تفسير سورة البقرة الدرس ( 125 ) [ أو كلما عاهدوا عهدا .. ] الآيتان ( 100 101 ) الجزء الأول

تفسير سورة البقرة الدرس ( 125 ) [ أو كلما عاهدوا عهدا .. ] الآيتان ( 100 101 ) الجزء الأول

مشاهدات: 488

تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 125 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ( 100 ) ولَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) }

سورة البقرة ـ ( 100 ـ 101 ) / الجزء الأول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معنا في هذه الليلة تفسير قوله تعالى :

{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ( 100 ) ولَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) }

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أن قوله تعالى : { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ } هذا هو في شأن اليهود ولازالت الآيات تذكر ما عليه اليهود

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أن قوله { أَوَكُلَّمَا } هذا مر معنا له نظائر وهو دخول همزة الاستفهام على حرف العطف

والعطف إذا أتى فإنه يقتضي معطوفا ومعطوفا عليه فياترى كيف يكون الحال مع دخول همزة الاتسفهام على حرف العطف ؟

دخول همزة الاستفهام هنا على أي حرف من حروف العطف الواو تدخل على الفاء { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ }

تدخل على ثم : { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ }

فما هو السبيل في مثل هذه النصوص ؟

قلنا إن لكم سبيلين :

الأول : أن يكون هناك تقديم وتأخير ، فيكون المعنى في مثل { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } فألا تعقلون  ، هنا ” وأكلما ” ، لكن هذا فيه ثقل ولا يعطي النص معنى زائدا ، ولذا فالأفضل والأقرب أن يقال إن النص يبقى على ما هو عليه وتكون هناك جملة بين همزة الاستفهام وبين حرف العطف  :

{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا}  فيكون المعنى : أكذبوا بعدما رأوا الآيات وكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم

إذن هنا جملة بين همزة الاستفهام وبين حرف العطف

ذلكم التقدير أو تلكم الجملة تذكر على حسب السياق بما يتناسب مع السياق

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أن كلمة { كُلَّمَا } أداة شرط تقتضي التكرار يتكرر الجواب مع تكرر الشرط ، مثال : كلما جاء زيد فأكرمه ، يتكرر الإكرام بتكرر مجيء زيد

فهنا { كُلَّمَا } من أداوت الشرط هذه الأداة تفيد التكرار ، فيكون معنى الآية : كلما وقع منهم عهد نقضوه فيتكرر منهم النقض بمجرد المعاهدة

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أنه قال هنا { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا  } العهد ما هو ؟ هو العقد الموثق استحكاما ، هذا العهد عهد لله أو عهد لخلق الله ؟ يشمل الأمرين

فهؤلاء اليهود كلما عهدوا عهدا فيما يخص الله أو فيما يخص خلق الله فإنهم ينقضون هذا العهد

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أن هؤلاء ينبذون هذا العهد ، والنبذ معناه الطرح والإلقاء ، والذي يطرح ويلقى لا قيمة له ، ولا قدر فإذن هؤلاء لما كذبوا وقعوا في ماذا ؟

وقعوا في نقض العهد وفي طرحه وفي عدم المبالاة بهم ، وهذا هو شأن اليهود

 

من الفوائد : 

ــــــــــــــــــ

أنه قال { نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ } يعني ليس هذا النقض من الجميع لكن هو من فريق  ، ما عدد هذا الفريق  قليل أم  كثير ؟ كثير  ، ما الدليل ؟

ما بعدها  { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }

وهناك آيات أخر تدل على هذا :

قوله تعالى ـ مما يدل على أن من يفي إنما هم قلة : { وَلَاتَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ }

وقد ذكر جل وعلا أن ممن عاهدهم هو النبي عليه الصلاة والسلام

في سورة الأنفال : { إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ {55} الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ {56} }

 

من الفوائد : 

ــــــــــــــــــ

أن قوله هنا { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} { بَلْ } هنا ماذا تفيد ؟

لها معنيان :

هي تفيد الإضراب لكن الإضراب أهو إضراب انتقالي أم إضراب إبطالي ؟

{ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } ، لو قلت إن { بَلْ } هنا للإضراب الإبطالي فأنت تبطل ما مضى وتؤكد ما يأتي ، وهذا غير مراد  ، هل نريد أن نبطل  أنهم ينقضون العهد ؟ لا ، إذن هنا إضراب انتقالي ، يعني مع ما لديهم من الصفة السابقة انتقل السياق إلى أن لديهم صفة أخرى وهي أن الكثرة منهم  لا يؤمنون  ، بخلاف الإبطالي

الإبطالي مر معنا :

{ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {80} بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً }

يعني ليس الأمر كما قلتم فيما مضى بل انتقل السياق مبطلا لما ادعوه إلى أمر آخر

 

من الفوائد : 

ــــــــــــــــــ

بيان عدل الإسلام وبيان عدله جل وعلا فإنه لا يؤاخذ إنسان بجريرة الآخر ولو كان قريبا منه ؛ لأن هناك طائفة وفت بالعهد كعبد الله بن سلام  ، ولذلك قال جل وعلا  { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } يفيد أن هناك قلة آمنت بالله جل وعلا

 

من الفوائد : 

ــــــــــــــــــ

أن من نقض العهد من هذه الأمة أهو أخف من اليهود أم أنه يكون مثلهم ؟

من نقض العهد من هذه الأمة أهو في الذم مثل اليهود أم أنه أقل أم أنه أعظم ؟

نعم من سار على ما سار عليه اليهود في نقض العهد فإنه أعظم  ، لِمَ ؟

لأنه وقع في أمرين خطيرين :

الأمر الأول : أنه اتصف باليهود كما في سياق هذه الآيات

الأمر الثاني : أنه اتصف بالمنافقين

قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : (  آية المنافق ثلاث ــ وفي رواية ــ  أربع : ) ــ من بينها ــ ( إذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف )

لكن العهد الذي ينقض من المسلم ينظر فيه :

قد يكون النقض مخرجا له عن ملة الإسلام وقد لا يكون

فإن كان النقض مخرجا له عن ملة الإسلام فيكون أعظم من اليهود

لكن إن لم يكن مخرجا عن الملة فإنه لا يكون مثل اليهود لأن اليهود كفار

 

من الفوائد :  

ــــــــــــــــــ

أنه لا يغتر بالكثرة فالكثرة غير محمودة  ، ولذلك في آيات كثيرة :

{ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ }

{ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } ، فالكثرة لا يغتر بها كما أنه لا يحط من قدر القلة : { كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ }

النبي عليه الصلاة والسلام أخبر كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما  : ( أن النبي يأتي يوم القيامة وليس معه إلا الرجل والرجلان والنبي ليس معه احد ) لم يتبعه أحد ، أهناك خلل في دعوته ؟ كلا

الكثرة لا يغتر بها  ، ولذلك ماذا قال جل وعلا : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ }

{ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا}

فانتبه ولاسيما في هذا الزمن لا تقل إن معظم الناس ساروا مع هذا الطريق أسير معه  ، لا  ، انظر في سيرك أهو يوافق شرع الله أم لا ؟ فإن وافق شرع الله فسر فيه ولو قل السالكون فيه

ولذلك يحذر السلف من الكثرة ومن الاغترار بها فلا تغتر بذلك

في هذ الزمن ربما أن الناس ينساقون إلى أمر ما الناس يعملون هكذا أعمل مثلهم  ، قبل أن تعمل انظر هل هذا العمل يوافق شرع الله ؟ لا تنظر إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء  ، هؤلاء لن يحشروا معك ، ولن يوضعوا معك في قبرك وستسأل أمام رب العالمين عما فعلت وصنعت وتركت

 

من الفوائد :   

ــــــــــــــــــ

أن من انضم إلى طائفة وخالف أفراد تلك الطائفة فلم ينكر عليهم وصف معهم بوصف الذم  ، ولذلك يخاطب الله جل وعلا اليهود الذين في عصره عليه الصلاة والسلام بما فعله أسلافهم مع أنهم لم يفعلوا شيئا مع أن من في عصره لم يفعلوا شيئا مما فعله السابقون ، يخاطبهم الله بأنهم عبدوا العجل مع أنهم ما عبدوا العجل في عصره عليه الصلاة والسلام  ، لم ؟

لأنهم لم ينكروا على أسلافهم ولم يتبرءوا مما فعله أسلافهم وبالتالي حشروا معهم في هذا الحكم

 

من الفوائد :   

ــــــــــــــــــ

أن قوله جل وعلا { ولَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ }

” لما  ” هنا ما معناها ؟ لما لها معاني

سؤال :  قوله تعالى : { إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } ما معنى هذه الآية ؟ { لَمَّا } هنا لها معنى بمعنى  ” إلا ” يعني ما كل نفس إلا عليها حافظ ، هذا من معاني ” لما ” أنها تأتي بمعنى إلا وعلامتها أن تسبقها إن { إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}

تأتي ” لما ” بمعنى ” حين ” :

يمثل لها أهل العربية بقوله تعالى : { وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ } يعني وحين جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى

وتأتي ” لما ” من أنها تجزم الفعل المضارع والفعل المضارع هو للحال والاستقبال فتقلبه ” لما ” إلى الماضي

{ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ }

يعني ما دخل الإيمان لكن قريب أن يدخل فهي قلبت المضارع الذي هو يدخل الذي هو للحال أو الاستقبال قلبته إلى الماضي

وتأتي ” لما  ” بمعنى الشرط  ” لما الشرطية ” تفيد وجود لوجود :

وجود شيء لوجود شيء آخر

هنا ما معناها  ؟ الشرطية : { ولَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }

سبحان الله ! وجد النبذ والتكذيب لما وجد مجيء الرسول الذي كانوا يستبشرون به ويستنصرون به على الأنصار قبل أن يسلموا

{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ {89}}

إذن ” لما ” لها أربعة معاني في اللغة العربية