تفسير سورة البقرة الدرس ( 159 ) [ بلى من أسلم وجهه لله .. ] الآية ( 112 ) الجزء الثاني

تفسير سورة البقرة الدرس ( 159 ) [ بلى من أسلم وجهه لله .. ] الآية ( 112 ) الجزء الثاني

مشاهدات: 540

تفسير سورة البقرة ــ الدرس ( 159 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {112}}

سورة البقرة ( 112 ) / الجزء الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فنكمل ما تبقى من فوائد تحت قول الله عز وجل :

{ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {112}}

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أنه لا عبرة بحسن نية المبتدعة مادامت أفعالهم على غير سنة الرسول عليه الصلاة والسلام فإنهم وإن كانوا حسني النية فإن العمل لا يقبل إلا إذا كان موافقا لشرع الله

ولذا قال هنا : {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} انتهى ؟ لا {وَهُوَ مُحْسِنٌ} يقول أهل اللغة جملة حالية ، والجملة الحالية أو الحال وحتى تعرفوا فائدة اللغة العربية هي تفيد التقييد ، الحال يقيد الحكم أعطيك مثالا : تقول جاء زيد إثبات حكم المجيء لزيد ، لكن إذا قلت جاء زيد راكبا قيدت مجيء زيد بالركوب فلم يأت زيد ماشيا ، ولم يأت زيد ضاحكا ، ولم يأت زيد باكيا ، قيد ، فهذه هي فائدة الحال وفائدة الجملة الحالية
هنا : {وَهُوَ مُحْسِنٌ} جملة حالية : {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} مطلق ؟ لا  قال : {وَهُوَ مُحْسِنٌ } لابد أن يكون عمله على وجه الإحسان ولذلك قال تعالى : {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}

ولذلك ذكر إبراهيم في الآية التي في سورة النساء هنا من أجل أنه قام بالتوحيد على أعظم الوجوه : {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

وبالتالي فإن أهل البدع ولو كانوا يعملون الأعمال التي في ظنهم أنها صالحة يريدون بها وجه الله فإنها مردودة عليهم لأنها لم تكن على شرع الله وشرع رسوله عليه الصلاة والسلام ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث عائشة في الصحيحين : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أن المذكور في هذه الآية يتعلق بالتوحيد وهذا يدل على أنه لا يمكن أن تقوم للمسلمين قائمة في أي زمن ومرت بنا سنون وأزمان منا من هو كبير ومنا من هو صغير بعض الناس عمره الآن إلى السبعين أو الخسمين أو الستين مرت بنا أزمات في البلدان الإسلامية

لا يمكن أن تعود الأمة الإسلامية على ما كانت عليه إلا بالتوحيد ، ولذلك واجب على الدعاة أن يصرفوا جهودهم في دعوة الناس إلى التوحيد ، لاشك أن الأخلاق والسلوك أمر مهم لكن لا يمكن أن تبقى هذه الأخلاق وهذه السلوكيات إلا بالتوحيد ، فهو القاعدة ، قاعدة للأمة كيف يكون للمسلمين نصر وقوة والبلدان الإسلامية في كثير منها بدع وخرافات يذبح لغير الله ينذر لغير الله يطاف لغير الله يدعا غير الله يستغاث بغير الله  ، كيف تقوم قائمة للمسلمين ؟ ، لا يمكن ، مستحيل

أما أن تصرف الجهود إما في كلام في السياسة أو في لغو أو حتى فيما يخرق المرءوة وحتى بعد مجيء وسائل التواصل التي فضحت أخلاقيات أناس ما كنا نتوقع أنهم هكذا

فماذا يستفيد المسلمون من هذه التصرفات التي تفعل حتى من بعض من ينتسب إلى الدعوة ، ما الفائدة  ؟ لابد أن أن يقام التوحيد

ولذلك : النبي عليه الصلاة والسلام أول ما أتى وبعث بالتوحيد ، كم ظل في  مكة ؟ ثلاث عشرة سنة  ، كلها في التوحيد ، ولم تشرع أي عبادة إلا بعد عشر سنين قبل الهجرة بثلاث سنوات حتى على خلاف بين أهل العلم فرضت الصلاة ما فرض غيرها ، هذا يدل على أنه لابد من التوحيد لاسيما مع غزو الطوائف لنا

ألا تعلمون أنه  تصلني رسائل عبر الواتساب في مثل هذه الأيام له ما يقرب من سنة أو سنتين يستفسرون المسلمون شباب المسلمين يستفسرون عن   مسائل في العقيدة أهناك ما يسمى بالصراط يوم القيامة ؟ أهناك ميزان يوضع يوم القيامة ؟ لم ؟ قالوا خذ هذه الرسالة  ، رسالة أتي فيها بنصوص من القرآن ومن السنة وضرب بعضها ببعض ، إذن المعتزلة والعقلانيون   والأشاعرة يبثون مثل هذه النصوص يقولون هذه نصوص يضرب بعضها ببعض ، كيف تفلح أمة وهي  لم تقم بالتوحيد ، لابد من الأصل

ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام ما شرعت الشرائع إلا بعد أن هاجر من مكة إلى المدينة ولا يزال عليه الصلاة والسلام مبينا للتوحيد

فنحن بحاجة ماسة إلى التوحيد ، بعض الناس يقول نحن في بلاد التوحيد

نعم نحن ولله الحمد في بلاد التوحيد ، ولتعلموا أن الفتن والبلايا والمصائب تحيط بكم من كل جهة الواقع يشهد بهذا فلولا فضل الله  ثم التمسك بالتوحيد مع أنه بدأ الآن يضرب فيه من قبل الرافضة والصوفية وغيرهم ، ومع ضعف تعلم علم التوحيد إلا أنه بفضل من الله نحن آمنون

 انظر إلى الشمال وإلى الجنوب : {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} ما هو بحولنا ولا قوتنا بل نحن من أضعف ما يكون لو قيل لأحدنا هرول لك خمس دقائق ، ما فيه لياقة ، ما فيه قوة ضعفاء ، نصلي نصف ساعة أو ساعة إلا ربع ويتعب الواحد منا

فأمر التوحيد أمر مهم جدا ، حينما نركز ويركز العلماء والله ما حضرت محاضرة لشيخنا ابن باز محاضرة أو لقاء غير الدروس إلا وهو يبدأ بالتوحيد لأهميته ، وذلك في عصره فما ظنكم بمثل هذا العصر ؟

فالتوحيد مهم جدا لأننا نغزى الآن والبدع منتشرة وتذاع وتشاع

فليتنبه لمثل هذا ، وليحث الدعاة على أن يتعلموا التوحيد وأن ينشروه بين الناس ، وأن يتركوا ما لا طائل من ورائه ولا ثمرة منه

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ 

أنه قال جل وعلا هنا : {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ}

لماذا ذكر الوجه ؟ لأن أشرف ما في الإنسان هو وجهه وإذا أسلم الوجه أسلمت جميع الجوارح ، ولذلك في بعض الأدعية مثل أدعية النوم ” اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك “

فإذا أسلم الوجه أسلمت الجوارح لأنه أشرف  ما يكون في الإنسان

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا هنا : { فَلَهُ أَجْرُهُ } تمعن معي :{فَلَهُ أَجْرُهُ }

فله : مفرد ، قال : {فَلَهُ أَجْرُهُ} ، { أَجْرُهُ } : مفرد أم جمع ؟ مفرد

{عِنْدَ رَبِّهِ} مفرد ، {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} جمع

لم ؟ نعود إلى كلمة { مَنْ } {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ} { مَنْ }: اسم موصول فيكون مبتدأ والخبر { فَلَهُ أَجْرُهُ } وإما أن يكون اسم شرط والجواب

{ فَلَهُ أَجْرُهُ } على كل حال :  الاسم الموصول واسم الشرط يفيد العموم

كلمة { مَنْ } في ظاهرها مفرد ، أفردت هذه الكلمات {فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} باعتبار لفظة  { مَنْ } وجمعت {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} باعتبار معنى { مَنْ }

ما معنى من ؟ العموم

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا هنا :{فَلَهُ أَجْرُهُ} يعني الثواب ،لماذا سمى الثواب أجرا ؟

سماه لأنه جل وعلا جعله بمثابة الأجرة للعامل ، فسمى الثواب أجرا لالتزامه جل وعلا به تفضلا منه ، لا إلزاما كما تقول المعتزلة ، المعتزلة تقول يلزم على الله عقلا أنه يثيب العامل ، لا ، وإنما هو جل وعلا جعله أجرا يلتزم به تفضلا منه وكرما

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أنه قال : {فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} العندية هذه ماذا تفيد ؟ { عِنْدَ رَبِّهِ } وهنا نستفيد فائدة وهي أن هذا الأجر مضاف إلى عظيم والمضاف إلى عظيم يكون عظيما ، إذن هذا الأجر يكون عظيما ، ولذلك انظر إلى ما في الصحيحين ونحن نقوله قال: ( أبو بكر يارسول الله علمني دعاء أدعو الله به ) فماذا قال ؟ قال : ( قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ) وفي رواية ( كبيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك )

( مغفرة من عندك ) أضيفت إلى الله ، لعظم ما عند الله والذي يضاف إلى العظيم عظيم

الأمر الثاني : أن ما كان عند العظيم فإنه محفوظ لا يضيع والله لا يضيع أجر من أحسن عملا

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أنه قال : {فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} ، الربوبية هنا هي ربوبية خاصة لأن الربوبية نوعان : ربوبية عامة ، وربوبية خاصة ، ربوبية عامة لجميع الخلق المسلم والكافر كما قال تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

لكن الربوبية الخاصة هي خاصة بالمؤمنين يغذي قلوبهم بالإيمان ، ولذلك إذا قرأت في كلام الله تجد أن الأدعية الصادرة من الأنبياء والصالحين مصدرة بكلمة ربنا : {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا } {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}

الربوبية هنا ربوبية خاصة

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا : {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}

ما الفرق بين الخوف والحزن ؟

{وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} فيما يستقبلونه

{وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} فيما مضى

لأن أعظم ما يهم ابن آدم ويتعبه إما شيء مضى فيعلق في ذاكرته ويتعبه كلما تذكره أو شيء قادم ، ولذلك نفى عنهم الحزن الذي يكون في المستقبل أو الماضي ؟ الحزن الذي يكون في الماضي والخوف الذي يكون في المتسقبل ، ولذا حديث ابن مسعود في دعاء تفريج الهم كما في المسند :

( أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي )

يقول ابن القيم : الهم والغم والحزن ، الهم : في المستقبل ، الحزن : في الماضي ، الغم في الحاضر ، فاسأل ربك أن يزل عنك الهم والغم والحزن

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أنه قال هنا : {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }

” لا ” : هنا نافية تنفي يعني ليس هنا خوف يقع أو حزن يلم بهم

فلا خوف يقع بهم ولا حزن يلم بهم ، ودل ها على أنه إذا ذهب عنك الخوف والحزن ألا يدل على الأمن  ؟ يدل على الأمن ، وهذا يدل على ما ذكرناه ما أن التوحيد هو سبب من أسباب حصول الأمن ، وانظر إلى واقعنا

ولذلك ماذا قال تعالى ؟ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} يعني بشرك  {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}

 

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

هل قال جل وعلا ” لا خوف عليهم في الدنيا ” ؟ ما قال ، وهذا يدل على العموم ، ولذلك حذف المعمول وهي قاعدة في اللغة وفي التفسير حذف المعمول يدل على العموم

مثال : قال تعالى : {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ }

يعني إنسان ذهب إلى العمرة أو إلى الحج وأحصر يعني منع  من أن يكمل نسكه من عمرة أو حج هذا له أن يتحلل ولا شيء عليه وإنما عليه الهدي على قول بعض العلماء وقيل لا عليه هدي لكن إن كان معه هدي قد ساقه معه فيلزمه أن يذبحه لكن إن لم يسق الهدي فقولان والأمر في ذلك واسع

لكن هنا لا يلزم بإكمال هذا النسك

قال : {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} يحصر بماذا ؟ أن يمنعه عدو ، هل نص في الآية على العدو ؟  لا  ، يمكن أن يمنعه مرض  ، يمكن أن يمنعه ذهاب نفقة

كأن تسرق ، يمكن أن يمنعه مانع شرعي كحال المرأة لما تحيض

هنا حذف المعمول

لم يقل فإن أحصرتم بمرض أو بخوف، حذف المعمول يدل على العموم

 

قوله تعالى : {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}

صلاة الخوف تخافون من ماذا ؟ من عدو من سبع من سيل من فوات الوقوف بعرفة  ، مثلا هذا خوف عام فتصلي صلاة الخوف ، تومئ إيماء

{فَإِنْ خِفْتُمْ } لم يقيدها بشيء فدل على العموم

هنا : {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}هل قال في الدنيا  ؟ هل قال في القبر ؟  هل قال في الآخرة ؟ لا ، إذن هو عام فيشمل الجميع

إذن اطمئن يا صاحب التوحيد لا خوف ولا حزن عليك لا في لدنيا ولا في القبر ، ولذلك أول ما يسأل الإنسان في قبره يسأل عن ماذا  ؟عن التوحيد

من ربك ؟ ما دينك ؟ من نبيك ؟ إن اجاب أفلح وإن لم يجب خسر

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

{وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}غيرهم يحل بهم الرعب والحزن ولذلك ماذا قال :{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} هناك حسرة  على غير المؤمنين  {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}

 

أسأل الله لي ولكم أن نكون من أهل التوحيد والمتمسكين به