تفسير سورة البقرة الدرس ( 113 ) [ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا …] الآية ( 93 ) الجزء الثالث

تفسير سورة البقرة الدرس ( 113 ) [ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا …] الآية ( 93 ) الجزء الثالث

مشاهدات: 460

تفسير سورة البقرة ــ الدرس  { 113 }

ــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

 { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {93} }

سورة البقرة ـ الآية { 93 }  ــ الجزء الثالث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بقيت معنا بعض الفوائد المتعلقة بقول الله تعالى عن اليهود :

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {93} }

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

 

أنه قال جل وعلا هنا {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ } الأصل والتقدير وأشربوا في قلوبهم حب العجل لأن العجل لا يمكن أن يشربوه

من الذي أشربه في قلوبهم ؟ الله ولم يصرح به هنا

وما كان غير لائق فإنه لا ينسب إلى الله تأدبا مع أنه هو الفاعل

ولهذا نظائر:

قوله تعالى عن الجن : { وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ } لم يقل أراد الله وبعدها {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} في الرشد ذكر اسم الله في الشر لم يذكر

ولذلك في حديث علي رضي الله عنه في صحيح مسلم في دعاء الاستفتاح قال عليه الصلاة والسلام : ( الخير بيديك والشر ليس إليك ) الشر ليس إليك تأدبا مع الله وإلا  فخالق الشر هو الله وخالق الخير هو الله ، وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة أنه ما من شيء يقع في الأرض إلا من الله الفواحش الزنا اللواط القتل السرقة النهب المرض النكبات الأعاصير البراكين الزلازل الفيضانات كل هذا من الله ولا يمكن أن يقع في كونه شيء إلا بأمره جل وعلا { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ }  { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }

لكن لتعلم أنه في ضمن السياق لا يذكر اسم الله تأدبا لكن من حيث هو الخالق هو الخالق ، ومن أنكر ذلك فقد أنكر قدر الله ويكون قد أنكر أصلا من أصول الإيمان الستة

ولذلك لما عرف النبي عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل الإيمان لما بينه له قال : ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره )

لابد أن تؤمن بالقدر خيره وشره  ، العقارب مؤذية لنا خلقها الله هي شر بالنسبة إلينا لكن بالنسبة إلى فعل الله خير

معتقد أهل السنة والجماعة :

وأنا أذكر هذا لأنه ربما يطرح في بعض القنوات الفضائية طرحا يؤيد معتقد غير أهل السنة والجماعة وغير ما جاء في القرآن والسنة أو ربما من يطرحه يطرحه طرحا ضعيفا لا يفهمه فيقع ويوقع غيره في الزلل

الله لا يخلق شرا محضا أبدا إما أن يخلق خيرا محضا أو خيرا باعتبار شيء  آخر

مثلا خلقه للماء خير محض ، الجنة خير محض ، الملائكة خير محض

وإما أن يخلق خيرا باعتبار آخر خلقه للعقارب خير باعتبار فعله خير لكن بالنسبة إلينا نحن شر من حيث فعل الله خير  ، من حيث المفعول الذي هو المخلوق شر ، الفعل من الله خير  ، لكن بالنسبة إلى المفعول شر

مثال :

ابنك مريض قال الأطباء وأجمعوا على أن علاجه أن يكون بالكي بالنار أن يكوى في رأسه مثلا أنت الآن ستباشر الكي هذا الشيء الكي مؤلم لابنك فعلك هذا خير أم شر ؟

خير لأنك تريد لابنك الشفاء لكنه شر باعتبار هذا المفعول به الذي هو الابن

فانتبه

لما تسقي ابنك الدواء المر الذي يتقزز منه وتجبره أيضا تجبره على شربه مع أنه لا يريده لا يلائمه لكن لماذا فعلت هذا ؟ لمصلحته

إذًا سقيك له كيك له الفعل هذا خير لكن بالنسبة إلى المفعول شر

العقارب لماذا خلقها الله ؟ خير باعتبار آخر العقارب الحيات الصراصير لكي نعتبر ربما تصادف في قبرك أو نارك أمثال ما هو مقزز لك وما هو أعظم إذًا هذا خير  ، فانظروا إلى عظم الله

أيوب عليه السلام قال كما في سورة  ” ص ” { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ {41}} أضاف المرض إلى الشيطان تأدبا لكن من أنزله به ؟هو الله

ولذلك لا يصرح بإضافة الشر إلى الله كما أسلفنا

القاعدة :

الخير والشر كله من الله الخير المحض محض والشر الذي هو لنا هو خير باعتبار آخر ، قد يكون من الخير قد يكون خيرا باعتبارين خيرين:

لما الآن إنسان ينزل به المرض لا يلائم الإنسان ربما ينزل هذا المرض  الذي هو شر بالنسبة إلى هذا المخلوق فيكون المرض خيرا له أن يعيد حساباته يعود إلى الله

وكم من شخص كان منغمسا في المنكرات فلما أصابه المرض

يعني أنتم الآن تعرفون عظم أمر السرطان إلى درجة أن بعضا من الناس لا يذكره باسمه ، وهذا خطأ بعض الناس يقول خبيث قل السرطان

النبي عليه الصلاة والسلام قال عن الطاعون مع أنه سرطان في ذلك الزمن قال ” الطاعون  “

بعض الناس يخاف ويتوجس لو ذكراسمه ، الآن السرطان أعظم الشرور من الأمراض سبحان الله ! قد يكون هذا الشر خير لأشخاص تتغير أحوالهم في دين الله أليس خيرا ؟ بلى

ممكن يكون هذا المرض ذلكم الرجل الذي أصابه المرض طاغية فأقعده المرض ربما أنه لم يتب لكن غيره من الطغاة لما يرى أن ذلك الرجل الطاغية المجرم أقعده هذا المرض وجعله مثل الفرخ مثل العصفور ربما يتراجع إذًا خيرات عظيمة

ولا يذكر الشر منسوبا إلى الله إلا من باب التحدي من بيان أن الله بيده كل شيء  ، ولذلك قال تعالى : { قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } هنا صرح لماذا صرح ؟

من باب أن يبين أنه لا يمكن أن يقع لأن هؤلاء يعتقدون أن هناك بعض الأشياء لا تقع بأمر الله من باب أن يبين أن الأمر كله بيد الله

ولذلك قال جل وعلا : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ }

لماذا صرح هنا ؟

من باب أن يبين أن آلهتهم عاجزة وأنه هو القدير القوي المقتدر

وإلا فالأصل أن الشر لا يضاف إلى الله تأدبا معه لكنه هو من خلقه جل وعلا

إبليس شر لكن خلقه جل وعلا لإبليس باعتبار آخر

يعني :

لو لم يخلق إبليس كيف يعرف المطيع من غير المطيع  كيف تقوم شعائر الدين من الجهاد

كيف تقوم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  كيف يتفاوت الناس

بعض الناس يقول إبليس شر  ، لا  ، خلقه جل وعلا لإبليس خير من حيث فعله جل وعلا لكن بالنسبة إلينا لا يلائمنا لكن فيه خيرات فيه المنافسة إلى الخيرات ، تنافس غيرك ، وبالتالي إذا نافست غيرك في هذه الدنيا على طاعة الله ترتقي درجات في الجنة  ، ولذلك قال هنا { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ } من الذي أشرب حب العجل في قلوبهم ؟ هو الله جل وعلا

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــ

قال جل وعلا : { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ } يعني حب العجل يدل هذا على أن وعاء المحبة القلب ، القلب كلما عظمت فيه محبة الله كلما كان العبد وكلما كان صاحبه أتقى لله

قال : { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ } لو أشرب في قلوبهم الإيمان تغير الحال

إذًا ما يإتي الإنسان ويقول يا أخي لا تعقد الأمر ولو رأيتني على ذنب لا تعقد الأمور رأيتني حلقت لحيتي أو أسبلت ثوبي لا تقعد الأمور ، لم ؟

قال : النبي عليه الصلاة والسلام قال ( التقوى هاهنا ) وأشار إلى صدره

لو كان هذا القلب الذي في الصدر عظمت فيه محبة الله  ما أقدمت على ما يغضب الله في ظاهرك ، فما في القلوب تظهره الجوارح

الجوارح مغاريف ما في القلب ما في قلبك سيظهر على لسانك على جوارحك لا محالة طال الزمن أم قصر

وبالتالي فإن في هذا وهو حب العجل حب العجل يعني عبادة العجل من دون الله

وهذا يعيطنا فائدة وهي أعظم أركان العبادة هي محبة الله كلما كانت هذه المحبة أكثر كلما كان العبد أعبد

مثال :

ــــــــــ

إنسان لما يعشق امرأة مثلا أو يعشق إنسانا كلما عظم هذا العشق أو تلك المحبة في قلبه صار هذا العاشق بمثابة العبد لهذا العشيق ، لو أمره بأمر أطاعه ، ولو نهاه عن شيء انتهى عنه ، يتلذذ بالمحادثة معه بسماع كلامه

إذًا أين محبتنا للقرآن  ؟ لأن المحبة عندنا فيها ضعف ، فأعظم أركان العبادة المحبة  ، ولذلك هذه المحبة ـ  العبادة أركانها المحبة والخوف والرجاء ، هذه هي أركان العبادة

العبادة لها ثلاثة أركان :

المحبة والخوف والرجاء أعظمها المحبة والدليل هنا ،  لم ؟

لأن محبة الله تلقيك في طريق الله ، هي البداية لما تحب الله تسير في طريقه

الرجاء بما عند الله من الخير في الجنة يقودك في هذا الطريق ، الخوف  وهو الترهيب بما يكون لك بعد الموت يمنعك عن الخروج من هذا الطريق

إذًا المحبة تلقيك في طريق الله ، الرجاء يقودك ، الخوف يمنعك من أن تخرج

ولذلك قال ابن القيم : إن أركان العبادة بمثابة الطير

الطير به رأس وبه جناحان

يقول : إن المحبة هي رأس العبادة مثل الرأس للطائر لو قطع رأس الطائر هلك لأن المحبة أعظم ما يكون ، والخوف والرجاء بمثابة جناحيه وإذا قطع الجناحان أو أحدهما هلك الطائر ؟ لا ، لكن كان عرضة للك كاسر أو صائد

فإذًا عليك أن تعبد الله  ، كيف تعبد الله ؟

أن تعظم هذه المحبة لله في قلبك حتى تبقى على هذا الطريق