تفسير سورة البقرة الدرس ( 142 ) [ ما ننسخ من آية أو ننسها .. ] الآيتان ( 106 107 ) الجزء الأول

تفسير سورة البقرة الدرس ( 142 ) [ ما ننسخ من آية أو ننسها .. ] الآيتان ( 106 107 ) الجزء الأول

مشاهدات: 462

تفسير سورة البقرة  ــ الدرس ( 142 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ألَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) }

سورة البقرة ( 106 ـ 107 ) / الجزء الأول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فعندنا في هذه الليلة تفسير قوله تعالى :

{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ألَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) }

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أن اليهود لما وقع ما وقع من نسخ استقبال بيت المقدس في الصلاة إلى الكعبة شككوا في القرآن وقالوا إنما هو من محمد إذا بدا له رأي أمر أصحابه بهذا الأمر وترك الأمر الأول

ولذا لو تأملنا لوجدنا أنه من هذه الآيات والآيات الآتية تتحدث عما سيكون من أمر هؤلاء  اليهود في شأن نسخ استقبال بيت المقدس في الصلاة إلى القبلة ، ولذا قال تعالى كما سيأتي معنا قال : {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} يعني اليهود

{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {142} وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ}

ولذا ماذا قال تعالى في سورة النحل  : {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أن النسخ كما ذكر عز وجل هنا عن علم منه جل وعلا ، والنسخ نسخ الأحكام الشرعية النسخ هو له معنى من حيث الشرع ومن حيث اللغة :

نأخذها أولا من حيث  اللغة : النسخ في اللغة يطلق على معنيين :

المعنى الأول : النقل           المعنى الثاني : الرفع والإزالة

النقل : تقول نسخت الكتاب

ولذلك بهذا الاعتبار يكون القرآن كله منسوخا باعتبار معنى أن النسخ هو النقل لأنه نسخ أي نقل من اللوح المحفوظ إلى أن نزل منجما إلى بيت العزة في السماء الدنيا ثم نزل منجما ، ولذلك ماذا قال تعالى في سورة البروج : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ {21} فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ {22}}

فهذا هو النقل والإثبات ومنه قوله تعالى : {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يعني نثبت ، وهذا لا علاقة لنا به هنا ، الذي لنا به علاقة هو المعنى الثاني ، وهو الرفع والإزالة :

الرفع والإزالة : إما أن يرفع الشيء ويحل شيء محله وإما أن يرفع ولا يحل شيء محله ، فقولنا إما أن يرفع الشيء ويحل شيء محله كما تقول : نسخت الشمس الظل  ، تقول العرب نسخت الشمس الظل ،يعني أزالته وحلت محله

وهنا في الآية التي معنا ما المقصود منها ؟

الرفع والإزالة ووجود بديل أم عدم بديل ؟

وجود بديل ، {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} لابد من بديل ، وهذا هو محل حديثنا

نوع آخر : هو نسخ الشيء ورفعه من غير بديل

تقول : نسخت الريح الأثر ، تقول العرب نسخت الريح الأثر ، هل ستحل الريح محل أثر الأقدام  ؟ لا

هذا مثل قوله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ }

الإزالة ، نعود إذن إلى مرادنا ، وهو النسخ وهو الرفع والإزلة مع وجود بديل كما في هذه الآية

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أن الأمة مجمعة على وقوع النسخ  إلا ما روي عن أبي مسلم الصفهاني من أنه قال ليس هناك نسخ ، الذي ينكره بتاتا هم اليهود لكن من هذه الأمة ما أحد ينكره كل يراه إلا أبا مسلم الأصفهاني هو لا ينكره ، وإنما يقول أي حكم شرعي ما ينتهي حتى تقوم الساعة لكن لو أتى نسخ فنخصص الزمن فقط ، إذن يسمي النسخ تخصيصا ، خلاف لفظي يعني ليس هناك خلاف  ومعارضة ، ولكن الصواب أن نسميه نسخا

ولذلك اعلموا أن التخصيص عند الأوائل عند  السلف أحيانا يسمونه نسخا

والتخصص يختلف عن النسخ :

النسخ هو أن يأتي دليل شرعي بنسخ حكم شرعي أو لفظ حكم شرعي

يزيله كله ويحل محله ، أما التخصيص فلا  ، التخصيص هو أن يبقى الحكم ولكن يخصص بعضه ما يأتي على أفراد النص كله

لو أتى على أفراد النص كله نسميه نسخا لكن على بعضه نسميه تخصيصا

مثال على النسخ :

كان المسلمون في أول الأمر لما هاجروا يصلون نحو بيت المقدس ثم نسخ هذا الحكم إلى التوجه إلى الكعبة ، هذا نسخ

 

مثال على التخصيص : إما تخصيص متصل أو منفصل

قوله تعالى : {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} ما الذي بعدها : {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} يعني من ينظر إلى هذه الآية على أنه لا يجوز للإنسان أن يتجوز بامرأة توفي عنها زوجها لكن لما قال {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} هنا خصص على أنه يجوز متى ؟ إذا انتهت عدتها

هذا تخصيص وليس بنسخ

 

من الفوائد : 

ــــــــــــــــــــ

أن النسخ لا يكون في الأخبار وإنما يكون في الأحكام وله حديث طويل

ولذلك قد يظن بعض الناس أن هناك نسخا في بعض الأخبار وليس بنسخ كما قال القرطبي وإنما هو تقييد

قال تعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}

قوله تعالى : {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} يدل على أن الكافر إذا كان في حالة اضطرار فدعا الله أن الله سيستجيب له ، لكن فيه آية ليست ناسخة وإنما تسمى بالتقييد : {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ}

 

من الفوائد : 

ــــــــــــــــــــ

أن من ينكر النسخ يقول كيف يقع النسخ لأنه إذا وقع النسخ وقعنا في أمر جلل وهو البداء على الله

ما معنى البداء على الله ؟

مثل ما يمكن يعبر عنه فلان بدا له الأمر غير الأمر الأول ، يعني كأن فلانا أمرك بشيء ثم بدلا له أن يمنعك منه لأنه يرى المصلحة في عدم فعلك لهذا الشيء

فيقال : سبحان الله ! أيقاس المخلوق بالخالق ، الله عالم بكل شيء وإنما هو ينسخ هذه الأحكام يفرضها جل وعلا في وقت لأن هذا الوقت هو أعلم جل وعلا بمصالح عباده في هذا الحكم الشرعي ثم بعد حين يكون ذلك الحكم الجديد الذي نسخ الحكم القديم أنه أصلح فهو عالم لا يفوته شيء

انتبه :

من باب الرد على هؤلاء ، لما ذكر آية النسخ في سورة النحل ذكر بعدها علمه جل وعلا من باب الرد على هؤلاء فهو يعلم جل وعلا أنه سيكون هناك من خلقه من ينسب إليه ما لا يليق به وإنما هو يليق بالمخلوق  :

{وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} فيه نفي لما قد يزعم

هنا فيه نسخ وفيه نسيان

في سورة الأعلى :{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى {6} إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى}

فذكر العلم يدل على أنه جل وعلا عالم بمصالح خلقه

 

من الفوائد : 

ــــــــــــــــــــ

أن النسخ يمكن أن يكون من حكم ثقيل إلى حكم خفيف أو من حكم خفيف إلى حكم ثقيل أو لا ثقيل ولا خفيف

مثال على نسخ حكم كان ثقيلا فسهل :

كان في أول الإسلام الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فإذا غربت الشمس فلهم الفطر لكن من غربت عليه الشمس ولم يأكل ثم نام انتهى لا يأكل ولا يشرب ولا جماع فشق ذلك على الصحابة فقال تعالى : {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} من باب تخفيف الحكم الأول

نحن ملزمون كمسلمين في مواجهة الأعداء إذا كان الأعداء عشرة أضعاف إذا كنا ألف وهم عشرة آلاف فلا يجوز لنا أن نفر من القتال لكن نسخ هذا الحكم إلى ما هو أخف فلو قابلنا العدو وهو ثلاثة أضعاف عددنا فيجوز الفرار لكن لو كان العدو ضعفين منا فلا يجوز  ، ولذلك يقول ابن عباس : ” من فر من ثلاثة فما فر ، ومن فر من اثنين فقد فر “

الدليل :

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} عشرة أضعاف ما لك فرار {وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ {65} الْآنَ }

نسخ { خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {66}}