تفسير سورة البقرة الدرس ( 143 ) [ ما ننسخ من آية أو ننسها .. ] الآيتان ( 106 107 ) الجزء الثاني

تفسير سورة البقرة الدرس ( 143 ) [ ما ننسخ من آية أو ننسها .. ] الآيتان ( 106 107 ) الجزء الثاني

مشاهدات: 442

تفسير سورة البقرة  ــ الدرس ( 143 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ألَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) }

سورة البقرة ( 106 ـ 107 ) / الجزء الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فعندنا في هذه الليلة تفسير قوله تعالى :

{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ألَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) }

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

تحدثنا بالأمس عن النسخ وأن النسخ له أحكام في أصول الفقه لكن النسخ مفيد معرفته لطالب العلم ، ولذلك ذكر القرطبي في تفسيره ” أن رجلا في المسجد قام يعظ الناس ويذكرهم فأتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال : ما هذا ؟

قالوا : هذا رجل يذكر الناس ويعظهم  ، فقال علي : كلا  ، إنما قام من أجل أن يقال أنا فلان بن فلان ثم قال له : أتعرف الناسخ والمنسوخ ؟ قال : لا

قال : بهذا هلكت وأهلكت ، انصرف “

وقد روي مثل هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما

وهذا إن دل يدل على أن وعظ الناس وتذكيرهم شيء حسن والناس بحاجة إلى هذا والنبي عليه الصلاة والسلام قال كما عند البخاري : ( بلغوا عني ولو آية )

ولكن ليس معنى هذا أن يتصدر الإنسان في المساجد ويأتي في كل مسجد ويعظ الناس ، وإذا بما يذكره فيه من المخالفات الشرعية ما الله به عليم

قال تعالى : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ  } لابد أن يكون لديك علم ، وهذا العلم لابد أن يكون متينا

وانظر كيف ربط علي رضي  الله عنه كما ربط ابن عباس ربط تبليغ الناس العلم بطلب العلم الشرعي

ليس معنى هذا أن كل من  قرأ كتابا أو سمع خطبة أو وعظا أتى وحدث  الناس ، لا ، ولذلك كثير من الأئمة يذكر لي أن بعض من يعظ إذا به يأتي بأحاديث مختلقة موضوعة وقصص غير صحيحة ، فهذا يضر نفسه ويضر إخوانه ، فالواجب على المسلم أن يطلب العلم الشرعي

المهم :

أن النسخ مهم لطالب العلم وذكرنا نتفا من ذلك

ذكرنا بالأمس أن قوله تعالى : {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} فقد ينسخ الأخف إلى الأثقل والأثقل إلى الأخف ، وقد يتساويان

ذكرنا بالأمس آية المصابرة في القتال نسخ من الأثقل إلى الأخف، ذكرنا آية

ولذلك أنا أحرص على أن أذكر هذه الآيات مع أننا لم نصل إليها لأن بعضا من الناس يقرأ القرآن ولا يدرس ، يقرأ آيات منسوخة وربما يبني عليها أحكاما وهي منسوخة ، ذكرنا آية { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}

أيضا :

ــ  {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا {15}}

بعض الناس يقرأ هذه الآية ولا يفهمها هذه الآية منسوخة {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا {15}}

معنى هذا أن من كان زانيا أو زنا فيما مضى في أول الإسلام من رجل أو امرأة متزوج أو غير متزوج يحبس في البيت ، هذا حكم شرعي {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}أتى السبيل من الله

ما هو السبيل ؟

هنا الحكم على الزناة في أول  الأمر هو حبس الزانيات في البيوت

البكر تغير الحكم  ، البكر : الجلد جلد مائة وتغريب سنة

أيهما أخف ؟ الحبس في البيوت

بالنسبة إلى المحصن المحصن المتزوج وله شروط محلها في كتب الفقه : الرجم حتى الموت

إذن هنا نسحخ حكم من الخف إلى الأثقل

 

آيات الخمر  :

قال عز وجل : {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {67}}

انظروا كيف أشار إلى التقليل من الخمر : { وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} لم يصفها بوصف آخر لكن لما أتى الرزق قال : {وَرِزْقًا حَسَنًا } من باب التنبيه على أن السكر ليس بذاك الحسن

وبعض العلماء يقول النسخ ليس من هنا هذه الآية إخبار وأخبار الله لا يقع فيها نسخ  ، لكن قال القرطبي السياق إذا كان خبرا ويتضمن حكما كهذه الآية فإن النسخ يكون للحكم

ولذلك بعض من في الجاهلية حرم الخمر على نفسه لأن بعضهم شرب فلما شرب بالليل أراد أن يواقع ابنته ؛ لأنه لا عقل له مجنون فهربت منه إلى الجيران  فلما أصبح واستيقظ قال : أين ابنتي ؟

قالوا : ألم تدري ماذا صنعت الليلة ؟ فأ خبروه ، فحرمها على نفسه

هذه آية عن الخمر

ولذلك انظروا إلى التدرج في التشريع كان الخمر يقدم لهم في كل وقت فأتى قوله تعالى : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا }

وصف الإثم بأنه { كَبِيرٌ } وفي قراءة  { كثير }

بعض الناس يظن أن الأمر على ما هو عليه يظن أن الخمر فيها خير ، لا ، هذه الآية منسوخة ، ثم أتى النسخ لأمر آخر ، يعني أراد الإسلام أن يحجم شرب الخمر عندهم ، فقال لا تشربوها قرب الصلاة ، بعد الصلاة يجوز شربها ، ولذلك لا يشربونها إلا بعد صلاة العشاء لأن الوقت طويل

فقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}

هذه الآية منسوخة نسخت بماذا ؟

سورة المائدة : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {90}}

ولذلك قال الصحابة  : ” انتهينا انتهينا ” ، حتى إن الإناء كان في يد أحدهم حتى إذا سمع بالأمر أسقط الإناء من يده

 

ومن الآيات المنسوخة :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــ نسخ استقبال بيت المقدس إلى الكعبة

ولذلك قال تعالى : {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ }

قول الله عز وجل : {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ }

قبلها آية : {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}

كان حكم المتوفي عنها زوجها في أول الأمر كانت العدة سنة حول وهذا هو على رأي الجمهور فنسخت بما قبلها أربعة أشهر وعشرا إذا لم تكن حاملا فإذا كانت حاملا فبوضع الحمل كما هو معروف

وبعض العلماء يقول في قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ }

أن عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام وأن على الورثة أن يبقوا هذه المرأة لمدة سنة في البيت ولا يخرجونها منه

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

هنا ما فائدة النسخ من الأثقل إلى الأخف ؟ التيسير على العباد

ما فائدة النسخ من الأخف إلى الأثقل ؟ إذا عظمت المشقة كثير الأجر

ما فائدة النسخ من لا خفيف ولا ثقيل كلاهما واحد ؟

يعني كون الإنسان يستقبل بيت المقدس أو يستقبل الكعبة هل هناك مشقة عليه ؟ ما فيه مشقة

الاتجاه كفعل الإنسان ليس هناك مشقة لكن من المعلوم أن الكعبة أفضل من بيت المقدس لكن كفعل الإنسان اتجهت يمينا ويسارا

ولذلك ماذا قال تعالى : {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ …}

وفي الآية الأخرى : {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}

لكن لماذا ينسخ حكم بحكم آخر مساوي لا فيه ثقل ولا فيه أخف ؟

من باب الامتحان للإنسان مثل ما صنعت اليهود فإن في هذا امتحان للإنسان هل يستجيب لأمر الله أم لا يستجيب ؟

هل يشكك في أمر الله أم أنه لا يشكك في أمر الله ؟

لكن ليعلم أن في استقبال بيت المقدس في القبلة ثم التوجه إلى الكعبة فيه فوائد :

ما الفائدة ؟

الفائدة أنه عليه الصلاة والسلام لما توجه إلى بيت المقدس قالت اليهود يعيب ديننا ويستقبل قبلتنا وقالت قريش يزعم أنه على دين إبراهيم ويستقبل غير قبلته ولذلك في الآيات قال تعالى : {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ }

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أن اليهود أنكروا النسخ لأمرين ، ذكرنا أمرا وهو أنهم يقولون إن هذا يفتح باب البداءة على الله يعني أن الله بدا له شيء فغير حكمه وهذا لا يكون إلا للمخلوق الذي لا يعلم

فيقال : هو جل وعلاعالم بكل شيء لكنه يعلم أن المصلحة للعباد في هذا الوقت في هذا الحكم ثم بعد ذهاب هذا الزمن يكون الحكم الجديد هو المناسب لهؤلاء الخلق

ثم هم ينكرون النسخ لأمر هم يقولون التوراة لم ينسخها شيء فلا تلزمنا باتباعك ولا بالقرآن فهم يريدون أن يبقوا على التوراة

سبحان الله ! وهل بقوا على التوراة  ؟ ما بقوا ، لكنها الأهواء ، كيف عرفنا  ؟ في الآيات التي مرت معنا : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ}