تفسير سورة البقرة الدرس ( 165 ) [ ومن أظم ممن منع مساجد الله .. ] الآية ( 114 ) الجزء الرابع

تفسير سورة البقرة الدرس ( 165 ) [ ومن أظم ممن منع مساجد الله .. ] الآية ( 114 ) الجزء الرابع

مشاهدات: 456

تفسير سورة البقرة ــ الدرس ( 165 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

 { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) }

سورة البقرة ( 114 ) / الجزء الرابع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مازلنا في ذكر الفوائد المتعلقة بقوله تعالى:

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) }

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

وهذه تضم إلى الفوائد السابقة تحت قوله : {مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ} أن الإضافة إلى الله تقتضي أن المساجد ليست مملوكة لمن ؟ لغير الله ، وإنما هي لله ، حتى من بناها وقام عليها وأشرف عليها وأنفق عليها فإنها خرجت من ملكه ، وبالتالي نصل إلى ما نري أن نصل إليه وهو أنه لا حق لأحد أن يخصص مكانا له في المسجد ، ولذا أخذ بعض العلماء من هذه الآية من أنه لا يجوز لأحد أن يحجز مكانا في المسجد لأنه مكان مشاع لعموم المسلمين

فلا يملكه أحد ولا ينظر إلى الاعتبارات الأخرى من أنه مثلا هو القائم على المسجد أو أنه الباني للمسجد أو أنه كبير في السن أو أن به عاهة أو أن به مرضا هذا لا يلتفت إليه

وبالتالي : إن من حجز مكانا في المسجد فإنه يكون آثما لأنه مكان مشاع ومن سبق إليه فهو أولى به ، اللهم إلا إن حجز مكانا في المسجد من أجل أن يذهب ليتوضأ أو ليعود لحاجة عن قرب ليس عن بعد يعني ليس عن زمن طويل فلا إشكال في ذلك لأنه يري أن يعود فقلبه معلق بهذا المكان أو أنه في المسجد هو في المسجد ذهب إلى مكان آخر فحجز مثلا مكانا في الصف الأول أو خلف الإمام فهذا لا بأس به لأنه مازال في المسجد ، لكن لو أن الإنسان أتى مبكرا ووضع مكانا في المسجد أو شيئا في المسجد ليضعه فيه ويحجزه  ثم ذهب ليقضي مشاغله أو ذهب إلى بيته ليأكل ويشرب وينام ويتبسط مع أهله ثم يعود فإنه ظلم غيره

إذن لا يجوز الحجز في المساجد لا في المساجد العادية ولا في الجوامع ولا في المسجد الحرام ولا في المسجد النبوي ولا في الجوامع ، بعض الناس ربما أنه يصلي الفجر وإذا به يضع شيئا في هذا المكان من أجل أن يحجزه إذا أتى في الساعة الثامنة أو الساعة التاسعة فلا يجوز له هذا

لكن إن كان في المسجد وكان عن قرب كان في المسجد وخرج خارج المسجد وسيعود قريبا وقلبه معلق بهذا المكان فلا بأس بذلك ، أو كان في المسجد فلا إشكال في ذلك ، اللهم وهذا أمر مهم جدا  :

بعض الناس ربما أنه يكون في المسجد من المعتكفين ويحجز مكانا وهذا مما نعانيه كل سنة ونبهنا ولكن بعض الناس مازال على ما هو عليه من حجز مكانا في المسجد ، ومازال في المسجد فإنه أحق به بشرط ألا تتصل الصفوف إن اتصلت الصفوف وأتى الناس ففي هذه الحالة فلا حق له ، لم ؟

لأنه سيحجز في هذه الحالة مكانين في المسجد لكن لو أنه ذهب ليأكل مثلا طعام الإفطار أو طعام السحور أو طعام العشاء فلا إشكال ، أما أن يذهب ثم تتصل الصفوف فإنه لا يحق له ذلك

من أين أخذنا هذا الحكم ؟

من قوله : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ} فهي مساجد الله ولا حق لأحد فيها ، لا تقل هذا هو الباني للمسجد  وأنفق في إنشائه ملايين أو مئات الملايين هذا لا يتلفت إليه  ، أو أنه كبير في السن أو أنه مثلا مريض أو ما شابه ذلك فهذا لا يتلفت إليه لأنه حق لعموم المسلمين ، ومكان فاضل وليس  الصف الأول يعني ليس له في الفضل ما ليس للصف الثاني

ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في الصحيحين : ( لو يعلم الناس ما في النداء ــ يعني الأذان ــ والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه )

فما ظنكم إذا كان قريبا ؟ لأنه جاء  عند مسلم قال عليه الصلاة والسلام :

( ليليني منكم أولو الأحلام والنهى )

وبالتالي فإن ما يفعله بعض الناس :

ربما يأتي شاب في الصف الأول ويأتي كبير في السن وإذا به يزحزحه من هذا المكان لا يجوز بأي حق أن تخرجه ؟ هذا حقه وهو الذي تقدم وسبق إلى هذا المكان فليتنبه إلى هذا الأمر

بالنسبة للأطفال ممن لم يبلغ سبع سنين فإنه لا اعتبار له ، لكن من بلغ سبع سنين فإنه مأمور بها وحقه مقدم

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أن قوله : {مَسَاجِدَ اللَّهِ } تخرج المصليات فالمصليات لا حكم لها حكم المساجد ، فمثلا المصليات التي  في الدوائر الحكومية تقام فيها صلاة الظهر أو تقام فيها صلاتان هذه لا حكم لها فيما يخص المساجد لا من حرمة البيع والشراء ولا من تحية المسجد ، إذن هي لا تأخذ أحكام المساجد لأنها مصليات

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا هنا : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} قلنا لكم بالأمس فيه رد على الصوفية  فإنهم لا يذكرون اسم الله فإنهم إذا ذكروا قالوا هو هو

لو قالوا نحن نقول وهم ما بين القسمين اللذين هم صنفوهم ، صنفهوهم في الأذكار إلى ثلاثة أقسام قالوا نحن نقول الله الله  الله  ، ذكرنا اسم الله

فنقول : يجب على مقتضى هذه الآية أن يذكر فيها اسمه ، اسم الله الذي ورد به الشرع : سبحان الله والحمد لله والله أكبر

كما أشرنا ذكر شيخ الإسلام أن هذا الذكر الذي يقولونه : الله الله الله هكذا فقط هذا ليس بمشروع وليس من دين الله ومن البدع التي ابتدعوها

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أنه قال هنا {وَسَعَى فِي خَرَابِهَا }

يعني هم جمعوا بين صفتين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعوا في خرابها ، ما هو خرابها ؟ هدمها ، نعم خرابها نوعان : خراب حسي وخراب معنوي ، فالخراب الحسي أن تهدم مثل ما يفعل في بعض البلدان العربية والإسلامية التي يجري فيها ما يجري ندعو الله أن يكشف ما نزل بهم ، تهدم المساجد ظلما وعدوانا هؤلاء يدخلون في هذه الآية {وَسَعَى فِي خَرَابِهَا}

لو قال قائل : أهناك دليل من القرآن ذم فيه من خرب المساجد تخريبا حسيا ؟

نعم ، في أول سورة الإسراء : { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} القضاء هنا قضاء كوني قدري ، فالله لا يحب الفساد كما في الآيات الأخرى لكنه قضاء قدري كوني : {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا {4} فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا} يعني  الأولى من المرتين من الإفسادين {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا {5}}

بعث الله على بني إسرائيل أولئك الكفار اختلفوا فيهم لكن مما هو مشهور يسمى ببختنصر البابلي المجوسي أعانته النصارى على اليهود

هذا الأمر هو الإعانة من النصارى على اليهود يعود بنا إلى قوله تعالى :

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ }

إذن ما قالوه في زمن النبي عليه الصلاة والسلام قد فعل من قبل أجدادهم السابقين :{بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا {5} ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} يعني تغلبت اليهود على هؤلاء : {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا {6} إِنْ أَحْسَنْتُمْ} يعني بالطاعة : {أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ} يعني بالمعصية : {فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} يعني المرة الثانية : {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} يعني أفسدتم الفساد الثاني : {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ }

أي مسجد هنا ؟ الأقصى ، {وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا {7} } يعني ليفسدوا ويهلكوا ما علوا عليه وسيطروا عليه تتبيرا {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} ورحمهم الله عز وجل

لكن : {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا } عادوا أم لم يعودوا ؟ عادوا ، في زمن من ؟ في زمن النبي عليه الصلاة والسلام فأجلاهم من المدينة

إذن هذا خراب حسي دليله هنا

هناك خراب معنوي :

أن تبقى المساجد على ما هي عليه وليعلم أن المساجد لا تحدد ولا توصف بأنها مساجد من حيث البناء ، بنيت ببلوك بطين بجريد أهم شيء أن هذا المكان أوقف لله وفتحت أبوابه للناس وتصلى فيه الصلوات الخمس ، لا تنظر مثلا أنه ببلوك أو أنه بخرسانة قوية

الخراب المعنوي :

أن تبقى المساجد على ما هي عليه ببنيانها ولكن أن تخرب بماذا ؟ بما يفعل فيها مما يغضب الله من البدع

أو خرابها أن يمنع المسلمون من أداء العبادة فيها والأدلة موجودة في القرآن :

مثل ما صدت قريش النبي عليه الصلاة والسلام في صلح الحديبية لما أتى معتمرا : {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}

والآية التي في سورة الأنفال : {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ}