تفسير سورة البقرة الدرس ( 122 ) [ قل من كان عدوا لجبريل … ] الآيتان ( 97 98 ) الجزء الثالث

تفسير سورة البقرة الدرس ( 122 ) [ قل من كان عدوا لجبريل … ] الآيتان ( 97 98 ) الجزء الثالث

مشاهدات: 410

تفسير سورة البقرة ــ الدرس { 122 }

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {97} مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ {98} }

تفسير سورة البقرة { 97 ـ 98 } / الجزء الثالث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

فمازلنا في ذكر الفوائد المتعلقة بقول الله تعالى :

{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {97} مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ {98} }

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــ

أننا ذكرنا في الدرس الماضي أن لهذا القرآن أوصافا متعددة في كتاب الله من بين هذه الأوصاف من أنه هدى وبشرى لمؤمنين

لو قال قائل : أأنزل القرآن هدى وبشرى للمؤمنين على وجه الخصوص أم أنه للبشرية كلها جمعاء ؟

الجواب : للبشرية كلها جمعاء

ولذلك قال تعالى في مطلع السورة : {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}

وسيأتي معنا في هذه السورة  قال جل وعلا {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ }

إذًا من حيث الأصل أنزل الله القرآن هدى للناس كلهم لكن لما كان المنتفع بهذا القرآن هم أهل الإيمان وهم أهل التقى هنا صار السياق موجها إليهم

كما قال تعالى : {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} لأن قلوبهم مفتوحة بالخير

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــ

أن قوله جل وعلا : { وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } يدل على أن أي كلام ليس مبنيا فيما يذكر ويقال على ما قاله الله أو قاله النبي عليه الصلاة والسلام فإنه لا هدى فيه ولا بشارة فيه

وبالتالي :

يأتينا حديث النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح : (( من كان يؤمن  بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ))

إن قال خيرا فهذا هو الخير الذي بني على ما جاء به القرآن فيكون إذًا هدى وبشرى لأنه مبني على ما قاله الله جل وعلا وقاله النبي عليه الصلاة والسلام

إذًا ما عدا هذا ما عدا القرآن وما عدا الكلام المبني على هذا القرآن أو على السنة فإنه لا هدى فيه ولا بشرى

إما أن يكون لغوا فلا نفع فيه ولا ضرر وهو إلى الضرر أقرب لأن من  تحدث  فإن حديثه يسوقه ولو بعد حين من الزمن يسوقه إلى الكلام الضار

وإما أن يكون ضارا

إذًا من باب أولى أن  يكون كلام الشيطان لا بشرى فيه ولا هداية

ما هو كلام الشيطان ؟ الغناء

فالغناء لا خير فيه فلا يعطي القلوب هداية ولا بشارة ولا سعادة

والحديث هنا ليس منصبا على الأغاني معروف حكمها لكن هنا في مثل هذا الزمن ظهر شيء للأسف يبجله ويعظمه بعض من فيه خير وهي الآهات

الآن أناشيد يقولون هي إسلامية ويضعون فيها هذه الآهات وهذه الآهات لما تسمعها تسمع في الحقيقة اغاني

يقولون هي خالية من المعازف ، المعازف ما هي  ؟

كل ما أشغل القلب من آلات اللهو هكذا فسرها العلماء

إذًا غنيت بعود أو عزفت على عود أو زير أو طبل أو دف أو على آهات فالحكم واحد ، فهذه الآهات لا تجوز في شرع الله

وهذه من المشكلة تجد أنه في بعض المقاطع التي تكون على اليوتيوب لبعض المشايخ يتحدث ويضع هذه الآهات ، تلك الآهات القلب ينصرف إليها وإلى التلذذ بها أكثر من الحديث الذي قاله ذلك الشيخ

فصروفوا القلوب عن التمعن والتدبر الذي يورث أثرا في القلوب

تدبر ماذا ؟

ما يقوله هذا الشيخ مما قاله الله أو قاله النبي عليه الصلاة والسلام

 

وأنا لا أجيز لأي شخص أن يضع هذه الآهات في أي حديث أتحدث به

ولذلك قال ابن مسعود كما عند الدارمي بإسناد صحيح قال : ( كيف إذا لبستكم فتنة )

الفتنة ليست محصورة  في أن يعتدى على مالك أو على نفسك ، أعظم الفتن أن تفتن في دينك بلباس شرعي ، وهو ليس من الشرع في شيء

قال : (  كيف إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير ويشب عليها الصغير فإذا غيرت قالوا غيرت السنة  ، فقيل له : متى هذا يا أبا عبد الرحمن ؟

قال : ( إذا قل فقهاؤكم وكثر قراؤكم ــ  مجرد قراءة من غير فقه ــ والتمست الدنيا بعمل الآخرة  )
ولذلك بعض هذه الأناشيد التي الآن تباع وتوصف بأنها إسلامية وليست إسلامية ولا يجوز بيعها ولا شراؤها هذه في الحقيقة يكسب من ورائها مكاسب  بهظة من الأموال

ولذلك قال : (( والتمست الدنيا بعمل الآخرة وتفقه لغير الله ))

وبالتالي فإنه لا يجوز مثل هذه الآهات التي تصرف القلوب من يسمع بعضها يقول هذه  أغاني مائة بالمائة لا يفرق بينها وبين الأغاني حتى إن بعضهم ربما أنه يأتي ببعض الألفاظ التي غنى بها بعض المغنيين وقال ليست فيها معازف لكن لما تسمع إذا بها على نفس النسق ونفس المعازف

ولو كانت آهات سمها ما تشاء لكنها في الحقيقة هي أغاني وفي حكم الأغاني

حتى لو تنزلنا وقلنا ليست بأغاني ، النبي عليه الصلاة والسلام قال كما عند  الترمذي من حديث جابر بإسناد حسن ـ تنزلا على أنها ليست بأغاني وليست بمعازف  ـ قال : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدارعليها الخمر ))

هو ما شرب الخمر لكن من حيث الصورة جلس مع أشخاص في الصورة العامة كأنه شرب مع أنه لم يشرب

فلا يجوز لنا أن نتشبه بهؤلاء المغنيين في ألفاظهم ولا فيما يذهبون إليه

ولذلك كما أسلفت هذه تصرف القلوب صرفا والنبي عليه الصلاة والسلام قال عن الشعر مع أنه شعر قال عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الحسن :  (( الشعر بمنزلة الكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح ))

القبيح مذموم شرعا

الحسن : ماذا قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام إذا أكثر منه ؟

قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : ( لأن يمتلأ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلأ شعرا ) مع أنه شعر حسن لكن القلب امتلأ

ولذلك يسمعون هذه الآهات وهذه الأناشيد المصحوبة بالآهات

هم سيفتحون بابا على المسلمين ذلكم الباب هو الذي تحبه الصوفية

الصوفية كيف يذكرون الله ؟

يأتون إلى هذه الأذكار ويؤدونها بنسق معين من الأناشيد أودى بهم الحال إلى أنهم إذا ذكروها هزوا الرءوس والأقدام فبعد حين إذا بهذه الأشياء تحل في شرع الله وفيما يقوله العلماء ويجنون على علم العلماء وعلى علم المشايخ بوضع هذه الاهات التي لا تجوز في شرع الله

فليتنبه لمثل هذا

ولذلك تجد أن هؤلاء  ممن يتتبع هذه الأناشيد المصحوبة بالآهات تجد أنه يحرص  على سماعها أكثر من حرصه على تلاوة القرآن ، يعني لو نظرت إلى حاله وإلى الزمن الذي سمع فيه تلك الأناشيد المصحوبة بالآهات أو سمع القرآن قليل

فالحذر كل الحذر مما يدخل الناس في مخالفة شرع الله بما يلبس بلباس شرعي لأن الناس يقولون ما شاء الله هذه تحل محل الأغاني يعني تعزل الشباب والشبات عن سماع الأغاني هي هي ما الفرق ؟ كلتاهما صرفت القلب عن طاعة الله

فليحذر المسلم من هذا

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــ

أن بعض الخلق يكون عدوا لله

سبحان الله ! أيمكن هذا أن يأتي إنسان ضعيف ويقول أنا عدو لله ؟

وقع  ، ممن ؟ من اليهود

بل إن اليهود وصفوا الله أنه فقير{ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}

يعني  أنها لا تفيض بالخير {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ }

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــ

بيان فضيلة جبريل عليه السلام إذ دافع الله عنه

فإن قالوا لما سألوا النبي عليه الصلاة والسلام من يأتيك بالوحي ؟

قال يأتيني به جبريل ، قالوا هذا عدونا لو كان ميكائيل الذي يأتي بالمطر  لآمنا بك ، فأنزل الله هذه الآيات منافحا عن جبريل فقال تعالى : {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ}

ولذا هو جل يدافع حتى عن المؤمنين كما قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا }

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــ

أن جبريل وميكائيل من الملائكة أفلا يكتفى لو كان في غير القرآن أن  يكون السياق من كان عدوا لله وملائكته ورسله فإن الله عدو للكافرين  ؟

فلماذا خصا جبريل وميكال بالذكر مع أنهما من الملائكة

هنا فائدة بلاغية وهي :

أنه إذا أفرد الخاص عن العام في نفس السياق فإنه يدل على فضيلة هذا الخاص  ، فإن هنا فضلا لجبريل وميكائيل ولذلك أفردهما بالذكر

كما قال تعالى : {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى }

صلاة العصر لماذا خصها بالذكر ؟ لبيان فضلها

الله يقول : {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ }

{ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي }  : الفاتحة  ، لماذا أفردت مع أنها من القرآن ؟ لبيان عظمتها

 

من الفوائد : 

ــــــــــــــــــــــــــــ

أن الملائكة خلق من خلقه جل وعلا وخلقهم الله من نور كما جاء في صحيح مسلم ، وإن كان خلقهم من نور وجاء في صحيح مسلم أن الجان خلقوا من نار فدل هذا على أن الصحيح من قولي العلماء أن إبليس ليس من الملائكة لأن مادة خلقه ليست كمادة خلق الملائكة

وهؤلاء الملائكة  {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}

ولذلك فعلوا ما أمروا به

هاروت وماروت : يعلمان الناس السحر ليس  لحب السحر وإنما هو ابتلاء  من الله للخلق بأمره جل وعلا  ، وما يذكر في بعض الكتب : من أنهما كانا ملكين وزنيا بالزهرة فمسخهما الله جل وعلا فصار حالهما كما ذكر فإنه من الإسرائيليات ولا يصح هذا عن الملائكة

والملائكة لا يفترون عن طاعة الله

والملائكة كما قال ابن كثير فيما يظهر أنهم لا يأكلون ولا يشربون لأنه لا وقت لهم لأن وقتهم التسبيح وذكر الله جل وعلا ، ولذلك لما عرض إبراهيم عليه السلام على الملائكة عرض عليهم العجل السمين الحنيذ فإنهم لم يأكلوا منه

وهؤلاء الملائكة نفى الله عنهم أن يكونوا إناثا إذًا لا يوصفون بالذكورية ولا بالأنوثية وإنما يكتفى بما جاء به النص

والإيمان بالملائكة واجب وركن من أركان الإيمان الستة فيجب أن يؤمن بهم على وجه العموم وعلى وجه الخصوص

ما ذكر لنا عنهم من أسماء كجبريل وميكائيل وإسرافيل فيجب أن نؤمن بهم

ما لم يذكر لنا فإننا يجب أن نؤمن بهم على وجه العموم

 

والنبي عليه الصلاة والسلام لما عرج به إلى السماء رأى الملائكة ” ما من موضع شبر من السماء إلا وفيه ملك ساجد أو قائم أو راكع لله “

وهذا إن دل يدل على أن هؤلاء الملائكة هم لهم فضل ومنزلة عند الله جل وعلا

وهم منهم من هو عظيم في المنزلة كجبريل عليه السلام ومنهم من هو دون  ذلك فهم مراتب وفي منازل متعددة ولا يحصيهم عددا إلا الله عز وجل

ولذلك في الصحيحين :

البيت المعمور كما ثبت بذلك الأحاديث الصحيحة أنه حيال السماء لو سقط البيت المعمور لسقط على الكعبة المشرفة ويسمى بالضراح وهذا البيت المعمور أقسم الله به في سورة الطور { وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ } وهذا البيت المعمور دخله كل يوم سبعون ألف ملك فلا يعودون إليه إلى قيام الساعة

مما يدل على أن عددهم كبير ولا يحصيهم إلا الله

والحديث عن الملائكة يطول ، لكن أهم شيء أن الإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان الستة

 

من الفوائد : 

ــــــــــــــــــــــــــــ

أنه جل وعلا لما جرى ما جرى من اليهود أنهم عادوا جبريل ومدحوا  ميكائيل ذكر ميكائيل تبعا من أنه لا فرق من عادى جبريل فإنه في الحقيقة يعادي ميكائيل ومن أحب ميكائيل فيجب عليه أن يحب جبريل ؛ لأنهما يجتمعان في جنس واحد وهم الملائكة

ولذلك : لماذا ذكر جبريل وميكائيل  ؟

كفائدة اخرى  ، ذكر جبريل ؛ لأنه موكل بحياة القلوب يأتي بالوحي وميكائيل موكل بإحياء الأرض

ولذلك في الصحيح :

النبي عليه الصلاة والسلام وهذه سنة لنا إذا أردنا أن نصلي بالليل أن نستفتح من دعاء الاستفتاحات

إذا قلنا  ” الله أكبر ” نقول : ( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم )

 لماذا ذكر هؤلاء الثلاثة ميكائيل جبرائيل إسرافيل ؟

ميكائيل موكل بإحياء الأرض بالمطر والبنات

جبريل موكل بإحياء القلوب بالوحي

إسرافيل موكل بإحياء الأنفس يوم البعث والنشور

فهنا فيه توسل إلى الله  بخلقه وربوبيته لهؤلاء الملائكة الثلاثة الذين وكلوا بالحياة أن يحيي قلبك في هذه الدنيا فيبين لك طريق الحق الذي اختلف فيه كثير  من الناس