تفسير سورة البقرة ــ الدرس ( 170 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) }
سورة البقرة ( 169 ) / الجزء الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معنا في هذه الليلة تفسير قوله تعالى :
{ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) }
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــ
وهي فائدة توصل بالفائدة السابقة هو جل وعلا أنكر على من نسب إليه الولد ، وهو جل وعلا حمد نفسه بإنزال هذا الكتاب على النبي عليه الصلاة والسلام ليكون من بين مقاصده إنذار من نسب الولد إلى الله :
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا {1} قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا {2} مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا {3} وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا {4} مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا {5}}
ولذلك حمد جل وعلا نفسه ، وانظروا لعل هناك ارتباطا في أواخر سورة الإسراء لأن بعد سورة الإسراء سورة الكهف في أوائل الكهف حمد نفسه على إنزال هذا الكتاب المتضمن من أصوله أن يحذر من نسب إليه الولد
في آخر آية في سورة الإسراء حمد نفسه على أنه ليس له ولد :
{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} ولذلك هذا قول عظيم ، قال : {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } عظمت كلمة ، ولذلك في سورة الإسراء تجد أن هناك ارتباطا بين سور القرآن وآيات القرآن :
في سورة الإسراء : {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا}
في سورة الكهف : {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}
ولذلك ماذا قال عز وجل آمرا نبيه عليه الصلاة والسلام : {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} ما تفسيرها ؟ {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} يعني أنا أول العابدين لهذا الولد لأن هذا الولد جزء من الوالد ، والوالد يحب الولد فأنا أعبده لكن هذا من باب الاستبعاد لأن ما يحبه الله فيلزم العبد أن يحبه ، وعلى قولهم هذا الآثم الأفاك إن كان له ولد فأنا أول العابدين لهذا الولد ، لأنه جزء من الوالد لكنه قيل على وجه الاستبعاد والاستنكار
والقول الآخر : {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} لله لأنه لو أثبت لنفسه الولد فأنا أول العابدين له لكنه لم يثبت ونفى ذلك فلكون العبد يحب الله فإنه يحب ما يحبه الله ويثبت ما أثبته الله وينفي ما نفاه الله
والقول الآخر : {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} يعني المنكرين الآنفين لهذا القول ، وكل الأقوال محتملة ، فإنما نحن عبيد ، ولذلك ما قيل هذا الشرط {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} إلا من باب الإنكار والاستبعاد أن يكون لله ولد ، ولذلك ماذا قال بعدها ؟ {سُبْحَانَهُ} تنزيه الله عز وجل عما لا يليق به
وانتبه :
إذا نزه الله عن شيء ذكر في النصوص الشرعية بمعنى أن الله نفى عن نفسه شيئا أو أن الرسول عليه الصلاة والسلام نفى عن ربه عز وجل فيجب أن تنفي مع إثبات كمال الضد
يعني :
{وَمَا رَبُّكُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}هنا نفي الظلم عن الله يجب أن تنفي الظلم عن الله ، تسكت ؟ ، لا ، مع إثبات كمال الضد بمعنى نفى عن نفسه الظلم لكمال عدله ، نفى عن نفسه النوم والنعاس لكمال حياته وقيوميته ، وهكذا
ما هو نفي مجرد ، النفي المجرد ليس مدحا قد تقول هذا العمود لا يظلم
هل هو مدح له ؟ لا ، لأنه جماد
يجب أن تنفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله عليه الصلاة والسلام مع إثبات كمال الضد
التقرير الآخر الذي ينفي به جل وعلا أن يكون له ولد أتى بكلمة { بَلْ }
بل هذه تسمى بـ { بَلْ }التي للإضراب بمعنى أنه أضرب عن قولهم إلى تقرير أمر ، هو لما قال : {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} نزه نفسه ثم بعد هذا التنزيه أضرب عن قولهم لأن قولهم هذا قول أفتاك أثيم ، قال : {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}
ومن له ما في السموات والأرض أيحتاج إلى أحد ؟ ما يحتاج إلى أحد
نحن البشر نحتاج إلى الأولاد : {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
لكنه جل وعلا مالك للسموات وللأرض ، وتنبه معي: تجد في بعض الآيات التي ينفي الله عن نفسه الولد تأمل ما بعده تجد أنه ذكر السموات والأرض :
من أجل أنه مالك للسموات وللأرض ، فكيف يكون محتاجا للولد ؟!
ثم أتى التقرير الآخر : {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} من ؟ {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}
قاعدة في اللغة العربية :
إذا أتتك كلمة ” كل ” أو كلمة ” بعض ” منونة فاعلم بأن هناك كلمة محذوفة هنا { كُلٌّ } لم يقل ” كل “
مثال :
لو وجهت إليكم الخطاب وقلت : كلٌ يسمع لي ، الأصل : كل واحد يسمع لي
إذا أتتك كلمة ” كل ” منونة فاعلم بأن هناك كلمة محذوفة وهذا ما يسمونه في اللغة العربية تنوين عوض عن كلمة
إذا أتتك كلمة ” إذًا “ تنوين عوض عن جمل فاعلم بأن هناك جمل أو جملة تقدر ، فهنا كلمة ” كل وبعض ” إذا نونت لكن إذا لم تنون لا ، لو قلت : كل واحد يستمع إلي هنا ليست منونة يبقى الحال على ما هو عليه
لابد أن تكون منونة
هنا : {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} يعني كل من في السموات ومن في الأرض قانت لله
ما معنى هذا القنوت ؟
القنوت ثلاثة انواع :
قنوت خاصة الخاصة ، وقنوت الخاصة ، وقنوت العامة
قنوت خاصة الخاصة وهم من اصطفاهم الله من عباده المرسلين في قمة القنوت وهو دوام الطاعة كما قال تعالى عن إبراهيم : {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ
أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} في أعلى درجات القنوت لله
النبي عليه الصلاة والسلام كما قالت عائشة عند مسلم : ” كان يذكر الله على كل أحيانه ” هذه هي دوام الطاعة
هناك قنوت الخاصة لعامة المؤمنين
دليلها : {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا}
{يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}
النوع الثالث : قنوت العامة ، عامة من ؟ جميع الخلق المؤمن والكافر كل له قانت ، قنوت ماذا ؟ قنوت تذلل وخضوع وانقياد له عز وجل لا يستطيع أحد أن يخرج عن ملكه طرفة عين {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}
ومن هنا :
هذه وهي كلمة القنوت مثل الإسلام :
{وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}
والنوع الأول والنوع الثاني من قنوت الخاصة المتعلق بالمؤمنين هذا له أنواع :
هناك نوع يسمى بالدعاء أو يأتي في النصوص الشرعية بالدعاء :
دليله : قول الحسن : ( علمني رسول الله عليه الصلاة والسلام كلمات أقولهن في القنوت ) إذن بمعنى الدعاء
ويأتي بمعنى السكوت :
قال عز وجل : {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ
قَانِتِينَ {238}} معنى القنوت في هذه الآية هو السكوت ، بدليل أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة فجاء النهي من النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : ( قال زيد بن أرقم لما نزلت الآية قال أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام )
ويكون القنوت بمعنى طول القيام
إذا رأيت الرجل طويل القيام يعني القيام في الصلاة فاعلم بأنه قانت
قال النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم قال : ( أفضل الصلاة طول القنوت ) طول القيام
ويأتي بمعنى المداومة على الطاعة : {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا}
ولتعلم :
أن ما جاء من حديث وهو حديث أبي سعيد عند الإمام أحمد أن النبي عليه الصلاة والسلام قال ” كل حرف يعني كل كلمة ” كل حرف في القرآن أتى في القنوت فهو بمعنى الطاعة “
فإنه حديث ضعيف لا يصح لأن فيه ابن لهيعة وفيه دراج وهو أبو السمح روايته عن أبي الهيثم ضعيفة ، هذا الحديث لا يصح
وإنما يكون معنى القنوت في القرآن على حسب ما أوردناه لكم آنفا من هذا التنويع وإلا لو صح هذا الحديث فكل كلمة في القرآن تأتي وهي كلمة القنوت تكون بمعنى الطاعة لكن الحديث لا يصح
إذن كيف تعرف القنوت وكيف تعرف معناه ؟
ترجع إلى ما ذكرناه