تفسير سورة البقرة الدرس ( 137 ) [ يا ايها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا .. ] الآية ( 104 ) الجزء الأول

تفسير سورة البقرة الدرس ( 137 ) [ يا ايها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا .. ] الآية ( 104 ) الجزء الأول

مشاهدات: 535

تفسير سورة البقرة  ــ الدرس ( 137 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) }

سورة البقرة ( 104 ) ــ الجزء الأول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معنا في هذه الليلة تفسير قوله تعالى :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) }

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أنه جل وعلا لما ذكر فعلا سيئا لهم وهو تعلم السحر ذكر قولا سيئا لهم يريدون به التمويه وهو : أنهم يقولون للنبي عليه الصلاة والسلام { رَاعِنَا } وهذه الكلمة كان الصحابة يقولونها للنبي عليه الصلاة والسلام من أجل أن يرفق بهم إذا تكلم حتى يفهموا ما يقوله فكانوا يقولون { رَاعِنَا } وإذا باليهود يقولونها للنبي عليه الصلاة والسلام ، لكن معناها عند اليهود يختلف عن معناها عند الصحابة ولذلك فطن لها معاذ بن جبل رضي الله عنه إن صح الحديث والحديث ضعيف ، بالنسبة إلى قصة معاذ وهو عند أبي نعيم في الدلائل لكن قال ابن حجر في الفتح هو ضعيف

قال : لو سمعت أحدا منكم يقولها لضربت عنقه يقول هذا لمن ؟

لليهود

يعني كان يعرف شيئا من لغتهم : ” لو سمعتها من أحد منكم يقولها للنبي عليه الصلاة والسلام لضربت عنقه “

وهو وإن كان ضعيفا إلا أن الحال من الصحابة أنهم كانوا يقولون للنبي عليه الصلاة والسلام { رَاعِنَا }

انظروا لهؤلاء اليهود كيف يموهون لأن كلمة { رَاعِنَا } من الرفق من الترفق لكن هي عند اليهود يحملونها على محامل أخرى

ما هي تلك المحامل ؟ هي عند اليهود كلمة ذم وعيب وتنقص بينما هي عند الصحابة كلمة { رَاعِنَا } يراد منها الخير وهو أن يرفق بهم عليه الصلاة والسلام حتى يعقلوا ما يقوله

لكن اليهود عندهم هذه الكلمة كلمة عيب وتنقص وذم ، كيف ؟

قال شيخ الإسلام كما في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ” هي عند اليهود كلمة ذم وتنقص وعيب  ، كيف ؟

قال : ”  إما أن تكون من المراعاة وهي مأخذوة من المفاعلة يعني راعني  وأراعيك والمراعاة تكون بين نظيرين ومثيلين لا تكون  بين الأعلى والأدنى فلما قالوا { رَاعِنَا } هذا فيه تنقص للنبي عليه الصلاة والسلام لأن المراعاة تكن بين مثيلين ولا تكون بين الأعلى والأدني

أو تكون هذه الكلمة عندهم من الرعونة يعني يصفونه بالحمق

وإما أن تكون من الرعاية يعني احفظ كلامنا حتى نحفظ كلامك

والأمر بالحفظ إنما يكون ممن ؟ من الأعلى إلى الأدنى لكن الإشكال هنا أحيانا لما تأتي معك صاحبك أو صديقك أو أخوك وتأتي إلى البائع وتقول راعنا سنأخذ منك شيئا كثيرا راعنا بصيغة الجمع مقصودك مقصود حسن لكن هذه اللفظة في الحقيقة يمنع منها المسلم لأنه ولو لم يقصد ما يقصده اليهود إلا إنه شابه اليهود في ألفاظهم التي يقصدونها

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود : (( ومن تشبه بقوم فهو منهم ))

قال شيخ الإسلام : لو قال قائل : أنا تشبهت بهم لا لحب في لباسهم أو في كلامهم أو في أفعالهم وإنما أعجبني ذلك فقال رحمه الله : ” يكفي في التحريم صورة التشبه فقط “

فإذا نويت أن تكون كهؤلاء كان الإثم أعظم

 يعني :

لو أتى إنسان من الشباب وعليه لباس من ألبسة تخص الكفار قال : والله لا أحب الكفار ، ولا أحب أن أتشبه بهم لكن هذا اللباس أعجبني أيجوز أن يلبسه ؟

لا ، صورة التشبه كافية في المنع ، فكيف إذا أراد

ولذا : قول بعض  الناس ” راعنا ” وإن كان يقصد مقصدا حسنا إلا أنها من حيث الصورة تشابه ما يقوله اليهود حيث اتسمت كلمة ” راعنا ” بوصف الذم عندهم كما بينت ذلك من قول شيخ الإسلام في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

قلت : أنه لما ذكر فعل اليهود بالتمويه على فعل السوء ذكر قول السوء كلمة { رَاعِنَا } إذن ما البديل  ؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا } هذا هو البديل {وَاسْمَعُوا  }

القرآن يوضح بعضه بعضا ، هذه في أي سورة ؟ في سورة البقرة

في سورة النساء جاء التفصيل الواضح :

قال جل وعلا : {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}

{ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا }

سبحان الله !ما الذي أدرانا أن هؤلاء هم اليهود ؟ الآية ما ذكرت شيئا

في سورة البقرة : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا } لم تذكر اليهود  ، في سورة النساء ذكر أن المعني بها اليهود {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}

هم في هذه الآية في سورة البقرة جمعوا بين الفعل السيء والقول السيء الذي يراد يه التمويه ، في سورة النساء جمعوا بين الفعل السيء وبين القول السيء ، ما هو الفعل السيء ؟ {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ }

ما هو القول السيء ؟ {وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}

{وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} يقولون : يا محمد اسمع غير سمع يعني اسمع ولست بملزم أن تسمع  ، ولكن مقصودهم {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} يعني لا سمعت أحدا يعني دعوة عليه بأن يصاب بالصمم

وكذلك {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ}  يعني غير مستجاب لك ، هذا هو ما يريدونه

{وَرَاعِنَا}  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا }

{وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ } يعني مثلما يقال فلان يلوي أعناق النصوص

{وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} فيها لف يلفون النصوص {وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} من أجل الطعن في الدين

إذن : ما المناسب لهؤلاء وما المفترض أن يكون عليه هؤلاء  : {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} بدل قولهم {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا }

{وَاسْمَعْ } من غير {غَيْرَ مُسْمَعٍ }

{وَانْظُرْنَا} بدل {وَرَاعِنَا }

ما الثمرة ؟ {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ } خيرية وأيضا يكون لهم ظهور ووضوح ، كما يقال  : قامت الحجة فإذا أقمت الحجة ظهرت واتضحت

{وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}

ما معنى {فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} ؟

قال بعضهم : ما آمن إلا قليل وهذا بعيد

وقيل : إنهم آمنوا إيمانا لكن هذا الإيمان لا ينفعهم

وقيل : إن القلة يراد منها العدم يعني {فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} أنهم غير مؤمنين بتاتا لأن القلة في اللغة العربية تطلق ويراد منها العدم مثل ما يقول بعض الناس فلان قليل الحياء هل يقصد من ذلك أنه عنده حياء أو أنه معدوم الحياء ؟ معدوم الحياء  ، فالقلة تطلق في اللغة ويراد منه العدم