تفسير سورة البقرة الدرس ( 112 ) [ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا … ] الآية ( 93 ) الجزء الثاني

تفسير سورة البقرة الدرس ( 112 ) [ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا … ] الآية ( 93 ) الجزء الثاني

مشاهدات: 475

تفسير سورة البقرة ــ الدرس  { 112 }

ــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

 { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {93} }

سورة البقرة ـ الآية { 93 }  ــ الجزء الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عندنا تفسير قوله تعالى :

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {93} }

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أن الله أمر اليهود بأن يسمعوا أمرهم أن يأخذوا التوراة بقوة وأن يسمعوا وما نوع هذا السماع لأن السماع نوعان : سمع إدراك ، وسمع إجابة

يعني تقول مثلا لابنك : اذهب فاشتر كذا  ، هو الآن سمع كلامك

هنا لو ذهب واشترى ذلكم الشيء يكون سمع إجابة  ، لكن سمعك ولم يذهب ليشتري هذا الشيء هذا سمع إدراك

يعني سمع وأدرك كلامك بحاسة السمع لكنه ما استجاب

فالسماع نوعان : سمع إدراك  ، وسمع إجابة

قولنا في الصلاة بعدما نرفع من الركوع : سمع الله لمن حمده

ما معناها ؟ استجاب الله لمن حمده

هو جل وعلا  يسمع لكن معنى ” سمع الله لمن حمده ” يعني استجاب الله لمن حمده

دعاء النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم ( وأعوذ بك من دعاء لا  يسمع )

ما معنى  ” دعاء لا يسمع ” ؟ ألا يسمع الله جل وعلا الدعاء ؟

بلى ، هو سميع بصير{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ } فالسمع هنا سمع الله لمن حمده يعني استجاب الله لمن حمده

( وأعوذ بك من دعاء لا يسمع ) تبينه الرواية الأخرى كما عند الترمذي

( وأعوذ بك من دعاء لا يستجاب له )

فهنا : ذكر السماع { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا } هل المقصود بقوله بهذا الأمر { وَاسْمَعُوا } أن يسمعوا فقط بحواسهم أم المقصود أن يكون هذا السماع وسيلة إلى القبول والإجابة ؟ إلى القبول والإجابة

ولذلك قال : { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا } يعني سمع استجابة لكنهم
{ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } يقولون سمعنا إدراكا لكن أين سماع الإجابة ؟ معدوم

يوضح هذا كله قوله تعالى : { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ }

فالسماع نوعان  : سمع إدراك ، وسمع إجابة

المعول عليه سمع الإجابة  ، لكن هؤلاء لما أمروا بسماع الإجابة أثبتوا أنهم سمعوا لكن أي سمع ؟ أهو السماع الذي يوافق أمر الله ؟ لا

ولذلك قالوا : { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } يعني انظروا إلى الغلظة والقسوة

يعني صرحوا تصريحا واضحا لأن الإنسان حاله يعبر عنه  ، لكن هؤلاء مع تعبير الحال عنهم صرحوا أيضا بأنهم لن يستجيبوا

يعني : لما تأمر ابنك بشيء اذهب فاشتر كذا فلم يفعل هنا حاله بينت أنه عاص ليس بمستجيب تقول هذا الابن عاص

هؤلاء لم ينفذوا في واقعهم بل أعلنوها مجاهرة  { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا }

وهذا نأخذ منه فائدة : أن من أوائل المجاهرين بالذنوب هم اليهود الدليل هنا  { قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا }  والنبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في الصحيحين : ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يفعل الرجل الذنب بالليل فيصبح وقد ستره الله فيهتك ستر الله يقول فعلت كذا ووفعلت كذا )

ما معنى ( كل أمتي معافى ) ؟

يعني : الإنسان يكون في عافية بحيث إنه يفتح الله له أبواب هداية فيعود إذا لم يجاهر بالذنب لكن إذا جاهر بالذنب فإنه خليق بأن تغلق أمامه ودونه أبواب الخير كما قال ابن القيم

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أن ديدن بني إسرائيل قبول العلم دون العمل : { قَالُوا سَمِعْنَا } إذًا تلقينا هذا العلم لكن أين العمل { وَعَصَيْنَا }

ولذلك غضب الله عليهم   لم ؟

لأنهم عرفوا الحق ولم يعملوا به  { قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا }

 

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــ

بيان فظيعة الشرك وأن هذا القلب الذي في جسدك لا يمكن أن يحتمل وأن يحمل توحيدا وشركا فهما متناقضان فهو وعاء إما للتوحيد وإما للشرك

ولذلك قلوب هؤلاء اليهود امتلأت بالشرك بالله جل وعلا قال تعالى

{ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ }

سبحان الله ! يعني العصيان يولد عصيانا آخر ، الكبير يولد ما هو أكبر منه

البدع تولد ما هو أعظم منها وهو الشرك ، مر معنا وهو أن هؤلاء عصاة اليهود عصاة

اليهود مبتدعة لما أمرهم الله أن يدخلوا القرية سجدا وأن يقولوا حطة قالوا حنطة غيروا هذا اللفظ الذي أمروا أن يقولوه أثناء دخول القرية فغيروا هذه اللفظة وهذا من البدع

انتقلوا من البدعة إلى الشرك { قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ }

سبحان الله ! قال { وَأُشْرِبُوا } من الشراب لأن الشراب يتغلغل في الداخل أكثر من الأكل ، الأكل يكون ملاصقا في جوف الإنسان  لكنه يتغلغل كتغلغل الشراب ؟ لا ، فدل هذا على عمق الشرك في قلوب اليهود إذ ذكر الشرب بدل الأكل كما قال القرطبي رحمه الله

 

ومن الفوائد:

ـــــــــــــــــــــــ

{ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ }

يعني هل العجل أشرب في قلوبهم ، شربوه ؟

إذًا حب العجل لأن العجل لا يشرب وإنما حب العجل الذي اتخذه إلها من دون الله قد تغلغل في قلوبهم وهذا له نظائر وهو أن يحذف المضاف ويوضع المضاف إليه مكانه :

أصل الكلام : وأشربوا حب العجلِ

حب مفعول به لكنه حذف فحل محله المضاف إليه فنصب المضاف إليه

وأشربوا حب العجلِ بعد حذف المضاف وحل المضاف إليه محله صار وأشربوا في قلوبهم العجل ، وذلك له نظائر كقوله تعالى :

{ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا }

القرية تسأل ؟ لأن أهل القرية

إذًا واسأل أهل القرية

فحذف المضاف وحل المضاف إليه محله

وهذه أمثلة خصوصا المثال الذي معنا { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ } هذا دليل للنحاة على أن المضاف إليه يحل محل المضاف

هم ذكروا دليلا آخر وهذا الدليل خاطئ  ولا يجوز أن يستشهد به : { وَجَاءَ رَبُّكَ }

قالوا : إن الأصل جاء أمر ربك وهذا خطأ لأن الله يجيء مجيئا يليق بجلاله وعظمته

ولذلك بعض المعطلة يقولون : الأصل وجاء أمر ربك  لكي ينفوا عن الله أنه يجيء وهذا خطأ

{ وَجَاءَ رَبُّكَ } الآية كما هي ليس هناك مضاف ولا مضاف إليه

وإنما هنا فعل وفاعل

” جاء ” فعل ماض  ” ربك ” : هو الفاعل

ليس هنا مضاف ولا مضاف إليه كما ذكروا

 

على المسلم أن يتلقى العلم الشرعي من أهله شريطة أن يكون أهله لأن الإنسان قد يكون عالما ولكن عنده بعض الملحوظات ولاسيما التي تتعلق بالعقيدة فإنه لا يجوز له أن يتلقى العلم في بداية الطلب إلا على عالم سلم علمه من هذه الشبهات ، لأن ابن سيرين يقول كما في مقدمة صحيح مسلم  ( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم )

فاليهود علماء ومع ذلك ماذا قال تعالى { وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا }

ليسوا أهلا لأن يستفتوا وليسوا أهلا لأن يؤخذ  العلم منهم

فدل هذا على أن الإنسان مطالب حتى لو أخذ علم النحو مطالب بأن يأخذ  علم النحو من شخص يعرف النحو ويكون بعيدا عن هذه الملحوطات الشرعية والتي تنفي عن الله صفة من صفاته وهي صفة المجيء

فالله يجيء  { وَجَاءَ رَبُّكَ } يأتي يوم القيامة بما يليق بجلاله وعظمته