تفسير سورة البقرة الدرس ( 150 ) [ ود كثير من أهل الكتاب .. ] الآية ( 109 ) الجزء الثاني

تفسير سورة البقرة الدرس ( 150 ) [ ود كثير من أهل الكتاب .. ] الآية ( 109 ) الجزء الثاني

مشاهدات: 479

تفسير سورة البقرة  ــ الدرس ( 150 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) }

سورة البقرة ( 109 ) / الجزء الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قد توقفنا قبل رمضان في دروس التفسير عند قول  الله عز وجل  :

{ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) }

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أن أهل الكتاب يحسدوننا ، الحسد أيقع على شيء ليس بعظيم ؟

لا يقع إلا على شيء عظيم فلا تحسد إلا النعمة وهذا يدل على علم اليهود بأن المسلمين في نعمة ثم إذا كان الأمر كذلك فإن من الواجب والمحتم علينا أن نحرص على هذه النعمة حتى لا يزيلها هؤلاء الأعداء

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أن ما كان خفيا في القلب يظهر على الجوارح ، والدليل هنا :

{حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} إذن الحسد وقع في النفس هل بقي أهل الكتاب منحصرين على الحسد في الباطن أم أن لهم أفعالا وأعمالا ومخططات في صرف المسلمين عن دينهم ؟ لهم مخططات ولهم أعمال

إذن ما أضمرته تلك النفوس الخبيثة عند هؤلاء أخرجته أعمالهم والواقع يشهد بهذا

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أن النبي عليه الصلاة والسلام كما في المسند وسنن أبي داود قال ( ومن تشبه بقوم فه ومنهم  ) إذن نحن نهينا عن التشبه بالكفار ، في ماذا ؟

فيما هو أصل في المباح كاللباس ونحو ذلك ، فلا يجوز أن نتشبه بهؤلاء  في اللباس وحركاتهم  ، إذن لا نتشبه بهؤلاء فيما هو من الصفات الذميمة من باب أولى

إذن من هذه الآية : يجب على المسلم أن يترك الحسد من وجهين أو من دليلين :

الدليل الأول : أن الإسلام أتى بنصوصه في الكتاب وفي السنة على تحريم الحسد

الدليل الثاني : هنا وهو أنه لا يجوز أن نتشبه بالكفار في أفعالهم وفي حركالتهم إذن من باب أولى فيما كان ذميما مثل الحسد ، وبالتالي فإن الحسد  يجب أن يترك

والحسد من حيث الحكم الشرعي له أنواع  ، الحسد ما هو  ؟ هو تمني  زوال النعمة عن الغير ، وهذا ينقسم من حيث الحكم الشرعي إلى أقسام عدة

القسم الأول :

أن يتمنى زوال النعمة عن الغير ولم يكتف بهذا بل يضيف إلى ذلك أنه يزيلها مستعينا بالوسائل المحرمة في إزالتها ، هذا أخبث قسم : حسد ويزيد على ذلك اتخاذ الوسائل المحرمة في إزالتها

القسم الثاني الذي يليه من حيث الخبث :

هو أن يتمنى زوال النعمة عن الغير ولو لم تصل إليه ، أهم شيء أن هذه النعمة تزول من فلان هذا أهم شيء لديه أتت إليه لم تأت إليه فالأمر عنده سواء

القسم الثالث :

هو يتمنى زوال النعمة عن الغير لكنه يصارع نفسه من أجل أن لا يسترسل مع هذا الهاجس وهذا الوسواس فتجد أن قلبه يميل إلى أن تزول تلك النعمة من فلان لكنه يصارع ويجاهد نفسه ، هذا قد نأى بنفسه عن العقوبة الأخروية ولكن عليه أن يحرص أن يعالج نفسه قبل أن يتسفحل معه هذا المرض

القسم الرابع :

أن يتمنى زوال النعمة عن فلان تلك النعمة مال أو جاه أو منصب يتمنى زوالها عنه لأن فلانا لما أتته تلك النعمة استعان بها على معصية الله

هذا جائز بل مستحب  ، لم ؟ لأنه لا يريد أن تفعل المعصية بهذه النعمة

ولذلك لو أن الإنسان تمنى أن تزول النعمة عن فلان ذلكم الرجل الثري الذي لم يترك ذنبا ولا معصية إلا فعلها هذا مذموم ؟ لا  ، بل محمود سواء كانت تلك النعمة مالا أم جاها أم منصبا

القسم الخامس :

لا يتمنى زوال النعمة عن الغير وإنما يريد أن تكون له نعمة كفلان تلك النعمة نعمة دنيوية مثل مال مثل منصب يريد أن يكون له مثل ما لفلان من منصب من مال من جاه ، هذا جائز يعني مباح لا يذم ولا يحمد

القسم السادس :

هو ألا  يتمنى زوال النعمة عن الغير وإنما يريد نعمة كفلان تلك النعمة ليست نعمة دنيوية بل نعمة دينية يرى أن فلانا من الناس عنده مال وهو يبذل هذا المال في وجوه الخير هذا يحمد على ذلك ويؤجر على تلكم الأمنية

يرى إنسانا مثلا عنده علم يتمنى أن يكون لديه علم كفلان من غير أن تزول تلك النعمة نعمة العلم من فلان

هذا أيضا يحمد :والدليل : أن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين : ( لا حسد إلا في اثنتين ) يعني حسد الغبطة أن تبقى النعمة عند فلان ولكن تتنمى أن يكون لك نظيرها : ( لا حسد إلا في اثنتين : رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ) يعني يهلك هذا المال في الحق

( ورجل أتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس ) فهذا يحمد لكن كما أسلفت لكم بالأمس ما الأفضل وهو القسم السابع :

ألا يقع في قلبك شيء من الحسد حتى ولو كان حسد غبطة

والدليل كما أسلفت في الدرس الماضي ما جاء  في المسند :

أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( يدخل عليكم من هذا الفج رجل من أهل الجنة ) فلما ثبر حاله إذا به لا يزيد في صلاة نافلة ولا في صوم نافلة وإنما يقول ( إني أبيت وليس في قلبي غل ولا حقد ولا حسد على مسلم  أعطاه الله خيرا ، فقال عبد الله بن عمرو بن العاص : وهذه التي لا نقدر عليها )

يعني لا نقدر على أن ندع حسد الغبطة وإلا فهم قادرون ، ما يمكن أن يحسدوا على أن تزول النعمة من فلان لكن قال ( وهذه التي لا نقدر عيلها  ) من باب أنه لا يقدر على أن يدع حسد الغبطة

وهذا من أفضل ما يكون

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أنه جل وعلا قال : {حَسَدًا } الحسد وقع ممن هنا  ؟ من أهل الكتاب ولاسيما أن الحسد ظاهرفي اليهود أكثر ، سبحان الله ! هؤلاء اليهود جمعوا بين الحسد والسحر  ، مر معنا في الآيات السابقات : {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ}

إلى آخر ما ذكر عز وجل فدل على أن اليهود  سحار وحساد  ، ولذلك :

أمرنا بالاستعاذة من الحسد والسحر  :  في سورة الفلق  : {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } هذا هو السحر {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ {5}}

والعجيب كما قال ابن القيم في بدائع الفوائد يقول : ” السحر  مضرته مضرة عظيمة والحسد كذلك لكن لتعلموا أن الحسد يأتي من غير استجلاب الشيطان “

يعني الإنسان ما يأتي إلى الشيطان ويتقرب إليه حتى يحسد ، وإنما الحسد من تلقاء نفس الإنسان ، فيقول : ” الحاسد هو جند من جنود إبليس ، لم ؟

لأنه لم يتقرب هذا الحاسد إلى إبليس أو إلى الشيطان بأي نوع من أنواع القرب ، وإنما الشيطان يزين له ويجمل له هذا الحسد حتى يقع فيه أكثر

بينما السحر لا يقع إلا باستجلاب الشيطان من قبل الإنسان يعني لما يتقرب إليه يذبح لغير الله ينحر لغير الله يدوس على المصحف هنا يستجلب الشيطان فيسحر هذا الإنسان الآخرين

انظر إلى الفرق بين الحسد وبين السحر

ولذلك يقول رحمه الله مما يدل على أن السحر كلما استجلب بأخبث ما يكون من الكفريات كلما كان أقوى تأثيرا يقول ولذلك كلما خبث وعظم الكفر كلما كان السحر أقوى ، فيقول سحر عباد الأصنام أقوى من سحر اليهود والنصارى وسحر اليهود والنصارى أقوى من سحر المنتسبين إلى الإسلام

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أن الحسد أمرنا بالاستعاذة بالله منه كما في آخر سورة الفلق  : {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ {5}} ، لم يقل ومن شر عائن  ،   لم  ؟

لماذا أمرنا بالاستعاذة وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بالاستعاذة من شر الحاسد ولم يستعذ هنا في السورة من شر العائن مع أن العائن أشد خطرا وأعظم تأثيرا من الحاسد ، الحاسد شيء يتمناه في قلبه في جوفه بينما العائن في نفسه ويخرج من نفسه الخبيثة الشريرة ما يؤثر على المعين ، ولذلك بعض الناس يظن أن العين من العين المجردة ، لا ، العين من النفس الخبيثة

ولذلك قد يعين الإنسان وهو أعمى يوصف له الشيء وهو أعمى فيعين

فدل هذا على أن مكمن الشر من النفس وإنما العين طريق ، كما أن الوصف طريق ، هذه النفس الخبيثة الشريرة لما تبصر شيئا هنا تخرج هذه الروح الشريرة من هذا الجوف هذا الخبث فيتأثر من ينظر إليه هذا العائن

فربطت بالعين لأن العين وسيلة ، مثل العين مثل النظر لو أن الإنسان وصف له وهو عائن وصف له شيء بأوصاف جميلة يعين

 إذن : لماذا استعيذ بالله من شر الحاسد ولم يستعذ بالله من شر العائن  ؟

لأن العائن حاسد خاص حسده خاص بينما الحسد عام فأتى كما قال ابن القيم فأتى الله عز وجل بهذه الكلمة أو قال هذه الكلمة : { وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } ليشمل العائن فالعائن خاص يدخل ضمن عموم الحسد

ولذلك كل عائن حاسد لكن هل كل حاسد عائن ؟ بعض الناس يحسد لكنه ما يعين أحدا

كل عائن حاسد وليس كال حاسد عائن فدل هذا على أنه أتى بقوله : {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ {5}} ليكون عاما يستعيذ بالله من جميع الحساد ويدخل من ضمنهم الحساد الخاصون وهم العائنون