تفسير سورة البقرة ــ الدرس ( 169 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) }
سورة البقرة ( 169 ) / الجزء الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معنا في هذه الليلة تفسير قوله تعالى :
{ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) }
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــ
أن أعظم الافتراء وأعظم السب أن يسب الله ولذا هنا أنكر جل وعلا بمن قال هذا القول من أنه جل وعلا اتخذ ولدا ، والقائل بهذا القول كما جاءت بذلك النصوص الأخرى هم اليهود والنصارى ، وكفار قريش {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}
كفار قريش جعلوا لله البنات وهذا يشمل هؤلاء ويشمل غيرهم مما يمكن أن يقع من سب لله في هذا العصر ، أو فيما سيأتي من عصور ، وإذا كان كذلك فإن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر كما عند البخاري من حديث ابن عباس أنه قال : (( قال عليه الصلاة والسلام قال الله كذبني ابن آدم وليس له ذلك وشتمني ابن آدم وليس له ذلك ))
سبحان الله! انظروا هذا الإنسان الضعيف إذا جرد نفسه وقلبه وقالبه من دين الله أصبح طاغوتا متجبرا معتديا على الجبار جل وعلا ، ولذا في هذا العصر أمثلة ممكن نراها في وسائل التواصل أو في القنوات الفضائية لما يسب الله عز وجل أو يسب القرآن أو يسب النبي عليه االصلاة والسلام من أناس يتكلمون بألسنتنا ومن جلدتنا فقال ( أما تكذيبه إياي أنه زعم أني لن أعيده كما كان وأما شتمه إياي أنه قال اتخذ الله ولدا وما كان لي أن أتخذ صاحبة ولا ولدا )
ولذا عظم الله هذا الأمر ، أمر عظيم ، وقد يقال ما هو أعظم في هذا العصر
وفيه تسلية أيضا لمن دعا إلى الله عز وجل على علم وبصيرة أنه إذا سب أو شتم ، فقد سب النبي عليه الصلاة والسلام ، سب الله عز وجل ، فنجد أن ابن آدم إذا بلغ مثل هذه المرحلة أصبح طاغية بل الحيوان أفضل منه
ولذلك ماذا قال عز وجل في أواخر سورة مريم ، الجبال والجماد لا يطيق مثل هذا الكلام أن يقال في الله عز وجل : {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا {88} لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا {89} تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا {90} أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا {91} وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا {92} إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا {93}}
إذا مرت بك كلمة ” لا ينبغي ” في القرآن أو في السنة فاعلم بأنها كما قال ابن القيم مستحيل أن تقع شرعا أو عقلا
ولذلك في الحديث: ( إن الله لا ينام ولا ينبغي أن ينام )
إذا أتتك كلمة ” لا ينبغي ” في النصوص الشرعية فاعلم بأنه مستحيل أن تقع عقلا أو شرعا أو قدرا
{وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} لم ؟ {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا {93}}
العبد الرقيق كيف يكون ابنا ولله المثل الأعلى كيف يكون ابنا للسيد ما يكون
ولذلك من الأحكام الشرعية وهذا في شأن المخلوق لا يمكن أن يجتمع الرق لأنك عبد لله عز وجل ، لا يمكن أن يكون العبد الرقيق ولدا للسيد ، ولذلك من الأحكام الشرعية والرق غير موجود لكن فيما مضى وقد يوجد مستقبلا بل سيوجد ولا محالة لأن الرق مرتبط بالجهاد ، وإذا وجد الجهاد وجد الرق
الشاهد من هذا :
أن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما عند أبي داود وغيره قال : ( من ملك ذا رحم محرم ــ ويصح نطقها مُحَرَّم ــ فهو حر )
تصور أنت حر مثلا وتصور أن هناك أرقاء اشتريت رقيقا وهذا الرقيق كان ابنا لك أو أخا لك فمن حين ما تملكه يكون حرا لا يجتمع
إذا كان هذا في شأن المخلوق فكيف هذا العبد الرقيق كيف يكون ابنا لله عز وجل ؟! ولذلك قال هنا : {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا {93}}
ولذلك في الآية الأخرى : {سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ }
الغنى التام الكامل المطلق فالغنى من لوازم ذاته عز وجل ، وإذا كان غنيا فهو يغني يغنيك ، بعض الناس يظن أن الغنى فقط يكون محصورا بالمال ، لا ، هو غني جل وعلا إذا أغنى قلبك بالإيمان وباليقين هذا من أعظم ما يكون {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا {69} }
إذا وفقت للهداية وملأ الله قلبك يقينا وهدى فهذا من غناه عز وجل لو شاء أضلك لو شاء ما هداك
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ {35}}
من غناه عز وجل أنه يغنيك بالصحة والعافية
قال عليه الصلاة والسلام : ( ما أعطي أحد بعد اليقين خيرا من العافية )
ما هو بالمال ، إذا أغناك الله بصلاح أولادك ، ولذلك قال بعض المفسرين في قوله تعالى : {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} كيف يكون الولد قرة عين لك ؟
قالوا : إذا كان صالحا لأنه إذا كان صالحا في دينه صلحت دنياه إذا كان صالحا في دينه كان معك كان معينا لك
إذا أغناك الله بالرزق بالمال ، الغنى ما هو مقصور فقط على المادة ولا على الجاه ما هو على المنصب ولا وظيفة
بعض الناس يحسد بعض الناس لما يقال هذا الوزير الفلاني الشخص الفلاني ، قد يكون محروما من أشياء أنت تملكها وهو لا يملكها
ولذلك حصرها النبي عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي : ( من كان آمنا في سربه ) نعمة الأمن هذا من غناه عز وجل ، غيرنا في البلدان الأخرى يتجرع ألم الخوف والفزع ليس بالليل وبالنهار ، لا ، بل في كل ساعة من الساعات يخاف على عرضه يخاف على نفسه يخاف على ماله
جلوسنا الآن من غناه عز وجل لنا إذ أكرمنا بهذا الشيء
ولذلك ابن القيم قال : ” حمد الله عز وجل نفسه لكمال عدله ولكمال غناه ولكمال فضله وإحسانه وجوده له الصفات العظيمة جل وعلا “
( من كان آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها )
نقوم من موائدنا ويبقى منا الأكثر فقط أننا تغدينا أو تعشينا أو فطرنا بمجرد أن يقال فلان تغدى فلان أفطر فلان تعشى فكيف مع نعمة الأمن والصحة والعافية ؟ هذا خير عظيم
ولذلك سبحان الله ! كيف قالوا هذا القول : {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}
لم ؟ لأن الولد جزء من الإنسان ابنك جزء منك كما ذكر عز وجل في آية أخرى {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} لأنه جزء منك وإذا كان جزءا منك فإنه يماثلك ويشابهك ، ولذلك يقولون الولد في الغالب شبيه بأبيه
بأبه اقتدى عدي في الكرم ومن يشابه أبه فما ظلم
{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} فهو جزء منك يماثلك وهذا مستحيل في حق الله ، لم ؟
{{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ {4}}}{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} هو الغني لأنك تحتاج إلى الأبناء من أجل أن يعينوك أن يقفوا معك
الله هو الغني
أنت تحتاج إلى هؤلاء الأولاد إلى أن يبقوا نسلك وأصلك في المستقبل
لكن الله هو الغني الغنى المطلق