تفسير سورة البقرة الدرس ( 115 ) [ قل إن كانت لكم الدار الآخرة … ] الآيات ( 94 95 96 ) الجزء الأول

تفسير سورة البقرة الدرس ( 115 ) [ قل إن كانت لكم الدار الآخرة … ] الآيات ( 94 95 96 ) الجزء الأول

مشاهدات: 435

تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 115 )

ــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى : { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}

سورة البقرة / الآيات ( 94 ـ 96 ) ـ الجزء الأول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عندنا تفسير قول الله عز وجل :

{ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أن اليهود زعموا أن لهم مزية وفضلا فأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يرد عليهم  ، ما هو الرد ؟

{ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

ما الذي ادعته اليهود فيما تقرءونه من كلام الله مما يختصون به دون غيرهم مثل زعمهم إذ قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة أيضا وهو أوضح { وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ }

أيضا مما زعموا :

قال تعالى في نفس هذه السورة : { وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ } فلما قالوا هذا الكلام ؟

فلما قالوا هذا الكلام ومن عرف تمام المعرفة أنه من حين ما يموت سيكون مصيره إلى الجنة يقينا وقطعا فإنه لا يريد هذه الدنيا سيتمنى الموت

فالله جل وعلا أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يقول لهم إن كنتم كما زعمتم فتمنوا الموت إن كنتم صادقين

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

هل هؤلاء اليهود أمروا بأن يتمنوا الموت أم أن هذا مما يسمى بالمباهلة ؟

المباهلة :

هي أن يأتي المسلمون وأن يأتي المشركون ويزعم أهل الشرك أنهم على حق والمسلمون هم على الحق فيقولون نتباهل

بمعنى : ندعو الله بالعقوبة على الظالم وعلى غير المحق

وبالتالي فإن هذه الآية أتكون من قبيل المباهلة أم تكون من قبيل ما ذهب إليه أكثر المفسرين واختاره ابن جرير من أن هؤلاء اليهود طلب منهم أن يتمنوا الموت إن كانوا صادقين فميا زعموه لأن من يعرف أن مصيره إلى الجنة مباشرة دون سابق عذاب فإنه يتمنى الموت

 

ما الفهم الذي  تفهمونه هنا : { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

أظن أن الفهم لدى كثير من الناس أنهم يقولون إن الله أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يتحدى اليهود وأن يقول إن كنتم صادقين فيما زعمتم وأن لكم فضائل في الآخرة فتمنوا الموت حتى تصلوا إلى هذه الفضائل لأنه لن يمنعكم من هذه الفضائل إلا الموت فتمنوا الموت ، هذا هو الفهم

وهذا ما عليه أكثر المفسرين واختاره ابن جرير

بعض العلماء يقول لا ، هذا من قبيل المباهلة وهذا ما يختاره ابن كثير ولعله يتبع شيخه ، من شيخه في هذا الرأي ؟

هو ابن القيم

فابن القيم في تفسيره القيم يقول : إن هذه الآية من ضمن آيات المباهلة

كيف ؟

قالوا : لو كان المقصود أنهم تحدوا بأن يتمنوا الموت لردت اليهود على الصحابة وقالوا أنتم أيضا تزعمون أن لكم الجنة فتمنوا الموت

ألا يمكن أن يقول اليهود هكذا ؟

ممكن يقولون فتمنوا الموت أنتم أيضا إذًا لسنا ملزمينا بهذه الحجة

ولذلك يقول ابن القيم ولم يتمن واحد منهم هذا الموت

ولو تمناه واحد لجرى له ما جرى ولم تحصل مثل هذه الأمنية من أحدهم ولو حصل لمات من ساعته ، إذًا هذا من قبيل المباهلة

إذًا معنى الآية عند هؤلاء :

يقولون :  من كان على الحق فليتمن الموت يعني مباهلة لندع على أنفسنا بالموت كأن المعنى أنتم أيها الصحابة أيها المسلمون ادعوا على أنفسكم بالموت لأنة الجن لكم بعد الموت ، وأنتم أيها اليهود ادعوا على أنفسكم بالموت لأن الجنة  لكم بعد الموت كما زعمتم

هذا هو معنى المباهلة

وإذا كان كما قالوه فهنا تكون المباهلة وتسمى بالملاعنة لأنه يدعو أحد الفريقين على نفسه بالعقاب من الله

فإن كانوا كما قالوا فإن المباهلة طلبت في عصر النبي عليه الصلاة والسلام طلبت المباهلة مع ثلاثة وطوائف إن كان ما قاله ابن القيم وابن كثير هنا

كيف ؟

دعي إلى المباهلة اليهود كما هنا بناء على هذا الرأي

دعي إلى المباهلة النصارى كمما في سورة آل عمران

لما أتى وفد نصارى نجران وأرادوا أن يباهلوا النبي عليه الصلاة والسلام وعرفوا أنه نبي قالوا لو باهلناه لهلكنا لأن النبي عليه الصلاة والسلام دعاهم إلى المباهلة

ولذلك ماذا آل إليه أمرهم ؟

رضوا بالجزية أن يبقوا على دينهم وأن يرسلوا الجزية وبعث إليهم أبا عبيدة بن الجراح

الشاهد من هذا :

أنه قال في سورة آل عمران : { فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }

أينا الكاذب فليلعنه الله ، لكنهم عرفوا أنه نبي حق وأن دعوته ستستجاب فيهم فرفضوا المباهلة ودفعوا الجزية ، هؤلاء هم النصارى

اليهود هنا ما تمنوا الموت لأنهم يعرفون { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ }

لأن اللعنة استحقوها من قبل ولو دعوا على أنفسهم بالموت لهلكوا

فهذه آية مباهلة مع اليهود

هناك آية مباهلة مع المشركين الخلص  ، هناك مشركون دعوا إلى المباهلة  ، ما هي ؟

قول الله تعالى في سورة ” مريم ”  : { قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا } يعني من كان في ضلالة فليدع على نفسه بأن يزيده الله في الضلالة مدا

فتكون عندنا هنا ثلاث آيات دعي فيها إلى المباهلة

دعيت النصارى ودعي اليهود ودعي المشركون

لكن أيهما أصح ؟

معظم المفسرين واختاره إمام المفسرين ابن جرير من أن معنى الآية إن كانت لكم الجنة أيها اليهود فتمنوا الموت إن كنتم صادقين لأن من يعلم أن الجنة مآله بعد الموت قطعا ويقينا فسيدعو على نفسه

وهذا ما عليه أكثر المفسرين

 

وبالتالي فإن ما ذكره ابن القيم وابن كثير من أن اليهود سيقولون للصحابة أنتم أيضا تزعمون أن لكم الجنة فتمنوا الموت يمكن نخرج منه بمخرج

ما هو ؟

نقول : فرق بيننا وبينكم لأنكم زعمتم أن الجنة خالصة لكم وحدكم

أما نحن لا وإنما نقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فله الجنة بعد موته

ففرق بين حالنا وحالكم فلا تكون هذه الآية من قبيل المباهلة

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــ

أن قوله جل وعلا { إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ } الدار الآخرة ما هي ؟

الجنة  ، الدار الآخرة فيها نار

قال هنا { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً } المقصود من الدار الآخرة هي الجنة ، والدار الآخرة توصف بها الجنة في آيات من بينها  { وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا } { وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ }

على كل حال تسمى الجنة بالدار الآخرة باعتبار أن السعادة في الآخرة إنما تكون لمن ؟ لمن هم في الجنة

 

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أن قوله { خَالِصَةً } يعني  خاصة بكم أنتم يا أيها اليهود

ولذلك هنا يمكن أن تعرب  { خَالِصَةً } خبرا لكان ويمكن أن تعرب حالا

يعني إن كانت الجنة حالة كونها خالصة لكم فتمنوا الموت إن كنتم صادقين

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أنه قال { مِنْ دُونِ النَّاسِ } من هؤلاء  الناس ؟

هل هم عموم الناس من المؤمنين أم المراد بهؤلاء الناس هم الصحابة ؟

{ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

محتمل هذا ومحتمل هذا

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أن الأمر هنا بتمني الموت أهو على بابه أم أنه يراد بالأمر غرض

الأمر في اللغة العربية هو طلب الفعل من الأعلى إلى الأدنى على وجه الاستعلاء يعني لما تأمر شخصا في أصل الأمر أنك أعلى منه طلب فعل الأمر من الأعلى إلى الأدنى على وجه الاستعلاء ، لكن هذا الأمر قد يخرج عن معناه الحقيقي

مثال ذلك { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } المقصود التهديد

هل الله أمرهم بأن يكفروا  ؟

ما أمرهم أمرا شرعيا بأن يكفروا وإنما هذا تهديد لهم

قول النبي عليه الصلاة والسلام في المصورين ( فليخلقوا ذرة ) الأمر هنا لتعجزيهم

هنا { فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ }

مثال آخر :

” رب اغفر لي ” هل أنت تأمر الله  ؟ لا يمكن

إذًا الأمر هنا خرج عن أصله  خرج إلى الدعاء

” رب اغفر لي ”  الأمر هنا ليس على بابه لا يمكن أن يصدر الأمر من المخلوق إلى الخالق وإنما الأمر هنا للدعاء

لو قلت لزميل لك أعطني القلم : ليس أمرا وإنما تلتمس منه يسمى التماسا

على كل حال الأمر هنا { فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ }الأمر هنا للتحدي