تفسير سورة البقرة ــ الدرس ( 145 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ألَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) }
سورة البقرة ( 106 ـ 107 ) / الجزء الرابع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فعندنا في هذه الليلة تفسير قوله تعالى :
{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ألَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) }
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أن قوله تعالى : {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا }قال {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} يعني ما تنسخ آية إلا ويأتي بديل ، ذلكم البديل إما أن يكون مثيلا للمنسوخ أو خيرا منه
لكن هنا أمر وهو : أن هناك آية نسخ حكمها وبقيت تلاوتها ويستدل بها الجمهور أنها لما نسخ حكمها لم يأت بديل وهذا فيه إشكال مع هذه الآية لأنه قال هنا {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} وهناك ارتباط بين فعل الشرط وبين جزاء الشرط بين فعل الشرط وجوابه كما لو قلت : متى تأتنا نأتك يعني مجيئنا لك بمجيئك لنا هذا ارتباط ما ينفك ، فهنا أيضا فيه فعل وجواب
{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا } الجواب {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}
ما هي هذه الآية ؟
هي قوله جل وعلا : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {12} }
كان في أول الأمر يشق على النبي عليه الصلاة والسلام ما تلقى عليه الأسئلة ما يلقى عليه من الأسئلة وهو عليه الصلاة والسلام يستقبل فمن باب التخفيف عليه أمر أي شخص وعنده سعة أن يتصدق لتكون هذه الصدقة سبيلا له إلى مناجاة النبي عليه الصلاة والسلام
ومن ليس بغني يعني من هو فقير فلا إشكال عليه يناديه من غير صدقة ولذا قال {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
لكن الناس شق عليهم أن تذهب أموالهم ولو كانوا أغنياء ، فما الذي جرى؟
نسخ هذا الحكم وبقيت الآية تتلى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {12} } منسوخة بالتي بعدها : {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {13} }
هذه هي الناسخة
لكن نسخت إلى أي حكم آخر ؟
الجمهور يرون أنها نسخت إلى غير بدل ، لكن الشنقيطي محمد الأمين الشنقيطي في كتابه أضواء البيان يقول وإن نسب هذا إلى الجمهور هذا باطل ، لم ؟ قال : لأن الله يقول : {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} لابد من بديل ، إذن ما هو البديل ؟
قال الحكم وهو حكم الوجوب نسخ ما البديل ؟
الاستحباب استحباب دفع صدقة وليس على سبيل الوجوب استحباب دفع صدقة لمن يريد مناجاة الرسول عليه الصلاة والسلام في حياته لأن الحكم انتهى
فيكون الحكم هنا نسخ إلى بدل ما هو البدل ؟ إلى الاستحباب
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أن قوله جل وعلا : {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} النسيان هنا هو الرفع وليس معناه النسيان الذي هو الذهول العارض وقد وقع منه عليه الصلاة والسلام ، ولذلك قال ( رحم الله فلانا قد أذكرني آية كنت أنسيتها )
وفي رواية ( أسقطتها ) وعند أبي داود : ( صلى عليه الصلاة والسلام ذات يوم فلم يأت بآية وكان أبي من القراء خلفه فقالوا : يارسول الله إنك لم تذكر الآية ، قال عليه الصلاة والسلام : يا أبي ما منعك ؟ ــ يعني ما منعك أن تفلتح علي ــ فأبي والصحابة قالوا : ظننا أنها رفعت )
فدل هذا على أن النسيان نوعان :
نسيان ذهول عارض ، هذا لا يدخل في الآية التي معنا النسيان المذكور هنا في الآية أن الآية ترفع ، ولذلك ماذا قال تعالى في سورة الأعلى : {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى {6} إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} أن ينسيكه
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أنه قال هنا : {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } بخير من ماذا ؟
من الآية ” خير ” أفعل تفضيل يعني إذا نسخت آية إما أن يأتي ما هو أفضل من المنسوخ أو يكون مثيلا
المثيل معروف : مثل استقبال المسلمين الكعبة بعد أن كانوا يستقبلون بيت المقدس في الصلاة ، هذا مثيل ، لكن لاشك أن الكعبة أفضل من بيت المقدس لكن من حيث فعلك أنت يا عبد سهل
لكن الإشكال هنا : لما ينسخ حكم ثقيل إلى خفيف أثقل إلى أخف :
مثل :
كان في الصيام إذا غربت الشمس للإنسان أن يأكل لكن لو نام بعد غروب الشمس حرم عليه الأكل طيلة ليلته إلى غده فجاء التخفيف : {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} هذا فيه خير باعتبار أن فيه تخفيفا
لكن المشكل هنا : ما هي الخيرية فيما لو نسخ الأخف إلى الأثقل ؟
مثل :
كان الصيام في أول الإسلام يجب أن يصوم الإنسان يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر فجاء الأمر بصيام رمضان كله وهذا لا شك أن فيه مشقة من الأخف إلى الأثق
ما الخيرية هنا ؟ الخيرية : أن الأجر يعظم
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أنه قال هنا {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}قال : {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا } هل كلام الله يتفاضل ؟ هل كلام الله بعضه أفضل من بعض ؟
القاعدة هنا : لأن بعض العلماء يقول لا يمكن ، كله كلام الله
هل كلام الله بعضه أفضل من بعض ؟
الجواب هنا : ننظر فيه من أمرين أو من وجهين :
باعتبار المتكلم وهو الله فلا تفضيل ، لكن باعتبار كلامه جل وعلا فله جل وعلا أن يضع في كلامه أو في بعض كلامه ما يفوق غيره ، ولذلك جاء في الصحيح : ( أن أعظم سورة الفاتحة ) ، جاء في الصحيح ( أن أعظم آية آية الكرسي ) جاء في الصحاح وفي السنن ( أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن )
فله جل وعلا أن يضع في بعض كلامه من الفضل والمزايا ما يفوق أو ما يزيد على الكلام الآخر
إذن لو سئلت أكلام الله فيه تفاضل ؟ قل : باعتبار المتكلم الذي هو الله فلا تفاضل ، لكن باعتبار ما يضعه جل وعلا في بعض كلامه فنعم
والدليل :
أعظم آية آية الكرسي ، أعظم سورة سورة الفاتحة ، سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أن كلمة { بِخَيْرٍ } أفعل تفضيل ، كما لو قلت : زيد خير من عمرو كلاهما فيه خير لكن زيد أكثر خيرية ، وهذا هو الأشهر قد تأتي كلمة خير وبها الهمزة ، يصح أن تقول: زيد أخير من عمرو ، ولكن المشهور أنها تأتي بدون الهمزة ، مثل شر ، فلان شر من فلان ، يصح أن تقول أشر
فكملة خير وشر المشعهور فيها بدون الألف لكن لو أتيت بالألف فلا إشكال في هذا
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أنه قال هنا : {ألَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
هنا استفهام ، ولم أداة جزم ونفي { ألَمْ } لم تستفهم عن شيء مجهول أم معلوم ؟ مجهول ، هذا هو الأصل في الاستفهام
ولذلك يعرفه أهل اللغة هو طلب العلم عن الشيء المجهول بإحدى أدوات الاستفهام ، طلب العلم بالشيء المجهول بإحدى أداوت الاستفهام
لكن لو أن شخصا سأل سؤالا هو يعرف الجواب ، هنا خرج الاستفهام عن معناه الأصلي إلى أغراض أخرى
يعني مثلا قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {90} إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ {91}}
قال : {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} ألا يعلم جل وعلا ؟ بلى يعلم
لكن لماذا سأل ؟
الاستفهام هنا خرج عن معناه الأصلي من الاستفهام إلى الأمر يعني انتهوا
{ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ } استفهام خرج عن معناه الأصلي إلى الأمر
هنا : { ألَمْ تَعْلَمْ } ماذا الذي يراد من هذا الاستفهام ؟
التقرير ، تقرير هذا الحكم ، مثل : {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ }
الجواب : بلى قد شرحنا لك صدرك