تفسير سورة البقرة ــ الدرس ( 164 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) }
سورة البقرة ( 114 ) / الجزء الثالث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مازلنا في ذكر الفوائد المتعلقة بقوله تعالى:
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) }
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أن مفرد المساجد : مسجد بكسر الجيم بعض الناس ربما ينطق مسجد مسجَد بفتح الجيم وهذا ليس لحنا في اللغة ، فاللغة أتت بفتح الجيم من مسجد وبكسرها فمن نطق المسجد بكسر الجيم فهذا هو الأشهر ومن نطقه بفتح الجيم فلا يكون لحنا ولا يكون من العامية بل هو من اللغة العربية
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أن المساجد أضيفت إلى الله ، وبالتالي فإن أي شيء أخرج لله فلا يجوز لأحد أن يعدل عن ذلك الذي أخرجه
وذكرنا فيما مضى الوقف كذلك الصدقة :
إن الصدقة متى ما وصلت إلى يد الفقير أو إلى يد وكيله فإنه في مثل هذه الحال فإنه لا يجوز أن يرجع فيها ، لكن لو أن الإنسان همّ أن يتصدق وأراد أن يعطي الفقير لكنه لم يعطه عدل عن ذلك أو أنه جعل مالا لديه يريد بذلك أن يتصدق به ثم عدل فلا حرج في ذلك له أن يعود ولا إثم لكن الأفضل أن المسلم متى ما أراد أن يعمل خيرا ألا يرجع عنه .
ومع هذا من مزيد فضل الله على العبد أنه بهمه لهذه الصدقة ثم عدوله عنها
متى ما عدل مع أنه همّ من فضل الله على العبد أنه لما همّ بإخراج هذه الصدقة ثم عدل عنها أنها تحسب له حسنة
قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : ( إن الله كتب الحسنات والسيئات فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة )
لماذا أتى بكلمة كاملة ؟
حتى لا يبقى خطرات في النفس من أن هذا الرجل لم يؤجر على همه للعمل الصالح يعني حسنة كاملة ، ومع هذا كله فالأجدر بالمسلم متى ما أراد أن يقدم على عمل خير ألا ينكص عنه
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أن المساجد أضيفت إلى الله وهي إضافة تشريف وتكريم ، إذن هذا المضاف وهي المساجد مشرفة مكرمة ، فما واجب المسلمين تجاه هذا الأمر ؟ إكرامها وتشريفها وتطهيرها وتنظيفها ، ولذلك يمكن أيستدل على فضل كنس المساجد وتنظيفها والاعتناء بها بهذه الآية لأنها أضيفت المساجد إلى الله إضافة تشريف ، كما أن الله عز وجل أمر أن ترفع المساجد { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} فأمر عز وجل أن ترفع وأن يذكر الله فيها
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أنه قال هنا : {مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ } هذا ذم لمن يمنع مساجد الله
لو قال قائل : أيجوز للرجل أن يمنع زوجته أو من تحت يده من النساء من الإيتان من المساجد ؟ قال بعض العلماء مكروه ، والصواب أنه محرم بدلالة هذه الآية {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}
وجاء النص الصريح منه عليه الصلاة والسلام جاء النص الصريح كما في صحيح مسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) لكن الأولى للمرأة أن تصلي في بيتها ، ولذلك في رواية أبي داود : ( وبيوتهن خير لهن ) ثم إذا خرجت تخرج قال كما عند أبي داود ( وليخرجن تفلات )
ما معنى تفلات ؟ مثل التفل ، التفل له رائحة ؟ يعني يخرجن غير متعطرات غير متطيبات
فلا يجوز له أن يمنعها لهذه الآية وللحديث إلا إن عظمت الفتنة وخشي عليها هنا يجوز أن يمنعها لأن درء المفاسد وهي القاعدة الشرعية درء المفاسد مقدم على جلب المصالح
ولذا قالت عائشة قالت : ( لو رأى رسول الله عليه الصلاة والسلام ما صنعت النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل )
لكن إن لم تكن هناك فتن فلا يجوز له أن يمعها لكن الأفضل أن تبقى في بيتها
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أنه متى ما وجب الحج من دلالة هذه الآية متى ما وجب الحج على المرأة واكتملت فيها الشروط ومعها محرم فلا يجوز لزوجها أن يمنعها من حج الفريضة ولا يجوز له ويدخل في الذم كما هنا : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ} وأعظم مساجد الله المسجد الحرام
والمنع للمساجد ليس للصلاة فحسب ، وإنما هو عام
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أنه جل وعلا هنا كما أسلفنا أضاف المساجد إليه ، والمساجد التي تضاف إليه المقصود منها أن يعبد الله فيها لكن إن وضع فيها قبر فلا يجوز ،
ولذلك ماذا قال تعالى في سورة الجن : {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } فلا يجوز أن يوضع شركيات أو ما يوصل الناس إلى الشرك أو أن توضع بدع في المساجد ، ولذا إذا وجدت بدع في المساجد فيجب على من له ولاية على تلك المساجد أن يزيلها لأنها لا تتناسب مع تشريف الله لهذه المساجد
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أنه قال عز وجل هنا : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} الذكر هنا يشمل الذكر القلبي والذكر اللفظي ، لأن الذكر إما باللسان تقول : سبحان الله والحمد لله لا إله إلا الله ، أو بالقلب كأن يتأمل العبد ما لله من صفات وأسماء فتزيده تلك الصفات والأسماء خشية وتعظيما لله ، أو أن يتفكر في مخلوقات الله : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}
{إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ}
ولذا فالذكر يشمل هنا النوعين ، وقد قال ابن القيم إن الذكر ينقسم إلى ثلاثة أقسام من حيث الأفضيلة ، يقول : أفضل الأذكار هو ما وافق القلب اللسان :
يعني تقول سبحان الله تتمعن ، التسبيح والتنزيه لله ، الحمد لله إثبات المحامد ، الله أكبر تعظيم لله ، لا إله إلا الله توحيد الله
حينما تقول هذه الأذكار إذا بقلبك يتوافق مع ما تقوله من اللسان
هذه أعظم درجة ، الدرجة التي تليها ونحن نغفل عنها ولاسيما إذا أتى موسم الأمطار والربيع ممكن للإنسان أن يخرج إلى البر فيرى مثلا تلك الأشجار والخضرة وربما تلك السيول يفترض أن يتمعن وأن يتدبر وأن يتذكر ما أعده الله من نعيم لأهل الجنة
ينظر إلى بعض الحشرات الصغيرة جدا فيقول سبحان الله ! كيف خلقت هذه كيف يكون لها قلب ورئة وأعين ، سبحان الله ! هذا يزيده وهذا هو الذكر القلبي ، ولذلك لو جلس الإنسان هكذا يتمعن يتأمل فيما لله من أسماء وصفات هذا أفضل من الذكر الذي باللسان مجردا عما توافق مع القلب
يعني أفضل من قول بعض الناس سبحان الله والحمد لله والله أكبر
لكن مع هذا له فضل ، فلا يبخس منه الفضل
الدرجات في الذكر :
ــ ما توافق اللسان مع القلب
ـــ الثاني : الذكر القلبي
ـــ الثالث : وبه خير لو كانت مشغولا بأي شيء فلا تحبس لسانك عن ذكر الله ولو لم يكن قلبك حاضرا لكنها في المرتبة الأخيرة
وبالتالي :
قوله جل وعلا هنا : {مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}
إذن ما تفعله الصوفية من الأذكار البدعية لا تتوافق مع ما من أجله بنيت المساجد ، المساجد ما بنيت إلا لتوحيد الله لتعظيم الله للتقرب إلى الله
ولذلك الذكر الذي يقولونه يقولون : لا تقل لا إله إلا الله يقولون هذا هو ذكر العامة يعني الناس الذين ليس عندهم علم
سبحان الله ! موسى عليه السلام لما قال ( يارب علمني دعاء أدعوك وأذكرك به ، قال : قل لا إله إلا الله ، قال موسى : كل عباك يقولون هذا
فقال عز وجل : لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأراضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة لرجحت كفة لا إله إلا الله )
وهؤلاء ضلوا وأضلوا
لذلك عندهم الذكر الثاني وهم في هذا الذكر صنفان هم يقولون : من يقول لا إله إلا الله هؤلاء هم العوام ، سبحان الله ! وهذا يدل على ضلال من بعد عن شرع الله ، وأتى بأذكار من عنده وبأدعية من عنده ورتب عليها أجورا أو ثمارا أو حسنات أو ما شابه ذلك
يقولون : الذكر أن تقول : الله الله الله ، هكذا
يقول شيخ الإسلام كما في كتابه العبودية يقول : هذا الذكرالمجرد بهذا الاسم هذا لا يزيد القلب إيمانا
هكذا اسم الله الله الله
ويقولون : عندنا ذكر خاصة الخاصة وهم الأعلى ما هو ؟ هو هو هو هو
هكذا ، لم ؟ يقولون : لأننا نفنى ، عندهم فناء
يقولون : نفنى بحيث لا نشاهد إلا الله ، يقولون : نفنى عن مشاهدة ما سوى الله ، يعني نحن لا نشاهد أحدا
هؤلاء يقولون خاصة الخاصة يقولون هو هو من أجل أنهم يقولون نحن لم نر إلا الله
ولذلك أوصلتهم هذه ــ أنا أذكر هذه الأشياء لأن الناس انفتحوا على العالم الخارجي والصوفية تبث والرافضة تبث من البدع حتى المعتزلة فيه الآن من يروج لمعتقد المعتزلة والجهمية والأشاعرة والكلابية والأباضية وهي من ضمن فرق الخوارج إغن كانوا يقولون نحن لسنا من الخوارج ومعتقدهم خارجي معتقدهم أنهم من الخوارج الأباضية
فيقولون : هو هو ، أوصلهم هذا إلى أن قالوا نحن نشاهد الله فنحن إذن لا حاجة لنا إذن لما شرعه الله فأسقطوا عن أنفسهم الواجبات واستباحوا المحرمات ، لم ؟ قالوا بلغنا اليقين ، لما بلغنا اليقين لا حاجة إلى أن نصلي وأن نصوم وأن نحج ، ولنا ما نشاء مما هو محرم على غيرنا
ولذلك أوصلهم هذا إلى الزندقة ، لم ؟
لأنهم اعتمدوا في العبادة على ركن واحد وهي المحبة
ولذلك قال بعض السلف : ” من عبد الله بالمحبة فقط فهو زنديق ” لم ؟
لأنه سقط الشريعة كلها ، ولذلك قالوا بلغنا اليقين ، لم ؟
قالوا : يقول الله عز وجل : {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}
فنحن عبدنا الله حتى أتانا اليقين فلما أتانا اليقين الذي هو هذا لا حاجة إلى العبادة ، ما معنى اليقين هنا ؟ الموت
بدليل ما في سورة المدثر : {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ {43} وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ {44} وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ {45} وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ {46} حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ {47} } الذي هو الموت
لو كان اليقين على ما فسرته الصوفية لما عذب أهل النار
فإذن البدع خطيرة والطوائف تبث الآن بعد انفتاح وسائل التواصل تبث بدعها
فواجب على كل مسلم من ذكر أو أنثى أن يحرص على تعلم التوحيد حتى ينجو لأنه إن ضاع التوحيد ضاع كل شيء
ما فائدة الصلاة بدون التوحيد ؟
ما فائدة الصوم بدون التوحيد ؟
ما فائدة الزكاة بدون التوحيد ؟
ما تنفع