تفسير سورة البقرة ــ الدرس { 167 }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {115}}
سورة البقرة { 115 } / الجزء الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ففي هذه الليلة نفسر قوله تعالى :
{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {115}}
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أنه جل وعلا قدم اسمه في هذه الآية فقال : {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ }
” لله ” : خبر ، { الْمَشْرِقُ }: مبتدأ مؤخر ، والأصل في المبتدأ أن يكون هو المتقدم فإذا تأخر المبتدأ وتقدم الخبر فاعلم بأن هناك اختصاصا وحصرا من أن ملك المشرق والمغرب فهو لله لا يتصرف فيه أحد سواه ، وإذا كان هو جل وعلا مالكا للمشرق والمغرب ، المشرق والمغرب عموم كبير ليس محصورا بمنطقة أو مدينة معينة ، وإنما هو شامل لكل هذه الدنيا ما بين مشرقها ومغربها ، فإذا كان هو المالك عز وجل فلا تعلق رجاءك إلا بالملك وهو الله
ولذلك لو أن المسلم إذا أصيب بمحنة أو هم أو غم أو فقر أو قل ما تشاء من محن هذه الدنيا لو أنه التجأ إلى الله عز وجل وأيقن بهذا الأمر
ولذلك أهل السنة والجماعة يحرصون دائما على معرفة التوحيد وعلى معرفة توحيد الأسماء والصفات ، فتوحيد الأسماء والصفات كونك تعرف أسماء الله وصفات الله هذه تقربك تعلق قلبك بالله فلا تنظر إلى من سواه
ولذلك لو تأملنا مثلا في أدعية الصباح والمساء : ” أصبحنا وأصبح الملك لله ” تفاءل بهذه الجمل العظيمة
لو أنك أصبحت على محنة أو هم أو غم لما تمسي وأنت مهموم حزين مغموم مريض كئيب : ” أمسينا وأمسى الملك لله ” وبالتالي فإن قول النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : ” إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة “
سبحان الله ! ” من أحصاها دخل الجنة ” ، لم ؟ لأن هذه الأسماء لله لو علق الإنسان قلبه بها وتمعنها وفهمها لم ينظر إلى أحد
ولذلك : اسم الله الشافي : لو تمعن الإنسان وكان مريضا وأن من أسماء الله الشافي ما علق قلبه بأحد ، ولذلك في تتمة الحديث ” بيدك الشفاء “
الغني ، العليم ، الخبير ، التواب ، الرحيم ، قال تعالى : {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} ، ولذلك من أسمائه التواب مهما عظم ذنبك ومهما كثرت خطيئاتك : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} فهذه لفتة يسيرة تبين لنا عظم التوحيد ، ومعرفة أسماء الله وصفاته
انظروا :
ملك المشرق والمغرب ولذلك لما تدعو في بعض الأدعية مثل دعاء الاستفتاح حديث أبي هريرة في الصحيحين : ( وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب )
ولذلك إذا قيل المشرق والمغرب فهي صيغة عموم وشمول
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أن كلمة المشرق والمغرب هنا مفردتان : مشرق واحد ومغرب واحد
في سورة الرحمن : {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ {17} } بصيغة التثنية ، جاءت بصيغة الجمع : {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ}
فما معنى هذه الآيات الثلاث التي جاءت بصيغة الإفراد وصيغة التثنية وصيغة الجمع ؟
هذه الآية التي معنا بصيغة الإفراد
ولتعلم :
أن كلمة “ال ” من معانيها في اللغة تدل على الجنس فكلمة المشرق والمغرب تدل على الواحد وتدل على الاثنين وتدل على الجمع من ثلاثة فأكثر
ولذلك : قوله تعالى : {وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2}} الإنسان هنا من ؟ كل إنسان ” ال ” هنا للجنس إلا من اتصف بأربع الصفات المذكورة في هذه السورة { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3} }
المهم أنه هنا : المشرق والمغرب يحتمل الواحد والاثنين والثلاثة
{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} : يعني مشرق ومغرب ماذا ؟ الشمس والقمر فلهما مغربان ومشرقان في كل سنة
{رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ {17} } يعني : للشمس وللقمر مشرقان ومغربان فقط في فصل الصيف وفي فصل الشتاء
{فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} : يعني : أنهما يشرقان في كل يوم فلا تنافي بينهم
ويحتمل أن كلمة { الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } ليس المقصود منها المشرق والمغرب بذاته ، وإنما كل شارق وغارب ، عندك نجوم كم عدد النجوم ؟
فيحتمل هذا ويحتمل هذا
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أنه جل وعلا قال : {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } ” أين ” : اسم شرط وأسماء الشرط تفيد العموم ، كلمة ” ما ” المرتبطة بها زائدة للتنصيص والتأكيد على العموم ، فيفهم من ذلك أن العبد أينما تولى فإنه يتولى إلى وجه الله ، ومن ثم نستفيد من هذه الجملة فوائد فيما يخص الصلاة :
تصور لو أن إنسانا اشتبهت عليه القبلة فصلى مجتهدا ثم تبين له خطؤه الصلاة صحيحة : {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ }
ولذا جاء عند الترمذي من حديث عامر بن ربيعة أنهم كانوا في سرية وكانوا بليل واشتبهت عليهم القبلة فصلوا فلما أصبحوا وجدوا أنهم قد صلوا إلى غير القبلة ، فسألوا النبي عليه الصلاة والسلام ولم يأمرهم بإعادة الصلاة
وهذا الحديث حسن لكثرة شواهده عند ابن مردويه من حديث جابر ومن حديث ابن عباس
فائدة أخرى :
تصور لو أن الإنسان كان مريضا به عذر ما تمكن من استقبال القبلة أيجوز له أن يؤخر الصلاة حتى يستقبلها ولو تأخرت عن وقتها ؟
الجواب : لا ، بل يجب أن يصلي على حسب حاله فتكون صلاته صحيحة مع أنه عالم أنه غير مستقبل للقبلة لكن لو وجد العذر :
الدليل : {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}
في السفر : لما يريد الإنسان أن يتنفل وأن يتطوع فلا بأس بذلك بل جاءت بذلك السنة كما في الصحيحين : ” كان النبي عليه الصلاة والسلام يتطوع على راحلته حيثما توجهت به “
فقط في النافلة وليس في الفريضة في السفر
ولذلك :
لو أنك راكب سيارتك وأردت أن تتنفل وأنت مسافر فلك ذلك وتؤجر
كيف الركوع وكيف السجود ؟
تومئ إيماء بالركوع هكذا وتزيد في السجود وأنت ممسك بسيارتك دون أن تلتفت فتؤجرعلى هذا ، إذن هذا المسافر لما تنفل وتطوع وتوجه إلى غير القبلة توجه إلى مكان مقصده في تلك المدينة التي يريدها هنا : {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}
تصور : لو أن شخصا كان في بلد من بلاد الكفر وهداه الله للإسلام ثم لما أتى إذا به كان يصلي سنوات طوال على غير القبلة لأنه لا يعرفها فصلاته صحيحة {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}
حتى إن بعض العلماء قال إن هذه الآية تشمل النجاشي لأن النجاشي لما أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يصلي عليه وكان في الحبشة وكان في أول أمره على دين النصرانية وكان يتوجه يصلي إلى بيت المقدس لأنها هي قبلتهم قالوا كيف نصلي عليه ؟
لكنه في مثل هذه الحال يكون معذورا لأن المسلم مهما توجه توجه إلى الله عز وجل في حال العذر ، أما في غير حال العذر في حال السعة فلا يجوز له أن يستقبل إلا القبلة