن من غير تكييف ولا تمثيل

أي صفة تمر بك في القرآن أو في السنة لله عز وجل أثبتها ولا تخف لكن احذر من أمرين : التكييف والتمثيل

لا تقل  كيفيتها كذا وكاذ لأن الكيف مجهول ، صفة الغضب لها كيفية لكننا لا نعلمها وهذا مما استأثر الله بعلمه

إذًا لا نكيف ولا نمثل  ، بمعنى أننا لا نقول غضبه كغضب المخلوق رحمته كرحمة المخلو ق ، لا  ، إذًا إثبات صفة الغضب لله من غير تكييف ولا تمثيل الذي هو التشبيه

 

من الفوائد  :

ـــــــــــــــــــــ

أن اليهود كفروا بما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام من أجل أن يبقى هؤلاء هم المميزين ، فأرادوا بتكذيبه عليه الصلاة والسلام مع أنه حق أرادوا أن يكونوا في رفعة لأن الإنسان لما يتميز بالشيء يكون عاليا

فكان العقاب من الله عز وجل نقيض ما قصدوا ، هم أرادوا الرفعة والعلو فماذا قال عز وجل : { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ } يعني هذا العذاب فيه إهانة وإذلال لهم ، ولذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام كما في المسند

قال : (( يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر يطؤهم الناس ))

من باب إهانة هؤلاء

 

من الفوائد  :

ـــــــــــــــــــــ

أنه تعالى قال : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ } هل قال ولهم عذاب مهين لا ، قال : { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ } لماذا صرح هنا أظهر هنا في مقام الإضمار لو كان في غير القرآن ولهم عذاب مهين لأن السياق مازال في اليهود ، لكن لماذا قال : { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ } ؟ من باب أن يبين العلة فيما وقع فيه هؤلاء

ما الذي أوقع هؤلاء ؟ الكفر

أيضا من فوائد الإظهارفي مقام الإضمار :

هنا أظهر الحكم على هؤلاء بأن لهم عذابا مهينا أن هؤلاء كما قلنا الذي دفعهم وأوقعهم في هذا الكفر

الثاني : أن من صنع صنيعهم فهو كافر ، ليشمل هؤلاء ويشمل غيرهم ممن سار حذوهم

 

من الفوائد  :

ـــــــــــــــــــــ

أنه قال :  { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ }

العذاب في اللغة : المنع تقول : هذا ماء عذب يعني يمنع العطش

كذلك هؤلاء لهم عذاب مهين يعني أن العذاب الذي ينزل بهؤلاء يمنع عنهم الخير ويمنع عنهم السعادة

 

من الفوائد  :

ـــــــــــــــــــــ

أنه جل وعلا قال : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا }

من القائل ؟

لم يظهر هنا هل هو النبي عليه الصلاة والسلام أم هم الصحابة  ؟ يصح ولذلك لم يذكر القائل هنا :  { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا  } يعني ذكر بما لم يسم فاعله من باب أن هذا الخطاب يصلح لمن وجه إليهم هذا الخطاب سواء كان الموجه إليهم هو النبي عليه الصلاة والسلام أو الصحابة

 

من الفوائد  :

ـــــــــــــــــــــ

إثبات أن القرآن منزل غير مخلوق  : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ }

المقصود هنا هو القرآن يعني آمنوا بالقرآن الذي أنزل على النبي عليه الصلاة والسلام فهذه آية تدل على أن القرآن منزل غير مخلوق

 

من الفوائد  :

ـــــــــــــــــــــ

أن تنزيل الشيء من عند الله فيه إثبات صفة العلو لله عز وجل لأن الشيء الذي ينزل إنما ينزل من علو ، ولذلك علو الله لأن هناك بعض الطوائف تقول أو تنكر علو ذات الله تقول لو قلنا إن الله في العلو لقلنا إنه في جهة وهو منزه عن الجهة  ، وهذا من الضلال المبين

ولذلك السلف يقولون : هناك أكثر من ألف دليل على إثبات علو الله

بعض الناس يمكن من خلال انفجار هذه الوسائل المعلوماتية يمكن يسمع من أن الله ليس في السماء ، وهذا خطأ عظيم

{ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ }

لما سأل النبي عليه الصلاة والسلام تلك الجارية : ( أين الله  ؟ قالت في السماء قال : أعتقها )   ــ لم ؟  ( فإنها مؤمنة )

إذًا من لا يثبت علو الله فإنه ليس بمؤمن

ولكن لتعلم :

أن الله في العلو ولم تحط به السماء  ، ليست السماء محيطة به لا تحيطه السموات ولا يحيط به شيء  من مخلوقاته ولا هو محتاج إلى السماء ولا إلى العرش  بل  كل شيء  محتاج إليه وفقير إليه جل وعلا { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى }

الله عز وجل قد استوى على العرش فليعلم أن الله في العلو

أي دليل من كتاب أو سنة  فيه إنزال من الله فإن هذا الدليل تستدل به على علو الله لأن هناك بعض الطوائف تقول إن الله حل في كل مكان يعني  ليس في جهة الذي ليس في جهة هو المعدوم ، شيء ليس في جهة هو المعدوم ، ولذلك يقولون حل الله في كل مكان ، ولذلك يترتب على هذا القول أن الله حل في أماكن القاذورات تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا

لكن لو قال قائل هناك بعض الآيات :

لتعلموا أنه جل وعلا يذكر بعض الأدلة من باب الامتحان ، يعني نأتي إلى دليل أو دليلين نأخذ به ونترك آلاف الأدلة

هل هذا من العقل قبل أن نوضح ؟ هذا ليس من العقل

نأخذ بالكثرة ، والقلة لها تفسير فتضم إلى الكثرة فيصبح الجميع محكما

القرآن من حكيم عليم ليس من البشر فيه تناقض لا : { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ }

قول الله عز وجل : { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ }

المقصود من هذه الآية : أنه كما هو معبود في السماء يعبده أهل السماء يعبده أهل الأرض فيتفطن العبد لحقيقة من يعبد ولذلك تتمة الآية ما هي ؟

{ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ } يعني يعلم ما تفعله أنت يا من في الأرض

الآية الأخرى  : قول الله  :{ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ }

الآية هنا أي أنه معبود في الأرض وأنت يا من في الأرض لتعلم أنه جل وعلا يعلم ما دق منك وما صغر ولذلك انظروا إلى الآية

{ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ } فلا يخفى عليه جل وعلا خافية

إذًا : إثبات صفة العلو لله بما يليق بجلاله وعظمته

ولذلك بعض من ضل في هذا الباب لما يدعو قديما أثر عنه لأن عقله اختل أي شخص لا يسير حيث سارت النصوص الشرعية يختل عقله ولو كان ذكيا ، إذا لم يفهمك الله ويعطك الفهم وإلا ضللت ولو كنت صاحب عقل

إذا سجد قال  : سبحان ربي الأسفل

ولذلك بعض الأشخاص نراهم يفدون إلينا من الخارج ليسوا من العرب أحيانا لما تناقش بعضهم تجد أنه إذا دعا الله لما يدعو تجد أنه يلتفت يمينا ويسارا وهكذا ، أين قلبه

هذا فيه إشارة لأن بعضهم ثبرت حاله ونظرت إلى وضعه وبحثت عن حاله فإذا به  يعتقد أن الله حل في كل مكان

ولذلك يدعو الله وهو يلتفت يمنة ويسرة  ، هذا خطأ

العقيدة الصحيحة : أن الله في العلو وليس في السماء المبنية بل فوق السماء لا تحيط به السماء ولا تقله السماء ولا يحيط به شيء ولا يحتاج إلى السماء ولا إلى العرش بل كل شيء يحتاج إليه لأنه هو الذي خلقها

لأن بعضا من الناس يقول : { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ }  يعني هو في السماء  ، المقصود { مَنْ فِي السَّمَاءِ } العلو لأن كل ما علاك فهو سماء

هذا السقف سماء كل ما علاك فهو سماء ، وكل ما هو تحت قدمك فهو أرض  ، فكيف يكون في السماء وقد قال جل وعلا : { وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ } كيف يحتاج إلى السماء وهي الضعيفة

{ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }

والحديث عن العقيدة ولاسيما عن صفات الله وأسمائه يزيد الإيمان

لأن بعضا من الناس يقول توحيد الأسماء والصفات يد الله قدم الله يعني هذه نأخذها هكذا ، لا ، هي تزيد الإيمان

وكلما كان الإنسان كما قال ابن القيم كلما كان الإنسان عارفا لأسماء الله وعارفا بمعانيها وعاملا بمقتضاها كلما كان أكثر قربا إلى الله من غيره وكلما زاد حسن ظنه بالله

أنت مريض أين اسم الله الشافي ؟ ، أنت فقير أين استحضارك لاسم الله الغني ؟ الرزاق  الوهاب

أنت مظلوم أين اسم الله المتكبر القوي العظيم ؟

فهذه الأسماء أسماء الله تزيدك إيمانا

ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين : (( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة  )) بعض الناس يقول أحصيها أحفظها

لكن هل عمل بمقتضاها ؟

الرحيم التواب ،  أنت مذنب أسرفت في الذنب لا يبلغ بك اليأس إذا تبت إلى الله  ، لم ؟ لأن من بين أسمائه التواب الرحيم

ولذلك على المسلم أن يستحضر هذا المعنى