تفسير سورة البقرة الدرس ( 151 ) [ ود كثير من أهل الكتاب ..] الآية ( 109 ) الجزء الثالث

تفسير سورة البقرة الدرس ( 151 ) [ ود كثير من أهل الكتاب ..] الآية ( 109 ) الجزء الثالث

مشاهدات: 455

تفسير سورة البقرة  ــ الدرس ( 151 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) }

سورة البقرة ( 109 ) / الجزء الثالث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قد توقفنا قبل رمضان في دروس التفسير عند قول الله عز وجل  :

{ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) }

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أن من نعمة الله على العبد أن يوضح له الحق فإذا وضح له الحق فهذه من أكبر النعم وهذه النعمة تستوجب شكر الله ، فحال من التبست عليه الأمور ليست كحال من اتضحت له الأمور، وكذلك المسلمون لما تختلط عندهم الأمور وتكثر وتعظم الفتن ولاسيما في مثل هذا الزمن لأن الفتنة إذا أتت فإنها تجعل المسلم في حيرة من أمره كما قال عليه الصلاة والسلام ( فتنة تدع الحليم فيها حيران )
إذا كان الحليم يحتار مع أن الحليم من حيث الأصل به الهدوء به السكينة به الوقار به الصبر، ومع هذا إذا علمت هذه الفتنة بالحليم وأوقعت به هذه الحيرة فما ظنكم بمن ليس بحليم ؟ فما ظنكم بعوام الناس ؟

ولذلك لما تختلط الأمور على المسلم فإنه يكون قد خسر شيئا من مصالحه إما الدينية وإما الدنيوية ، ولذلك هنا إذا تبين لك الحق فهذه النعمة ، لكن هؤلاء اليهود وكذلك النصارى حسدوا المسلمين من جهل ؟ لا ، وإنما انظر  {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} ، الحق ما هو ؟

 هو الشيء الواضح الظاهر البين الذي لا لبس فيه يعني ما فيه شبهة ما فيه ريب ، ومع ذلك انظروا إلى خطورة الحسد والذي يلتقي معه هنا الكبر لأن من يعرف الحق ولم ينقد له هذا متكبر ، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم قال : (( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)) ذرة وزن نملة (( قال رجل يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال عليه الصلاة والسلام : الكبر )) هنا تعريف للكبر إذا نجاك الله من هذا التعريف المشتمل على هاتين الخصلتين فأنت منجى من الكبر ، قال : (( الكبر بطر الحق  وغمط الناس ))

( بطر الحق ) : يعني دفعه كما دفع هؤلاء الحق ( وغمط الناس ) يعني  احتقارهم  

ولذلك في الأدب المفرد أتى رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال :

(( يارسول الله إني لا أحب أن يفوقني أحد بحسن ثوب ولا بحسن نعل ألكبر ذا ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ” لا ، الكبر بطر الحق وغمص الناس ))

ولذلك من يعرف أن الحق مع فلان ثم إذا به يجادله من أجل أمر ما إما هوى في نفسه وإما مصلحة فإنه يكون متكبرا

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا هنا : {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} أليس العفو هو الصفح ؟ بلى

إذا أتتك كلمة العفو أو كلمة الصفح فإنهما بمعنى واحد فيدخل معنى هذا في هذا لكن إذا اجتمعا افترقا في المعنى :

ما معنى { فَاعْفُوا }  وما معنى فاصفحوا ؟ { وَاصْفَحُوا }

العفو : هو ترك المؤاخذة على الخطأ ، يعني أخطأت علي فإني لا أعاقبك هذا يسمى بعفو

الصفح أعلى منزلة :  كيف ؟ الصفح : هو الإعراض عن هذا الخطأ بحيث لا يبقى أثر منه في النفس كأنه لم يقع منك شيء ، هذا هو معنى الصفح

ولذلك إذا أردت أن تعرف معنى قول الله عز وجل : {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

كلها أتت في سياق واحد ومعناها لو انفردت معناها واحد لكن انظر إلى التسلسل من حيث التدرج في مرتبة التجاوز عن الخطا

{وَإِنْ تَعْفُوا} يعني عدم المؤاخذة على الخطأ  

{وَتَصْفَحُوا} ألا يبقى أثر في النفس

 {وَتَغْفِرُوا } هو ستر هذا الخطأ

يعني أخطا عليك شخص لم تؤاخذه على خطئه هذا هو العفو ، لم يبق أثر في نفسك عليه من جراء هذا الخطأ هو الصفح كونك تستره بحيث لا تفشيه هذا هو من أعلى ما يكون : {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أن هؤلاء وهم أهل الكتاب يحسدون المسلمين ومع ذلك أمر المسلمون بالعفو والصفح {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}

هذا يدل على أن الأمر بالقتال والجهاد لم يشرع بعد ، لم ؟ لأن الأمة في تلك الحقبة من الزمن لم تكن قوية  ، وهذا هو عنوان الحكمة

الحكمة : موجودة في التشريع الإسلامي ، الآن يثار في قضية الجهاد ولاشك أن الجهاد له فضله ولا أحد ينكر فضله ومن ينكر فضله ففي إيمانه وفي عقيدته خلل

لكن انظر :

قوله عز وجل مع ما صنعه أهل الكتاب بالمسلمين أمروا بالعفو والصفح {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} هذا يدل على أن الجهاد لم يشرع حينها ، ولذلك قال : {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}  ما هو أمر الله ؟ هو قتال المشركين

 ولذلك يقول ابن القيم : إن الجهاد في أول الإسلام كان محرما على المسلمين ، نعم كان محرما ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام في مكة ظل  ثلاث عشرة سنة لم يؤمر بالجهاد {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} فلما كثر المسلمون وأذن لهم بالهجرة في ذهابهم من مكة إلى المدينة نزل قوله تعالى : {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا}  يعني إذن فقط ، ثم بعدها نزل قوله عز وجل : {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} يعني لا تبدأوا بالقتال ، ثم بعدها لما قوي المسلمون أمر المسلمون بالجهاد لكل المشركين : {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} متى هذا ؟ الآية هنا في أي سورة ؟

في سورة التوبة وهي تتحدث عن غزوة تبوك في أواخر عهد النبي عليه الصلاة والسلام وهذا من الحكمة ، من الحكمة ألا يوقع المسلمون أنفسهم فيما لا طاقة لهم بالأعداء ، ولذلك أخذ من هنا العلماء جواز الصلح والمعاهدة مع الكفار حتى يتقوى المسلمون ، لكن ما تؤخذ معاهدات وهدن والمسلمون نائمون ، وإنما : {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} لكن كون الإنسان يقدم بقوة ضعيفة وإذا بتلك القوة يعني هي في طور النمو إذا به يقضى عليها ماذا استفاد المسلمون؟ لم يستفيدوا شيئا ، ولذلك انظر إلى الحكمة ، ولذلك الله جل وعلا أذن لمن كان من المسلمين إذا واجهوا أكثر من ضعفيهم أن يفروا من الزحف : {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {66}} 

ولذلك يقول ابن عباس يقول : ” من فر من  ثلاثة فما فر ومن فر من اثنين فقد فر “

يعني لو كان عدد المسلمين مائة ألف وعدد الأعداء مائتي ألف فلا يجوز الفرار من الزحف ، لو كان أكثر فيجوز ، وهذا مما يدل على الحكمة

ولذلك  بعض الناس يقول يعني كيف ؟ أين الحكمة وبلاد المسلمين تستباح ؟ لاشك ان هذا مما يندى له الجبين ، لكن كون تبقى للمسلمين بقية خير من أن  تذهب قوتهم ولذلك قال : {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

بشارة من الله أن النصر آت ؛ لأنه قال : {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} فقط ؟ ما في وقت محدد ما في  بشارات ؟ لا ، {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} فدل هذا على أن هناك بشارة من الله بمجيء النصر : {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} أمره ماذا ؟ أمره الشرعي لأن أمر الله نوعان ولعلي أرجئ الحديث  عنه إن شاء الله تعالى في الدرس القادم