تفسير سورة البقرة ـــ الدرس ( 154 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) }
سورة البقرة ( 110 ) / الجزء الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قول الله عز وجل :
{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) }
من الفوائد :
ــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا هنا : {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} هذه فائدة لغوية لكن لها فائدة وهي :
أن كلمة ” ما ” هنا شرطية وهي اسم شرط مبهم هذا الاسم الشرط لابد أن يوضح وهذا الذي هو اسم الشرط يتطلب فعلا للشرط وجوابا للشرط
لاشك أن اللغة العربية من لم يتعود عليها أو يعود ذهنه عليها أو أنه لقن في المدارس وقلبه منشغل عنها أو ربما لم يوفق ببعض المعلمين الذين لا يحسنون إيصال المعلومة لهذه الفوائد اللغوية ، فربما يصعب عليه
لكن أقول :
من عود نفسه على أن يفهمها فهمها وأصبحت لذيذة عنده إذ بها يفهم كلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام
قوله هنا : {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ } { تُقَدِّمُوا } يسمى بفعل الشرط مجزوم أصلها تقدمون أين النون حذفت لأنها فعل من الأفعال الخمسة يجزم بحذف حرف النون
كذلك { تَجِدُوهُ } هذا جواب الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف النون لأن الأصل : تجدونه ” ، ولذلك قال : {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ}
أقرب لكم هذا : لو قلت لفلان ، لابنك : إن تذاكر ؟
المعنى مفهوم ؟ لا ، يابني إن تذاكر لم يكتمل ، لكن لو قال إن تذاكر تنجح هنا بجواب الشرط اتضح وكمل الكلام ، هنا لو كان في غير القرآن { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ } فهم شيء ؟ لكن لما جاءت كلمة { تَجِدُوهُ } اتضح المعنى
من الفوائد :
ــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا هنا : {مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} خير مفرد والمفرد في سياق الشرط يفيد العموم ويزيد العموم تأكيدا إذا تقدم على هذا المفرد كلمة “من ” الزائدة ، أصل الكلام لو كان في غير القرآن وما تقدموا لأنفسكم خيرا ، لكن زيدت { مِنْ }
مثال :
ــــــــــــ
قوله تعالى : {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}
لو كان في غير القرآن : هل خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض ؟
لكن لما أتى بكلمة { مِنْ } زاد في التأكيد أنه لا خالق غير الله عز وجل
هنا التأكيد على أن العبد ما يقدمه من أي خير من قول من فعل من أي نوع من أنواع الخير قل أم كثر صغر أم كبر سيجده أمامه ولو كان نادرا
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : ( اتقوا النار ولو بشق تمرة ) لا تبخل بأي شيء
قال عز وجل : {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ {7} وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {8} }
من الفوائد :
ــــــــــــــــــ
أنه قال هنا : {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} عند من ؟ عند الله ، إذا كان من عند الله العظيم ألا يكون هذا الثواب عظيما ؟ بلى لأنه من عند العظيم
ألا يكون هذا الثواب محفوظا لك ؟ بلى لأنه من عند العظيم ، ولذلك قال :
” من عند الله ” { تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ } من باب التأكيد على هذا الأمر
من الفوائد :
ــــــــــــــــــ
أن هناك حذفا فيه كلمة محذوفة يدل عليها السياق ويدل عليها آية أخرى : {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} بعدها هناك شيء محذوف ؟ خيرا ، لو كان في غير القرآن وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله خيرا ، خيرا مفعول به ثاني ، ولذلك في أواخر سورة المزمل {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا } فدلت آية المزمل على الحذف في سورة البقرة ، ولذلك لو قال قائل ما إعراب { خَيْرًا } في سورة المزمل ؟ مفعول به ثاني وأتى بكلمة{ هُوَ } هو ضمير فصل يفيد التوكيد يعني هو خير محض منه جل وعلا
من الفوائد :
ــــــــــــــــــ
أنه قال {وَمَا تُقَدِّمُوا} يدل على ماذا ؟ يدل على أن الإنسان له اختيار يقدم
يبذل ، وفي هذا رد على الجبرية ، مر معنا في قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } رد على القدرية الذين يقولون إن العبد مستقل بفعله فليس لله قدرة على فعل العبد يعني حينما أرفع هذه القارورة يقولون إنما هذا مستقل بك تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا لأنه يتضمن على كلامهم أنه يقع في ملك الله ما لم يرده الله وما لم يقدره الله
هناك طائفة أخرى هي الجبرية يقولون العبد مجبور على فعله لما أرفع هذه القارورة يقولون أنت مجبر ليس لك اختيار ، وهذا ضلال في العقل ، فرق بين الفعل الاختياري والفعل الإجباري
تصور لو أن إنسانا نزل من سطح بسلم أحاله كحال من نزل من هذا السطح وهو هاو ساقط ؟ لا ، كلاهما نزل من السطح لكن هذا باختياره نزل بالسلم وهذا سقط ، فدل على أن للعبد اختيارا وإلا لو كان كما قالوا فإن الزاني والسارق وما شابه ذلك ما عليه ذنب وهذا ضلال مبين ، ولذلك معتقد أهل السنة والجماعة : أن للعبد اختيارا يعني حينما يقدم الإنسان على شيء إنما يقدم باختياره وإنما لا يمكن أن يفعل شيئا إلا بقدر من الله : {وَمَا تَشَاءُونَ} هنا أثبت مشيئة لمن ؟ للمخلوق لكن {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فمشيئة المخلوق تابعة لمشيئة الله
من الفوائد :
ــــــــــــــــــ
انه قال هنا : {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} { إِنَّ } هنا أداة توكيد تؤكد أن الله بصير وعليم بما نعمل ، لماذا أكد ؟ أأحد ينكر ؟ ما فيه أحد ينكر من أن الله مطلع وعالم بكل شيء ، ولذلك مر معنا في قوله { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أن الخبر عند أهل البلاغة : إما ابتدائي وإما طلبي وإما إنكاري
لما تخبر شخصا بشيء وهو جاهل له فأوصلت إليه الخبر هذا خبر ابتدائي لأنك أوصلته إلى جاهل ، لكن لو أوصلت هذا الخبر إلى شخص متردد في تصديقك هذا يسمى بطلبي ، إذا أوصلت هذا الخبر إلى شخص منكر يسمى هذا بالخبر الإنكاري
ليعلم :
أن الخبر إذا أنكر يؤكد ولذلك قال : { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } تأكيد لإنكار من ؟ لإنكار القدرية الذين يقولون إن العبد يستقل بفعل نفسه
لكن هنا أهناك أحد متردد أو منكر لعلم الله ؟ لا ، لكن لماذا أتت كلمة{إِنَّ} للتاكيد مع أن الخبر ابتدائي ليس بطلبي ولا إنكاري
{إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} قد يؤتى بالتأكيد لتأكيد المعنى والمدلول
يعني من باب التأكيد على أن الله مطلع على كل شيء وهذا الخبر كما قال ابن كثير يتضمن ترغيبا وترهيبا وأمرا ونهيا ، كيف ؟
{ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } لما تسمع هذه الآية أو تقرأ {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} تتضمن ترغيبا كيف ؟ لما تعلم أن الله عليم فتعمل العمل الصالح هذا يرغبك إلى أن تعمل العمل الصالح ، وفيه ترهيب ، لم ؟
لأنه لو أراد شخص أن يقدم على معصية خاف من الله ، ولذلك التوحيد له أهميته في باب الأسماء والصفات
بعض الناس يقول عرفنا أن الله سميع بصير عليم خبير قدير الشافي
هذه لها أهمية ، ما يغذي قلبك ولا يزيد إيمانك إلا التوحيد ، نعم إلا التوحيد
ولذلك ابن القيم في كتابه مدارج السالكين لما تكلم على قوله تعالى : {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } قال لما سئل أبو بكر ما الاستقامة ؟ قال : لا تشرك بالله شيئا ، هذه حقيقة الاستقامة التوحيد لأنه من غير توحيد لا تستفيد
ولذلك هنا : {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيه ترهيب
وفيه أمر : كيف ؟ يعني يأمرنا الله أن نفعل الخير لأنه مطلع
وفيه نهي ينهانا عن الوقوع في المعصية لأنه مطلع
من الفوائد :
ــــــــــــــــــ
شمول علم الله بكل شيء لأنه قال : {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
لأن أنواع ما كثر ” ما ” الموصولية ، هنا ما الموصولية بمعنى الذي يعني إن الله بالذي تعملون بصير ، والاسم الموصول يفيد العموم يعني أنه عالم بكل ما نعمل
ما الذي نعمله ؟ نعمل بالجوارح باليد بالقدم ، هذا شيء
حركة اللسان عمل ؟ نعم لما يتحرك اللسان فاللسان عمل
والدليل : قوله تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}
فوصف القول بأنه فعل ، فقط هذا الذي نعمله ؟ بالجوارح وباللسان فقط ؟ لا
بالقلب ، القلب له عمل وهو أهم شيء : الخوف من الله المحبة الرجاء الخشية ، كل هذه من أعمال القلوب
ولذلك بعض الناس ربما يصلي ويصوم ويحج ويقول : لا إله إلا الله ولكنه يخاف من غير الله خوفا يخرجه من الدين
بعض الناس ربما أنه يقدم كما في بعض البلدان يقدم على الطواف بقبر أو الذبح لقبر باعتبار أنه ولي لأنه يخشى أن يوقع به شرا هذا يخاف ممن ؟ من غير الله من شخحص ضعيف
ولذلك لو صلى لو صام لو زكى لو حج لو قال لا إله إلا الله فهو مشرك ، لم ؟أعمال القلوب ، قال تعالى : {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}