تفسير سورة البقرة ــ الدرس { 121 }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {97} مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ {98} }
تفسير سورة البقرة { 97 ـ 98 } / الجزء الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمازلنا في ذكر الفوائد المتعلقة بقول الله تعالى :
{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {97} مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ {98} }
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
أن الله قال {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ } يعني نزل القرآن على قلب النبي عليه الصلاة والسلام فإن هذا القرآن نفذ إلى قلبه فاستوعبه وتمكن منه عليه الصلاة والسلام لأن القلب هو الوعاء ولذلك قال تعالى لما رأى حرصه عليه الصلاة والسلام على ألا ينسى شيئا منه {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى {6} إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ }
وقال جل وعلا : {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ألَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {106}}
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} هذا إذن الله
إذن الله نوعان : إذن قدري كوني وإذن شرعي ديني
الإذن الكوني هو الذي إذا أذن الله به يقع لا محالة ولا يلزم أن يكون شيئا محبوبا له جل وعلا قد يكون شيئا يسخطه فإذا أذن الله أن يوقع شخص القتل ، القتل غير محبوب عند الله
لو أذن الله بالقتل إذنا كونيا فإنه يقع لا محالة ولا يلزم من الإذن الكوني القدري أن يحبه الله قد يحبه الله وقد لا يحبه الله
ما أمثلة الإذن الكوني مما جاء في القرآن ؟
أمثلة كثيرة :
قوله تعالى عن السحر وما يحدثه من الصرف بين الزوجين : {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} إذنه الكوني
أما الإذن الشرعي :
فإنه يحبه الله ولا يلزم أن يقع ربما يقع وربما لا يقع هو سبحانه يأذن لعباده أن يقيموا الصلاة هي محبوبة لكن قد لا يقع
ومن أمثلة هذا :
قوله تعالى : {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ}
في غزوة بني النضير لما أحرق بعض الصحابة النخل قال اليهود : إنكم مفسدون ما ذنب النخل ؟ فكان الصحابة حزنوا فأنزل الله هذه الآية أن ما تحرقونه هو محبوب عند الله وأذن به إذنا شرعيا
اللينة هي النخلة الطيبة لأنه قد يحرق نخيل الأعداء من باب إضعافهم فتكون هناك مصلحة تعلو مفسدة الإحراق
{ أُصُولِهَا } : قواعدها {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} تتمة الآية { وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ }
المراد هنا هو إيقاع الخزي بالفاسقين الذين هم هؤلاء اليهود
والشيء المحبوب عند الله ووقع يجتمع فيه الإذنان : الإذن الشرعي والإذن الكوني
كما هنا قال تعالى : {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} هو هنا الإذن الكوني أذن الله أن ينزل جبريل القرآن على النبي عليه الصلاة والسلام وأيضا إنزال القرآن محبوب عند الله
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
بيان تصديق القرآن للكتب السالفة مما تقدمته يصدقها في ماذا ؟
يصدقها فيما أخبرت به من التوحيد يصدقها فيما ذكرته عن دين محمد عليه الصلاة والسلام ولذلك قال : {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ }
إذًا أنتم إذا لم تصدقوا يا أيها اليهود بهذا الكتاب فأنتم في الحقيقة لم تصدقوا التوراة
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال هنا : {وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } هذان وصفان لأي شيء ؟ للقرآن
إذًا عندنا ثلاثة أوصاف للقرآن :
أنه مصدق بين يديه أنه هدى ونكر هنا كلمة هدى يعني هو هداية لكل شيء هداية في ماذا ؟هداية في الدنيا هداية في القبر هداية في الآخرة
هداية في كل شيء مما سيكون في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة ، كيف ؟
من أخذ به فهو هدى له في الدنيا هداه الله {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}
هو في هدى يهديه من شرور الفتن من ظلمات الجهل من ظلمات الكفر
في القبر : هدى إذا أخذ بهذا القرآن يهدى إلى الأجوبة للأسئلة الثلاثة التي يسأل عنها في قبره من ربك ؟ ما دينك ؟ من نبيك ؟
المنافقون يحفظونها ، ولذلك إذا سئلوا عنها يقول أحدهم ها ها ها لا أدري كأنه يتذكر شيئا قال ها ها ما قال كلمة ها إلا لأنه يريد أن يستذكر ما مضى لكن أين الهداية ؟ لأنه لم يأخذ بالهداية بالقرآن في الدنيا
الهداية في الآخرة : يهدى إلى الجنة يهدى إلى مسكنه في الجنة كما قال تعالى : { وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ }
ولذا عند البخاري قال عليه الصلاة والسلام : (( والذي نفسي بيده إن أحدهم لأهدى لمنزله في الجنة من منزله في الدنيا ))
إذًا هذه الهداية ما أتت هذه الهداية عبثا إنما أتت للتمسك بالقرآن
{ وَبُشْرَى } : هذه البشرى في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة
في الدنيا : يستبشر عنده تفاؤل عنده حسن ظن بالله ينشرح صدره تأتيه السعادة لما يصلي لما يقرأ القرآن
في القبر : يبشر يفتح باب من أبواب الجنة ويأتيه من روحها ونعيمها حتى يقول لما يسعد يقول : ( دعوني حتى أبشر أهلي ) أريد أن أرجع حتى أبشر أهلي فيقال ( نم كنومة العروس الذي لا يوقظها إلا أحب أهله إليه ) نومة العروس تختلف إذًا هو في سعادة
في الآخرة : يبشر بالنعيم يبشر برضا الله ولذلك قال (( أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا ))
هذه أعظم ما يكون من البشرى
فانظر إلى حالك مع القرآن : قراءة وتدبرا وعملا وحكما وتحاكما واستشفاء لو كان بك مرض
إذا أردت أن تعرف مقدار الهداية والبشرى التي تأخذها من القرآن فانظر إلى حالك :
إذا كنت تجد من قلبك إقبالا لقراءة القرآن إقبالا على قراءة القرآن وينشرح صدرك بهذا فهذا هو الجواب هذه هي الخاتمة
إن رأيت من نفسك صدودا وإعراضا وتكاسلا فاعلم بأن القرآن ليس ببشرى لك وليس بهداية لك ، وكلما زدت من الإقبال فاعلم أنه بشرى وهداية لك ، كلما نقصت نقصت من كالهداية والبشرى
فما ظنكم بحالنا في هذا العصر ؟
من لا يعرف قرءاة القرآن إلا في المدارس أو إذا أتى رمضان في الأيام الأول وقد أقام الله عليه الحجة المصحف موجود في هذه الأجهزة ويتصفحها ليل نهار ويحركها بأصبعه في البرنامج الفلاني في كذا في كذا
ولم يتصفح بأصبعه المصحف الموجود في هذا الذي بين يديه
إذًا هو في شغف في رغبة عظيمة فيما لو أراد أن يتصفح ماذا قال فلان وماذا فعل فلان وماذا حدث ما حدث أشياء تمر عليه إما أنها تفزعه وترعبه أو أنها تبعدها عن الله ، المهم أنه لا فائدة من ورائها
بينما القرآن الذي هو في هذا الجهاز بعضهم من حيث ما اشترى جهازه ما فتح المصحف الذي فيه وما فتح المصحف في بيته ولا في المسجد الذي يصلي فيه ، هذه حجة أقامها الله على المسلمين وعلى الشباب في هذا العصر وفي كل مكان
يعني :
بعض الشباب نراهم عند الإشارة يمسك هذا الجهاز لسان الحال ولسان الواقع في الأكثرية لا يقرأ القرآن وإنما يتصفح بل إن بعضهم ربما يكتب رسالة أو يتصفح أثناء ما يمشي
القلب أعرض ، القلب إذا أعرض عن كلام الله اشتغل بغيره
نعم النفس إن لم تشغلها بقراءة القرآن والله تشغلك بقراءة كلام البشر وتدع كلام رب البشر
بعض الناس موفق معه هذا الجهاز ويستفيد منه يختم كل ثلاثة أيام
ثم انظر إلى المردود بعد هذه القراءة سيظهر لك جليا ما قاله جل وعلا هنا {وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} والله تسعد بعدما تغلق هذا الجوال وتغلق قراءتك للمصحف والله تجد البشرى والهداية والراحة والسعادة
{وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} كيف يكون القرآن بشرى لي أو ما العنوان ؟
انظر إلى مدى إقبالك على قراءة القرآن إن رأيت شغفا وحبا كما هو حال الصحابة فسعدوا في دنياهم وسطروا أعظم القصص للأمة فافعل
لكن في الحقيقة نحن نرى شيئا مشينا للأسف مع أن كل شيء موجود عندنا
اسأل نفسك متى ختمت القرآن كم لك من يوم ما قرأت فيه القرآن ؟
ثم اسأل كم لك يوم قرأت فيه القرآن أيهما أكثر ؟ الترك أكثر من القراءة
فكيف نسعد
إذًا :لا نقول والله عندنا هموم والله عندنا غموم والله إن قلبي غير منشرح لست سعيدا ليست هناك بركة في مالي في بيتي مع زوجتي مع أولادي ما فيه سعادة في دوامي
سل نفسك {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}
انظروا هذه أوصاف أخرى هنا ذكرت ثلاثة أوصاف {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} إذا أردت أن تعرف قدر الشيء فاعرف ما يتميز به وما هي صفاته حتى تعرف قدره
{ شِفَاءٌ } لا تسأل عن كلمة شفاء لا تقل شفاء الأمراض العضوية البدنية ولا شفاء الأمراض القلبية ، شفاء من كل شيء
{وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}
من صفات القرآن :
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}لأنه لا يمكن أن تحيا النفوس إلا بالقرآن
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}
كل طريقة قيمة يهدي إليها
في أوائل سورة الكهف :
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا {1} قَيِّمًا }
ما فيه اعوجاج
{الرْ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}
مما ورد : {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ}
{ الْحَكِيمِ } يعني محكم ويصح أيضا أنه حاكم على غيره
{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}العظيم فمن يأخذ به يعظم ويرتفع
{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ {42}} ما يأتيه خلل الباطل قيل هو الشيطان وقيل هو عام
الشيطان ما يأتيه فكيف يأتي قارئه
لا تقل عندي وساوس ، لا تقل عندي أوهام ، لا تقل لا أستريح في نومي أو تأتيني أحلام مزعجة أو لا أنام إلا بعد جهد جهيد أو إذا استيقظت من نومي إذا برأسي مثل الجبل ، لا تقل هذا ، لأنك لم تأخذ بالقرآن
{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } يعني يكرم صاحبه وانظر في كل حرف عشر حسنات إكرام للنفوس للأبدان قل ما تشاء من الإكرام
{هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ}
فإذًا لو نظرنا إلى هذا القرآن وتأملنا ما فيه من أوصاف علمنا أنه عظيم فكيف نفرط في هذا
يعني إن مثل للقرآن :
مثل بجوهرة نفيسة عظيمة الثمن ليس لها نظير ، وضعها صاحبها في صندوق ثم تركها ، ما انتفع بهذه الجوهرة مع أن الجوهرة أمامه بين يديه
رأيت بعض الناس وهو جالس في سيارته وتتبعته نصف ساعة المصحف معه يقرأ ويقرأ ، الرجل لا يقف عن القراءة تتبعته في حال آخر رأيت أنه لما يكون واقفا في مكان يقرأ
أتدرون أن بعض الناس يختم القرآن كل أسبوع لا يقرأ في بيته بل كل ثلاثة أيام سئل ، قال أنا لا أقرأ في بيتي ، كيف ذلك؟
قال : أنا أسابق المؤذن ، المؤذن يفتح الباب أنا معه أصلي ما كتب الله ثم أقرأ
أعرف بعض الأشخاص لا يقرأ في بيته ولا في المسجد لكنه يقول أنا أختم وأنا في السيارة عند إشارة في زحمة
كل شيء ميسر
يعني ما نجعل هذا الوقت الضائع في خير
لو حسبت كم حسنة تأخذها لما تختم القرآن في كل ختمة أكثر من ثلاثة ملايين حسنة تأخذها إذا ختمت القرآن
بعض الناس يأخذ أكثر من ثلاثة ملايين كل ثلاثة أيام
يعني في كل عشرة أيام كم يأخذ ثلاثون مليون أو أكثر
وأنا أقول من يختم بهذه الصورة ستكون ذنوبه أقل