تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 134 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ …… }
سورة البقرة ( 102 ـ 103 } / الجزء الثامن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معنا في هذه الليلة تفسير قوله تعالى :
{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) }
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا : {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}
أسلفنا الحديث فقلنا إن هذا نوع من أنواع السحر وهو سحر الصرف ، وقد ذكر ذلك الرازي وقلنا إنه ذكر ثمانية أنواع للسحر ، إذا أردت أن تجمع هذه الأنواع وتبقى في ذهنك نجملها لك في ثلاثة أنواع :
تلك الأنواع الثلاثة تجمع لك ما ذكر ،وتلك الأنواع الثلاثة دلت عليها الأدلة الشرعية :
عندنا ثلاثة آيات في السحر :
قال جل وعلا : {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ }
ــ عندنا آية : {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ}
ــ عندنا آية : {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}
الآية الأولى : {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ }
قال رحمه الله ق ال : ” هذا نوع من السحر وهو سحر نفساني ويعود الساحر نفسه على التأثر بالسحر ويستغل الضعف النفسي لدى المسحور بأشياء قد شاهدها من قبل فيصل تأثير سحره عليه
والآية تدل على هذا {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ } لأنه شاهد أشياء مسبقة
{وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} في النفس وفي القلب
النوع الثاني : هو ما يستعمله السحرة من مركبات معدنية أو غيرها كالزئبق أو الأدوية المنومة أو المنشطة فتؤثر على المسحور
الدليل : {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ}
النوع الثالث : ما يقوم به الساحر من خفة حركات يقوم بها ، ولذلك كما قلت لكم قد تعرض بعض المشاهد التلفزيونية فيها عروض سحرية يخرج إنسان نارا من رأسه أو طيرا من رأسه أو أنه يضرب شخصا فيجز رأسه ولا يحصل له شيء ، هذا خفة يد
لعبة ورقية معينة قال لهذا الداعية أتحداك ان تعرف هذه الطريقة فعملها معه فإذا به يضحك وصوروا تصاوير يظن أن كل ما يقرب الناس يفعل غلط
كل ما يقرب الناس إليك وإلى محبتك يكون بالطريقة الشرعية
يعني لما تضحك مع هذا الرجل شاب يرى ذلك ما يدري يظن أن الأمر سهل يظن أنها خفة ولعبة وانتهى الأمر ، ما علم ، ثم يأتي هذا الداعية ويستفيض معه في هذا الأمر ثم يسكت عن هذا يظن هذا المسكين أن هذا الفعل صحيح مع أنه نوع من أنواع السحر
صحيح أريد أن أقرب الناس إلى الدين وأن أتبسط معهم لكن ليس على حساب الدين ، ثم هو أيضا ليس على طريقة غير شرعية
ولذلك قال بطريقة خفة يده يلبس على الآخرين
فماذا قال جل وعلا : { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى }
العصا والحبال يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى وما تسعى ولكنها خفة حركة فعل من هؤلاء
فتذكر هذه الآيات الثلاث تذكر كل نوع من أنواع السحر الثمانية
تحفظ العلم عن طريق الدليل الشرعي يبقى معك هذا العلم
تأخذ العلم الشرعي بالآراء وبالمجيء والذهاب والإياب ورأيت وفعلت لن يبقى لك شيء
احفظ هذه الآيات الثلاث بل كلما مررت عليها تذكرت أن تلك الآية تدل على ذلك النوع من أنواع السحر
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
نحن قلنا إن تلك الحركة أمر خارق عن العادة ، يعني إنسان يخرج من رأسه طيرا ، أو مثلا إنسان معه ورقة بيده ثم يقول سأفتح يدي ولن تجدها ابحث عنها ، هذه اللعبة التي قلت لكم إن بعض الدعاء التقى به
سبحان الله ! ورقة بيده أين ذهبت { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } ما هي في اليد الأخرى ، أين ذهبت ؟
ولذلك لتعلموا أن الأمر الخارق عن العادة قد يكون شعوذة وسحر
قال شيخ الإسلام في كتابه الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان يتحدث فيه عن أولياء الرحمن وأولياء الشيطان والفرق بينهما
قال : ” هناك من يجري الأمر الخارق للعادة على يده وهو لا يصلي وهو لا يتطهر من النجاسات ولا يفعل العبادات فلا يغتر بما يجريه على يديه من أمر غير معتاد عليه “
إذن كيف أعرف ؟
السلف ماذا قالوا وذكر ذلك شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى :
قال : ” لا يغرنك الرجل يطير في السماء أو يطير في الهواء ويمشي على الماء حتى تراه عند الأمر والنهي “
أين هو من أمر الله ؟ أين هو من نهي الله ؟
هذه هي العلامة ، هنا يكون وليا من أولياء الله
ولذلك هناك ما يسمى بمعجزة ، وهناك ما يسمى بكرامة ، وهناك ما يسمى بشعوذة وسحر
الأمر الخارق عن العادة إن أجراه الله على يد نبي فهو معجزة مثل إحياء الموتى على يد عيسى عليه السلام
إن أجرى الله هذا الأمر الخارق على يد رجل صالح تقي فهو كرامة
ولذلك أنكرت المعتزلة الكرامة قالوا : لأنها تشتبه بالمعجزة كيف نرد عليهم ؟
نقول الأمر الخارق للعادة إن أجراه الله على يد نبي فهو معجزة ، إن أجراه على يد تقي صالح فهو كرامة ، وإن أجراه الله على يد رجل فاسق فاجر فهو شعوذة وسحر “
لو قال قائل : بعض الناس من الأتقياء لا تحصل له كرامة
أعطيك مثالا على الكرامة :
بعض السلف كان مسافرا وكان يسير على فرسه فمات الفرس وهو في صحراء فدعا الله أن يحيي فرسه فأحيا الله فرسه حتى أوصله إلى بلدته فلما وصل مات ، هذا أمر خارق عن العادة
ربما تكون مثلا في البر وتضل الطريق وينقطع الجوال وانتهى الشحن
الأمر الخارق عن العادة أن يعود شحن الجوال لأن الجوال لا يشحن إلا ببطارية أو بكهرباء ، هذا أمر خارق عن العادة
إن أجراه الله على يد ولي ،
الآن ليست هناك معجزة لأن النبي عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء
الآن ما فيه إلا كرامة أو شعوذة
إن أجراه الله على يد رجل تقي صالح فهو كرامة
وإن أجراه على يد رجل فاجر فاسق فهو سحر وشعوذة
قاعدة :
بعض الناس يقول هذا الرجل من الأتقياء الأنقياء ومع ذلك لم يجر الله على يديه كرامة ؟
لتعلموا :
أن كثيرا من الصحابة كما قال شيخ الإسلام لم تجر كرامة على أيديهم وليست بمحمودة ، الكرامة ليست بمحمودة ولذلك متى ما احتاجها العبد التقي يسرها الله له
ولذلك لو حصت الكرامة للإنسان ولو لم تكن مربوطة بالدين قال ابن أبي العز الحنفي فهي “وبال عليه ” كما لو نال رياسة أو مالا
بعض الناس ينال منصبا مالا إن لم يربطه بالدين صار وبالا عليه ؛ لأن بعضا من الناس لما يتولى منصب وهو من الناس الأتقياء تتغير الحال
لما يرزق بمال يشغله هذا المال عن طاعة الله
الكرامة ليست محمودة ، ولذلك يقول السلف : ” كن طالبا للاستقامة ولا تكن طالبا للكرامة “
الكرامة إن لم تربط بالدين فهي بلية ، لكن متى ما احتاج إليها العبد يسرها الله له ، ولكن لا تسأل ، إنما الذي يحرص عليه الإنسان ما جاء في قوله تعالى : {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {62} الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ {63}}
تكون وليا لله ؟ بماذا كما قال شيخ الإسلام ؟ بالإيمان والتقى
ما درجة ولايتك لله ؟ على حسب قوة إيمانك وتقاك تكون ولايتك أعلى إن كانت عالية وإن قلت تقل
ولذلك كما قلنا :
ينظر إلى حال الإنسان مع طاعة الله من حيث الأمر والنهي
الرافضة يذكرون قصصا من أن هناك خوارق عادات جرت على أيديهم وعلى أولياء يعظمونهم
فنحن نقول في مثل هذا عندنا قاعدة :
أن هؤلاء ليسوا بفضلاء عند الأمر والنهي لم ؟
لأنهم أفسدوا العقيدة فكيف تكون هذه الأشياء التي يذكرونها كيف تكون كرامة ؟ وإنما تكون شعوذة وسحرا وتمويها وتدليسا على عامة الناس
ليس كل من أتى بأمر خارق للعادة يكون وليا لله ، بل قد يكون عدوا لله
فمشاهدة المقاطع والمشاهد والبرامج التلفزيونية التي بها عروض سحرية لا تجوز
ولذلك :
جندب الخير رضي الله عنه لما رأى أن الوليد بن عقبة قد استقبل رجلا من المشرق من العراق وإذا به قد ربط حبلا بين ساريتين وإذا بحمار وفيل معه وإذا به يركض الحمار ويجري جريا سريعا على هذا الحبل الدقيق وإذا به يدخل هذا الحمار في دبر هذا الفيل ويخرج من فمه
ويأتي بالرجل يجز رأسه بالسيف ثم يحييه ، فأتى إليه جندب بالسيف وقتله وقال أحي نفسك إن كنت صادقا {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ }
فلا يجوز مشاهدة هذه العروض لا في مقاطع فيديو ولا في تلفزيون
فكيف يؤيد هؤلاء عليها ؟!
ولذلك أعظم ما يتعلمه الإنسان في حياته ولاسيما في هذا العصر وإلا ففي كل عصر وكل زمان أعظم ما يتعلمه الإنسان هو ما يتعلق بالعقيدة
العقيدة إذا انهارت انهار كل شيء
الآن الصوفية يعبدون ويذكرون الله ذكرا عظيما من غير عقيدة ما الفائدة ؟
تلك الأعمال تذهب
بعضهم تجد أنه من المصلين ويقرءون القرآن لكنه يطوف بالأضرحة ويستغيث بها من دون الله ويستشفعون بها ، لا تنفعهم صلاة ولا ينفعهم صوم ولا زكاة
فالعقيدة هي أهم شيء