تفسير سورة البقرة الدرس ( 144 ) [ ما ننسخ من آية أو ننسها .. ] الآيتان ( 106 107 ) الجزء الثالث

تفسير سورة البقرة الدرس ( 144 ) [ ما ننسخ من آية أو ننسها .. ] الآيتان ( 106 107 ) الجزء الثالث

مشاهدات: 468

تفسير سورة البقرة  ــ الدرس ( 144 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ألَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) }

سورة البقرة ( 106 ـ 107 ) / الجزء الثالث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فعندنا في هذه الليلة تفسير قوله تعالى :

{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ألَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) }

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

مضى ذكر النسخ وما يتعلق به في الدروس الماضية وبقيت بعض الفوائد المتعلقة بالنسخ

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

لو قال قائل :هل النسخ موجود في الأمم السابقة أم أنه ما وقع إلا في هذه الشريعة  ؟

هو موجود في الأمم السابقة ولذلك قال عيسى عليه السلام لما أتى اليهود قال : { وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } فدل على أن هناك نسخا في الأمم السابقة  ، وأيضا من دلائل النسخ في الشرائع السابقة أن إبراهيم عليه السلام أمر بذبح ابنه إسماعيل فنسخ الحكم

وهذا ما يسمى أيضا وهي الفائدة التي تتلوها :

ما يسمى بالنسخ قبل التمكن من الفعل :

 نظيره : أن الصلاة أول ما شرعت على النبي عليه الصلاة والسلام ليلة الإسراء والمعراج شرعت خمسين صلاة

هل صلى المسلمون خمسين صلاة أو هل صلى عليه الصلاة والسلام خمسن صلاة  ؟ لا ، نسخ من هذه الخمسين نسخ خمس وأربعون صلاة

فإذن نسخ هذا الحكم قبل أن يفعل وهذا جائز ولا إشكال فيه

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

 أن هناك جملة وردت عند مسلم ( لم تكن نبوة إلا تناسخت ) هذه في صحيح مسلم في خطبة عقبة بن غزوان رضي الله عنه أنه قال كنا سابع سبعة مع النبي عليه الصلاة والسلام ولم يكن لنا طعام سوى ورق الشجر حتى تقرحت أشداقنا ، فوجدت ثوبا فشققته بيني وبين سعد بن مالك يعني سعد بن أبي وقاص ، فاتزر بنصفه واتزرت بنصفه ثم نحن اليوم كل منا أمير على مصر من الأمصار ، وإني أعوذ بالله أن أكون عند نفسي عظيما وعند الله صغيرا ، ثم قال : ” لم تكن هناك نبوة إلا تناسخت حتى ترجع ملكا فستخبرون وتجربون أمراء بعدنا “

النسخ هنا هو التغير لأن النبوة هي باقية لكن يؤول الأمر إلى أن يكون هناك ملوك فهذا هو معنى النسخ هنا

النسخ في هذه الجملة : ( لم تكن هناك نبوة إلا تناسخت ) المقصود منها أنها تتغير فيحل بدلها غيرها

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام ( تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يكون بعد ذلك ملك عاض ثم يكون ملك جبري ثم تكون خلافة على خلافة النبوة أو على منهاج النبوة )

هذا هو معنى الجملة إذا مرت بأحدكم في معنى النسخ

 

من الفوائد : 

ــــــــــــــــــــ

أنه جل وعلا قال : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا } هذه هي القراءة التي  عليها الجمهور  ، قرأ بعض القراء السبعة : { ما نُنْسِخ } من الفعل أنسخ

لكن  { مَا نَنْسَخْ } من الفعل نسخ { أَوْ نُنْسِهَا } من النسيان وقرئت قراءة سبعية : { أو ننسأها } يعني من التأخير كما قال عليه الصلاة والسلام : ( من أحب أن ينسأ له في أثره ) يعني يؤخر له في أثره قال

 ( فليصل رحمه )

ولهذا معنى ولهذا معنى وسيأتي إن شاء الله في ذكر الفوائد

 

من الفوائد : 

ــــــــــــــــــــ

أن قوله { مَا نَنْسَخْ } : { مَا } هنا : كلمة ما لها معاني : اسفهامية   زائدة   تعجبية   ما شرطية   ما موصولية   ما نافية  ، وكل ” ما ” لها معنى وفائدة 

هنا { مَا } شرطية ، وما الشرطية هنا لابد لها من فعل شرط وجواب شرط

أين فعل الشرط ؟ { نَنْسَخْ } ولذلك سكنت ولا يجوز أن يقرأ الإنسان ما ننسخُ ، فعل الشرط مجزوم ، جواب الشرط { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا }

{ نَأْتِ } : مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة الذي هو الياء

ولا يمكن أن يتم للشرطية معنى إلا بالجواب ، ولذلك لتعلموا أنه في اللغة المعول عليه هو جواب الشرط

الآن لو أقول لك : أو لأي طالب : إن تذاكر ؟ الكلام مبهم أتم الجملة تنجح هذا هو الجواب ، فدل هذا على أن الجواب متعلق تعلقا عظيما بفعل الشرط

 ثبوتا ونفيا  ، ولذلك قال تعالى : { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ }

هنا شرطية لا يصح لإنسان أن يقرأ يعلمه ُ الله

ولذلك لو كان في غير القرآن وما تفعلوا من خير ؟ فيه فائدة  ؟ ما فيه فائدة فلابد من جواب الشرط { يَعْلَمْهُ اللَّهُ }

 

 من الفوائد : 

ــــــــــــــــــــ

 

لو قال قائل : المتكلم من ؟ الله وهو واحد أحد قال : { مَا نَنْسَخْ } لم يقل ” ما أنسخ ” { مَا نَنْسَخْ } بصيغة الجمع وهو واحد { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } فالنون هنا أو صيغة الجمع هنا للتعظيم فقد تطلق صيغة الجمع على الواحد من باب التعظيم وهذا مشاهد كما لو قال ملك أو زعيم نحن فلان مع أنه واحد لم يقل أنا الملك فلان قال : نحن من باب التعظيم ، فيصح أن تطلق صيغة الجمع تطلق على المفرد من باب التعظيم

 

من الفوائد : 

ــــــــــــــــــــ

أن النسخ تعريفه : هو رفع حكم شرعي أو لفظه بحكم شرعي آخر

ليشمل نسخ اللفظ والحكم

 

من الفوائد : 

ــــــــــــــــــــ

أنه قال هنا { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ }{ مِنْ } هنا : زائدة يعني ما ننسخ آية

هنا { مِنْ } زائدة لأن الأصل لو كان في غير القرآن ما ننسخ آية

وليعلم وهي القاعدة في الأصول : أن النكرة في سياق الشرط تعم أي آية ينسخها الله يأتي الجواب { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } هذا هو الجواب لكن مع كونها زائدة فهي بيانية أيضا  ، كيف عرفنا  ؟

 { مَا } : اسم شرط مبهم  ، ما الذي يبينه  ؟  { مِنْ }  ، { مِنْ }  بينت ما هو هذا الشيء

 

من الفوائد : 

ــــــــــــــــــــ

النسخ يكون للحكم ويكون للتلاوة :

أمثلة :

ـــــــــــــ

آية نسخ حكمها وبقي لفظها  :

قوله تعالى : { وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) }

كان حكم الزانيات في أول الإسلام أنهن يحبسن في البيوت فجاء الإسلام :

البكر جلد مائة وتغريب سنة ، والمحصن الثيب الرجم حتى الموت

إذن الآية بقيت لفظا ونسخ حكمها ، وهذا أكثر ما في القرآن أن ينسخ الحكم وتبقى التلاوة

 

آية نسخت التلاوة وبقي الحكم :

آية الرجم هي آية ( والشيخ والشيخة إذا زنيا ) هذه آية تتلى قديما لكن لفظها نسخ لكن بقي الحكم ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ) كما جاء  في حديث عمر عند ابن أبي شيبة

 

ولذلك لما سئل ابن عباس رضي الله عنهما كما عند البخاري ما الذي تركه النبي عليه الصلاة والسلام ؟

قال : ” ما ترك إلا ما بين الدفتين ” يعني ما بين الجلدتين يعني المصحف يقصد من ذلك الذي لم ينسخ

ولذلك ابن عمر كان لا يحب أن يقول شخص قرأت القرآن كله ، لم ؟

باعتبار أن هناك أشياء منسوخة ، لكن الأمر يسير حتى لو قال الإنسان يعني لما يقول قرأت القرآن كله يعني غير المنسوخ

(( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ))

كانت موجودة في سورة فنسخت في سورة الأحزاب كما جاء في حديث أبي عند الحاكم في مستدركه وعند ابن حبان  ، كانت هذه في سورة الأحزاب

وقد ثبت كما في حديث أبي أنه سأل زر واحد من التابعين قال : كم آية في سورة الأحزاب ؟ ثلاث وسبعون آية

كم سورة البقرة من آية ؟ مائتنا وست وثمانين

فقال كم تعدون سورة الأحزاب  ؟ قال : ثلاث وسبعون آية ، قال : كانت تعدل سورة البقرة

إذن نسخ ما في سورة الأحزاب أكثر مما بقي

 

نريد مثالا لآية نسخت تلاوتها وحكمها :

آية الرضاع :

كما جاء عند مسلم قالت عائشة كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس رضعات

هذه على أنها آية  ، لكن فيه آية قال أبو بكر رضي الله عنه : ” كنا نقرأ ( لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر )

ما رأيكم في هذا القول ؟

( لو كان لابن آدم واديان لأحب أن يكون له ثالث ولا يملأ فاه إلا التراب ) حديث ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام هذه كانت آية فنسخت

وهذا إن دل يدل على أن الإنسان مهما أعطي من الدنيا ولو كان لديه ما لديه فإنه لن يشبع إلا إذا قنعه الله  ، ولذلك انظروا كيف أتت هذه الجملة على أنها حديث وكانت فيما مضى على أنها آية تتلى

فيكون هناك نسخ للتلاوة دون الحكم  ، ونسخ الحكم دون التلاوة ، ونسخ للتلاوة والحكم

ولذلك كما عند مسلم ( وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين ) (ورهطك منهم المخلصين ) كانت آية

فالشاهد من هذا :

أن هذا النسخ ذكرنا ما يتعلق به من فوائد

وأيضا لماذا تنسخ هذه الآيات ذكرنا ذلك فيما مضى