تفسير سورة البقرة الدرس ( 148 ) [ أم تريدون أن تسألوا رسولكم .. ] الآية ( 108 ) الجزء الثاني

تفسير سورة البقرة الدرس ( 148 ) [ أم تريدون أن تسألوا رسولكم .. ] الآية ( 108 ) الجزء الثاني

مشاهدات: 482

تفسير سورة البقرة ــ الدرس { 148 }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

 { أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ {108} }

سورة البقرة { 108 } / الدرس الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عندنا في هذه الليلة تفسير قوله تعالى :

{ أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ {108}}

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أنه قال هنا : {أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ} أضاف الرسول إليهم كما أنه أضاف الرسول إليه وذكر المعنى في الإضافة إليه سبحانه وتعالى والإضافة إلى البشر  هنا ، لكن الفائدة هنا : أنه لما أضاف الرسول إليهم دل هذا على أنه مما يجب عليهم أن يوقروا هذا الرسول لأنه رسولهم والآيات دلت على وجوب توقير وتعزير النبي عليه الصلاة والسلام : {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا {8} لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا {9}}

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أن هذه الأمة نهيت إن كان الخطاب للأمة أو كان الخطاب لمن هم في عصره عليه الصلاة والسلام من اليهود وكلا المعنيين صحيح أنه قال  {كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} فيه التحذير من التشبه بالمخالفين سواء كان هؤلاء المخالفون فيما مضى أو في العصر الذي يعيش فيه الإنسان

فإنه نهي أن يتشبه بأولئك الذين تعنتوا الأسئلة على موسى عليه السلام

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أن ذكر موسى هنا يدل : {كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} يدل على  أن هناك ذما يقع بهؤلاء اليهود كما سئل موسى من قبل ، من السائلون له ؟  اليهود

وسيق ذكرهم هنا في سياق الذم ، ما الدليل ؟ أول الآية : {أَمْ تُرِيدُونَ } الاستفهام إنكاري ، فينكر عليهم أن يكون حالهم كحال بني إسرائيل

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أن قوله : {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ} التبديل يوحي بماذا ؟

يوحي بأن هناك اختيارا وإرادة للعبد ففيه رد على الجبرية طائفة جبرية قابلت ما يسمى بطائفة القدرية

تلك الطائفة تقول مخالفة للقدرية تقول : إن العبد مجبور على فعل نفسه فحركته كحركة اهتزاز الأشجار يعني ما له إرادة ، يعني يقولون تعالى الله عما قالوا علوا كبيرا أنا لما رفعت هذه القارورة يقولون ليس لك إرادة لما رفعتها ليس باختيارك وإنما رفعت بأمر الله فوقع رفعك عند أمر الله وليس باختيارك ، وهذا ضلال مبين

هؤلاءالجبرية يترتب على قولهم بما أن العبد ليس له اختيار ولا إرادة ولا مشيئة أن إبليس كفر من غير اختياره فرعون أبا جهل أبا لهب الكفار لما عبدوا الأصنام ما عبدوها باختيارهم فهذا مما يترتب على مذهبهم الفاسد

وهذه الآية ترد قال : {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ }

دل على أن ابن آدم له اختيار ومشيئة

بينما القدرية يقابلونهم ، انظروا إلى من لم يسر حيث سارت النصوص يضل بعقله وقد يقابل من أناس آخرين بعلاج بدعة هؤلاء ببدعة أخرى فالبدعة لا تعالج بالبدعة ، البدعة تعالج بالسنة

فالقدرية يقولون : إن العبد مستقل بفعل نفسه ليس لله في ذلك إرادة تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، يقولون لما رفعت هذه القارورة القدرية غير الجبرية يقولون رفعتها باختيارك ليس لله اختيار ولا إرادة

وانا أذكر هذه الأشياء لأنه ربما تذكر في بعض الوسائل وسائل التواصل أو وسائل الإعلام وذكرت لما أرفع هذه القارورة يقولون ليس لله فيها إرادة لم يرد الله منك

بل إن هناك غلاة قدامى منهم قد اندثروا وربما يظهرون قالوا : إنك لما رفعت هذه القارورة ليس بإرادة الله بل قالوا ما هو أعظم : الله لم يعلم برفعك لها إلا بعد أن رفعتها ، انظروا إلى الضلال المبين

{إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

ويترتب على قول هؤلاء : أن هناك من يخلق مع الله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا

وأتى أهل السنة والجماعة ماذا قالوا  ؟

قالوا : للعبد اختيار ومشيئة وإرادة ولكن إرادته ومشيئته تابعة لإرادة الله ، لا يستقل بنفسه ، يعني لما رفعت هذه القارورة لي إرادة لكن لو لم يرد الله ذلك ما رفعتها ، ولذلك في صحيح مسلم لما أكل ذلك الرجل بشماله فقال عليه الصلاة والسلام ( كل بيمينك ، قال : لا أستطيع  ) منعه الكبر وهو يقدر ، (( فقال عليه الصلاة والسلام : لا استطعت ، فما رفعها إلى فيه ))

ما استطاع أن يرفعها يريد أن يرفع اللقمة ما استطاع ما أراد الله أن يرفعها

ولذلك ماذا قال عز وجل : {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {29} } فليس لك مشيئة إلا بمشيئة الله

فأتى أهل السنة والجماعة وتوسطوا فأخذوا بالنصوص كلها

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أن قوله : {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ} هنا فيه بيع وشراء

البيع ما هو تعريفه عند الفقهاء : مبادلة مال بمال ولو في الذمة ، هذا هو البيع

المال ما هو  ؟: كل ما يتمول ، ليس المقصود الأوراق النقدية فحسب

ما رأيكم بالبيع في المسجد ؟ حرام ( إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع فقولوا لا أربح الله تجارتك )

تصور  : لو أنك نلت جائزة من المسجد نظير مسابقة أعطوك مثلا جوالا

زميلك أعطوه كمبيوتر فراقت نفسك وتاقت وهو كذلك أن تأخذ الجوال وأن يأخذ هو الكمبيوتر وأنتما في المسجد ، يجوز ؟

لا يجوز ، هذا بيع مبادلة مال بمال

بعض الناس ما يفهم هذا يظن أنه لابد من الأوراق النقدية ، هذا خطأ

لو مثلا أعطوك شماغا أحمر وأعطوه غترة بيضاء قلت له : خذ  الحمراء و أعطني البيضاء وأنتما في المسجد ، هذا بيع

أي مبادلة مبادلة مال بمال ليس المقصود الأرواق النقدية فقط هذا بيع

ولهذا نستفيد منه حتى في قضية معرفة الربا :

يعني : ما رأيك لو ذهبت إلى أصحاب محلات الذهب ومعك سوار من الذهب قال أعطيك مقابل هذه السوارة مثلا وزنها عشرون جراما قال أعطيك سوارة أخرى جديدة وزنها خمس عشرا جراما أو عشرة جرامات    يجوز ؟

لا يجوز ، لأن عليه  الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين : (( الذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد ))

أنتما تقايضتما لكن هل الوزن هو هو؟ اختلفا

هذا يفيدنا في معرفة معنى البيع مبادلة مال بمال ولو في الذمة ليس في قضية تحريم البيع في المسجد لما تأخذ جائزة زميلك وزميلك يأخذ جائزتك

حتى في قضية الربا :

تصور لو أن أختين ذهبتا إلى السوق واشترت كل واحدة منهما سوارا فلما رجعتا إلى البيت قالت إحداهما والله إن سوارتك أعجبتني ، فقالت الأخرى : إن سوارتك أعجبتني أيضا ، فقالت كل واحدة للاخرى خذي سوارتي

والوزن يختلف تبادل  ، بعض الناس قد يقول تنازل ، هذا ربا إلا إذا كان الوزن متساويا ، أما سوارة زائدة ولو بنصف جرام لا يجوز ، حتى لو دفع الفرق ما يجوز

مثال :

ذهبت إلى محلات الذهب وقلت هذه سوارة وقال أعطيك سوارة لكن تعطيني الفرق فلا يجوز هذا البيع

ما فيه اسم هدية ولا تنازل ، هذا بيع مبادلة مال بمال إذا كان من جنسين يقع فيهما الربا يقع الربا

لو كان من جنسين مثلا أبدلتك سيارة بسيارة فلا إشكال لأن الربا لا يقع في السيارات

أهم شيء أن تقبض مالك ، لما تذهب وتبيع هذه السوارت أو هذا الذهب قل  سلمني المبلغ بدون شروط فلما استلمته أنت الآن بالخيار تشتري منه بمالك فلا إشكال الأولى أن تذهب إلى غيره وتشتري منه

كل هذا الكلام الذي أردته في تعريف البيع ليس الحديث حديث فقه لكن قوله تعالى : {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ} هنا بيع

وقلت لكم كثيرا في التفسير وفي غيره : في البيع سلعة وثمن ، ما هو قيمة ، سلعة وثمن القيمة تختلف :

مثال : ذهبت إلى محل عنده ملابس أو أي شيء إذا بهذا الفستان مثلا قيمته  300 ريال لكن أنت تعرفه أو لديك قدرة على المماكسة والمكاسرة فجعله بـ 200  ، القيمة 300  يمكن أن يكون صاحبا لك ويقول خذه بـ 100 ، الآن قيمته بـ 300 ولكن أعطاك هذا الزميل أو هذا الصاحب أعطاك هذا الفستان بـ 100 ريال

الثمن ما هو ؟ 100  ، القيمة 300

لو ذهبت إلى زوجتك وقلت لها هذا الفستان قيمته 300 ريال لا إشكال في هذا لأنه في الحقيقة قيمته لكن أنت فاوضت الرجل

الشاهد من هذا : {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ} البيع به سلعة وبه ثمن

السلعة كيف تعرف السلعة من الثمن ؟ الثمن إذا دخل عليه حرف الباء

تقول مثلا : اشتريت سيارة بعشرين ألفا ، ما هو الثمن ؟ عشرون ألفا

اشتريت قلما بقارورة ماء ، أين الثمن ؟   قارورة ماء

ما يدخل عليه الباء هو الثمن

اشتريت جوالا بجهاز كمبيوتر  ، الثمن جهاز الكمبيوتر

 فانظر إلى اللغة العربية فيها فوائد :

{وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ} نسأل الله أن يثبتنا ، البيع : مبادلة

أين الثمن هنا وأين السلعة ؟  الثمن : الإيمان ، السلعة : الكفر

الإيمان دخلت عليه الباء ، قدم الإيمان نظير الكفر والذي يقدم المال ليشتري أليس راغبا ؟ لا أحد يشتري شيئا إلا عن رغبة إلا إذا كان معتوها

فهؤلاء قدموا الإيمان الذي هو الغالي الثمين من محض رغبة مقابل الكفر

ولذلك ما هو الجواب ؟ لأن ” من ” اسم شرط فعل الشرط يتبدل

جواب الشرط : {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ }

قال {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ }

{ ضَلَّ } : يعني تاه ، يعني هؤلاء ضلال الذين بدلوا الكفر بالإيمان

لتعلموا : أن الفعل الماضي إذا دخلت عليه قد ،  قد لها معاني لكن هنا للتحقيق ، إذا دخلت ” قد “على الفعل الماضي فإنها تقرب هذا الفعل الماضي أكثر تقربه في الوقوع ، يعني هؤلاء ضلوا وضلالهم قريب مثل قوله تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} فلاحهم متحقق وقريب

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أنه قال هنا : {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ }{ السَّبِيلِ } هو الطريق { سَوَاءَ } وسط ، فقد تاه عن وسط الطريق ، كلمة { سَوَاءَ }  : كما قال القرطبي قال  كلمة { سَوَاءَ }   تدل على الوسط {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ } يعني وسط السبيل ، ولذلك قال بعض السلف كتبت بيدي حتى انقطع سوائي

انقطع وسطي أي ظهري ، إذن ما هو السبيل إلى أن يكون الإنسان مهتديا ؟

خلاف الآية أن يشتري الإيمان وأن يحرص على الإيمان فإنه إن حرص على الإيمان فقد هدي إلى سواء السبيل الذي هو صراط الله جل وعلا