تفسير سورة البقرة الدرس ( 141 ) [ ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب .. ] الآية ( 105 ) الجزء الثالث

تفسير سورة البقرة الدرس ( 141 ) [ ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب .. ] الآية ( 105 ) الجزء الثالث

مشاهدات: 467

تفسير سورة البقرة  ــ الدرس ( 141 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) }

سورة البقرة ( 105 ) ــ الجزء الثالث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فنكمل في هذه الليلة ما تبقى من فوائد تحت قوله تعالى :

{ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) }

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أن هنا فيه بيان من أن اليهود والنصارى والكفار بجميع نحلهم ومللهم لا يريدون الخير لهذه الأمة

لو قال قائل : ألم يقل الله في سورة المائدة :

{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) }

كيف نوفق بين الآيتين ؟

التوفيق بين الآيتين : أنه من جاء من النصارى بمثل هذه الصفات المذكورة في القرآن فإنه لا يكون داخلا ضمن هذه الآية ، وهذا كحال النجاشي لأن الحديث في الآية التي في سورة المائدة عن النجاشي وأن الطائفة التي آمنت معه بالنبي عليه الصلاة والسلام ولذلك اقرأ ما بعدها كما  قال البغوي :{ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83)}

فلا يلتبس الأمر ، من كان رقيق القلب كحال النجاشي ومن آمن معه فلا يكون داخلا ضمن الذم المذكور هنا في سورة البقرة

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أنه قال هنا : { مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ } دل هذا على أنهم لا يريدون لنا الخير ولو قل سواء كان خيرا في الدين أو خيرا في الدنيا ، ولذلك أتت كلمة

{ خَيْرٍ } في سياق النفي والنكرة في سياق النفي تفيد العموم ولاسيما التنصيص على العموم بزيادة كلمة { مِنْ } { مِنْ خَيْرٍ }

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أنه قال هنا : { مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ } قال : { مِنْ رَبِّكُمْ }

الرب هو المالك المتصرف المعطي فالخير منه جل وعلا ، والربوبية هنا ربوبية خاصة ، لأن الربوبية نوعان ربوبية لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم كما قال تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } يعطي الكفار يرزقهم يعافيهم يتولى أمورهم  ، لكن الربوبية الخاصة هي خاصة بالمؤمنين

الربوبية العامة تشمل الكافر والمؤمن ، أما الربوبية الخاصة وهي المرادة هنا أن الله عز وجل يربي ويغذي قلوب المؤمنين بالخير والهدى والطاعة

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أن  الله قال هنا : { وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ }

فيه دليل على ماذا ؟ على أن رحمة الله جل وعلا عامة { وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ } رحمة ماذا ؟ أهي رحمة في الدين فقط أم رحمة في الدين والدنيا معا ؟

خذها قاعدة :

النص إذا أتاك عاما فعممه { وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ } رحمة مفرد أضيف إلى الضمير المعرفة تعم  ، إذن رحمته جل وعلا في الدين والدنيا والآخرة

ويمكن أن تحمل على النبوة  ، لكن الصحيح أن النبوة تدخل لأن النبوة إذا أتت نبينا عليه الصلاة والسلام فخيرها أيضا يعود على أفراد أمته

ما الدليل على أن النبوة تسمى رحمة ؟

قال تعالى عن الكفار : { وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ }

الرحمة هنا النوبة بدليل أنهم قالوا : { لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ }

ولذلك من الأدلة التي يستدل بها على أن الخضر هو نبي وليس وليا صالحا فحسب بل هو نبي أن الله ذكر الرحمة في سياق ذكره لما ذكره في سورة الكهف : { فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا } والخلاف مشهور في قضية الخضر هل هو نبي أم أنه ليس بنبي ؟

لكن الرحمة هنا عامة ولو كانت خاصة بالنبوة فإن الله يخص بالنبوة من يشاء أي من هو أهل ، ولذلك قال في سورة الأنعام : { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }

لكن إن كانت الرحمة عامة للدين والدنيا والآخرة وليست خاصة بالنبي عليه الصلاة والسلام بل له ولأمته ولمن آمن به هنا ما الذي يلزمك ؟

أن تتهيأ لهذه الرحمة فرحمة الله عظيمة وواسعة فتهيأ لها

كيف تتهيأ لها ؟ كيف تتعرض لرحمة الله ؟ بأن تكون مطيعا لله جل وعلا

فهذا هو التهيؤ لها حتى يخصك برحمته ولذلك قال : { وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ }

{ مَنْ يَشَاءُ } : إذن ليست لكل أحد

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

إثبات صفة الرحمة لله عز وجل وأن الله يرحم وهذا خلاف للمعطلة الذين ينفون عن الله الصفات ويقولون هو لا يرحم

إذن هو أثبت أن له رحمة ، قالوا نؤلها وهو في الحقيقة تحريف ليس تأويلا

قالوا : إن رحمته بخلقه هي إيصال الثواب إليهم وليست رحمة

هذا خطأ بل نثبت صفة الرحمة لله ومن آثار هذه الرحمة أنه جل وعلا يثيب عبده ، يوسع على عبده ، يعطي عبده

وهي قاعدة عند أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته

خذها قاعدة معك ولاسيما في هذا العصر الذي ربما يدلس ويشوش على المسلمين عبر وسائل التواصل وربما عبر القنوات ، إذا عرفت معتقد أهل السنة والجماعة هنا تسلم بإذن الله تعالى في الأسماء والصفات :

معتقد أهل السنة والجماعة :

أن تثبت ما أثبته الله جل وعلا لنفسه وما أثبته له رسوله عليه الصلاة والسلام من الأسماء والصفات من غير تحريف لا تحرف ولا تكييف لا تقل كيفيتها كذا وكذا ، هي لها كيفية لأنه ما من شيء موجود إلا وله كيفية ولله المثل الأعلى ما من شيء تراه وهو موجود إلا وله كيفية لكن الكيفية لا نعلمها ، ولذلك قال الإمام مالك ” الاستواء ملعوم ” من حيث اللغة العربية هو معلوم  ” والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة “

إذن من غير تحريف ولا تكييف ولا تمثيل ، لا تمثل صفاته بصفات المخلوق  ، فللمخلوق ما يليق به وللخالق ما يليق به

أمثلة : الرحمة ، السمع ، البصر

في السنة : الضحك لكن ضحك يليق بجلاله وعظمته

ولذلك إذا أتاك النص خذها قاعدة إذا أتاك النص من الكتاب ومن السنة  مثبتا صفة لله فلا تتردد في إثباتها لأن الله أعلم بنفسه لما ذكرها ورسوله عليه الصلاة والسلام أعلم بربه منك لما ذكرها

لكن انتبه : تثبتها من غير تحريف ولا تكييف ولا تمثيل ، ولا تتردد ولا تخف

وأن تنفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله عليه الصلاة والسلام من الأسماء والصفات مع إثبات كمال الضد

من الصفات التي نفاها عن نفسه : الظلم : { وَمَا رَبُّكُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ }

لا تقل أنفي عن الله الظلم وتسكت ، خطأ

تقول أنفي عنه الظلم لكمال عدله أنفي عنه العجز لكمال قوته ، أنفي عنه النسيان والنوم لكمال حياته وقيوميته جل وعلا

انتبه :

وأن تسكت عما سكتا عنه ، شيء ما أتى به القرآن ولا أتت به السنة فلا تبحث عنه ، اسكت  ، لا نفي ولا إثبات نقف حيث وقف النص

وهناك من الصفات ما تثبت مقيدة

مثل المكر إثبات صفة المكر لله لمن يمكر به نقيدها : { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ }

إثبات صفة الخداع من الله ونسكت ؟ لا ، لمن يخادع : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ }

انتبه : كن مع النص لا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

إثبات المشيئة لله لأنه قال : { وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ } ومشيئته جل وعلا عامة سواء كانت المشيئة المتعلقة بأفعاله أو بأفعال عباده قال تعالى عن مشيئته بأفعال عباده : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ }

بما يتعلق بمشيئته بأفعاله جل وعلا قال : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا }

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

بيان فضل الله وعظيم فضله : { وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } وإذا كان فضل الله عظيما فإنه لا يستطيع أحد أن يحده أو أن يقدره فهو فضل عظيم ثم هو فضل عظيم إذا كان لا أحد يستطيع أن يحده أو أن يقدره إذن لا أحد يستطيع أن يمنعه { وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }

{ ذُو } بمعنى صاحب { وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } أي صاحب الفضل العظيم ، وإذا كان فضل الله عظيما فعليك أن تتعرض لفضل الله بطاعته

كيف أنال هذا الفضل ؟ أن أتعرض لهذا الفضل أحرص عليه

كيف  ؟ أن أتهيأ له  ، كيف أتهيأ له ؟

أن أكون مطيعا لله

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

قال هنا : { وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ } قلنا إن بعض العلماء قال هي النبوة  ، أيضا مما يؤكد ما يقولونه لكنه عام ، لكن على القول أن الرحمة هنا هي النبوة  أن قوله { وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } يدل على النبوة

هل وردت آية تدل على أن النبوة فضل عظيم ؟

نعم قوله تعالى : { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا } مع أن الفضل حتى في هذه الآية عام لكن مما يشير إلى أن النبوة فضل ففضل الله واسع وعظيم فلنتعرض لهذا الفضل بطاعته