تفسير سورة البقرة ــ الدرس { 124 }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ {99} }
سورة البقرة الآية { 99 }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ {99}}
هذه لها سبب نزول ، سبب النزول :
( أن اليهود لما سألوا النبي عليه الصلاة والسلام من يأتيك بالوحي ؟
قال : جبريل ، قالوا هذا عدو لنا لو كان يأتيك ميكائيل لآمنا بك ، فأنزل الله هذه الآية )
هنا أرادوا أن يدخلوا من باب آخر
وهذه هي حيل من صرف الله قلبه عن الخير والهدى فإنه يتلمس لنفسه الأعذار والحجج
فماذا قالوا : ما أتيت لنا يا محمد بشيء حتى نصدقك به فأنزل الله قوله
{ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ {99} }
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال { وَلَقَدْ } مرت معنا هذه كثيرا { وَلَقَدْ } هذه الكلمة { وَلَقَدْ } تفيد التوكيد توكيد هذا الشيء المذكور ، فهذا الشيء المذكور أكد بثلاثة مؤكدات
{ وَلَقَدْ } أكد باللام ، وبالقسم المقدر ، وقد ، أكد ماذا ؟ إنزال القرآن
في اللغة العربية في البلاغة : الشيء الذي تخبر به هذا يسمى بالخبر
يقول أهل البلاغة : إن الكلام إما خبر وإما إنشاء :
نحن في الخبر ، يقولون الخبر ثلاثة أشياء : ابتدائي ، طلبي ، إنكاري
الخبر الابتدائي :
يعني إنسان يجهل حكما مثلا : إنسان يجهل أن زيدا مسافر
فيقول له زيد مسافر هذا خبر ابتدائي ما نحتاج إلى أن نؤكده لأنه جاهل
لكن لو كان عنده طرف من العلم متردد هل زيد مسافر أم لا ؟ هذا يسمى الخبر الطلبي من الأفضل أن نأتي له بمؤكد واحد فنقول : إن زيدا مسافر أكدنا هذا الخبر الذي تردد فيه بإن ، بمؤكد واحد هذا على سبيل الاستحسان
النوع الثالث من أنواع الخبر الإنكار ي : يعني هو ينكر زيد مسافر يقول : لا ، هذا نحتاج إلى أن نؤكد له هذا الحكم بأكثر من مؤكد ، وكلما زاد أو عظم الإنكار عنده كلما زدنا له في المؤكدات فنقول : والله إن زيدا لمسافر أكدنا بالقسم وبإن وباللام
هنا :
اليهود أنكروا ، ولذلك أكد هنا الكلام بإنزاله جل وعلا للقرآن بثلاثة مؤكدات ، لماذا أكد لهم بثلاثة مؤكدات ؟
لأنهم أنكروا هذا الخبر قالوا : ما جئتنا بشيء حتى نصدقك مع أن القرآن بين أيديهم ويتلى فأكد الله جل وعلا لهم هذا الخبر بثلاثة مؤكدات :
اللام ، القسم المقدر ، وقد
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
بيان أن القرآن منزل غير مخلوق
وهذا مر معنا كثيرا
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أن كلمة ” الإنزال ” إذا أضيفت إلى الله فلتعلموا أنها دليل على علوه جل وعلا وأنه في العلو فهو عالٍ بذاته وليس في الأرض أعوذ بالله كما قالت الجهمية والحلولية ، ليس في جهة لا هنا ولا هنا كما قالوا أيضا
وليس هو في السماء وقد أحاطت به السماء أو حملته السماء ، هو جل وعلا في العلو لا تحيط به السموات ولا تقله ولا تظله ، هو في جهة العلو ومن أنكر العلو فقد أنكر صفة من صفات الله
ولذلك قال السلف : ” إن هناك أكثر من ألف دليل على علو الله جل وعلا “
من بين هذه الأدلة :
وهذه الأدلة قال بعضهم هناك ألف دليل على علو الله وبعضهم قال هناك ثلاثة آلاف دليل على علو الله
هذه الألف المؤلفة من الأدلة حصرت في عشرين طريقة ذكرها ابن أبي العز الحنفي في شرحه على الطحاوية
من هذه الطرق العشرين التي تدل على علو الله ، أو أكثر من عشرين طريقة : أن أي كلمة إنزال منه جل وعلا فهي تدل على العلو لأن الإنزال لا يكون الا من علو
فهنا :{أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} دليل آخر تحت هذه الطريقة {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا } دليل على هذه الطريقة ، وهكذا
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال هنا { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا } كلمة { أَنْزَلْنَا } مفرد أم جمع ؟
{أَنْزَلْنَا} جمع وهو جل وعلا واحد { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وهذا يرد كثيرا
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا } {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}
هنا { أَنْزَلْنَا } هنا الجمع لتعظيم من ؟ الله
كلمة ” نحن ” أو ” إنا ” تدل على الجمع وتدل على إطلاقها على المعظم لنفسه ، ولله المثل الأعلى لما يصدر الملك أمرا يقول : نحن مع أنه واحد من باب التعظيم
{أَنْزَلْنَاهُ} الإضافة للجمع يراد منها التعظيم {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا } التعظيم
قول الله جل وعلا في أول سورة التحريم :
من قال للنبي عليه الصلاة والسلام من زوجاته إني أجد فيك ريح مغافير
يعني كان عليه الصلاة والسلام يأتي إلى بعض زوجاته فاتفقت حفصة وعائشة على أن يقولا هذا القول للنبي عليه الصلاة والسلام فحرم العسل مع أنه عليه الصلاة والسلام ما شرب إلا العسل
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } في ثنايا ما ذكر : {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} ولم يقل قلباكما
فقد يرد الجمع ويراد منه المثنى لغرض
الشاهد من هذا :
أنه إذا أتت كلمة الجمع مضافة إلى الله جل وعلا فالمقصود التعظيم
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أن القرآن آيات بينات ، ولذلك قال { آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } واضحات لمن ؟
لمن فتح الله قلبه
بعض الناس تأتيه بالليل والنهار بالمواعظ بالزواجر بالترغيب بالترهيب لكن القلب منغلق هذا ما ينفع معه القرآن
لكن هو آيات واضحات بينات لمن شرح الله صدره {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ } ليس نورا من عنده هو
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال هنا {وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ}
ما نوع ” ما “هنا ؟ نافية
يكفر بماذا ؟ بالآيات البينات {وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ}
وهنا وهي قاعدة في الشرع وفي اللغة :
إذا أتى النفي مع الاستثناء فيفيد الحصر
أدوات الحصر في اللغة العربية أربع طرق أعظم الأدوات إذا اجتمع النفي مع الاستثناء
مثال : لا إله إلا الله ، لا نافية ، إلا اسنثاء ، تحصر العبودية فقط في الله
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } ” ما ” نافية ” إلا ” أداة استثناء
يعني لا تبحث عن أي علة وعن أي حكمة في خلقه لك ، فقط في شيء واحد محصورة في شيء واحد وهو العبادة
قاعدة :
إذا أتى النفي مع الاستثناء فاعلم بأنه للحصر
هنا حصره جل وعلا لمن يكفر بآياته في حكم واحد هو الفسق
لكن ما هو الفسق هذا ؟ الفسق المخرج عن الملة
فالفسق نوعان : فسق يخرج عن الملة ، وفسق لا يخرج عن الملة
أمثلة على الفسق المخرج من الملة هنا {وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ}
قوله تعالى عن إبليس في سورة الكهف {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} أهو مثل الفساق العاديين ؟ أعظم الكفار ورأس الكفر
وهناك فسق لا يخرج عن الملة وهم العصاة ، ولذلك قال تعالى {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}
الفسوق هنا هو الذي لا يخرج عن الملة لأنه ذكر الكفر
والفسق في اللغة هو الخروج ، ولذلك يقولون فسقت الرطبة ، الرطبة فاسقة كيف ؟
من حيث اللغة لأنها تخرج من قشرتها فأي تمرة أو رطبة رأيتها قد خرجت من قشرتها فقل هذه الرطبة فاسقة لكنه فسق لغوي ، فالفسق هو الخروج
لذلك تجد أن هذا الخروج إما خروجا عن الملة وهو الكفر ، وإما أن يكون خروجا لكن في دائرة الملة وهو ما يكون من بعض العصاة
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال : {وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ {99}} الفاسق اسم أم فعل ؟ اسم فاعل ، الاسم أقوى من الفعل ، فدل هذا على أن هؤلاء مستمرون على فسقهم على ضلالهم وهو الواقع في حال اليهود أنهم مستمرون على هذه الحال ، ومما يدل على استمرارهم اقرأ ما بعدها : { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا} استمرار { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ {100}}