تفسير سورة البقرة الدرس 179(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) الآية 120 ـ الجزء الرابع

تفسير سورة البقرة الدرس 179(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) الآية 120 ـ الجزء الرابع

مشاهدات: 523

تفسير سورة البقرة ــ الآية ( 120 ) / الجزء الرابع

قوله تعالى : { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فنكمل تفسير قول الله عز وجل :

{ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــ

أن قوله جل وعلا { وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ } هنا كلمة { وَلَئِنِ } تتضمن قسما وشرطا ، والقسم لابد له من جواب والشرط لابد له من جواب ، تقول : والله وتسكت ؟ اكتمل المعنى ؟ لا ، لابد من الجواب : والله لأكرمنك ، إذن الجواب : جواب القسم لأكرمنك ، هذا هو القسم

الشرط : تقول إن تقم وتسكت ؟ اكتمل ؟ لا ، إن تقم أكرمك ، إذن الجواب أكرمك ، جواب ماذا ؟ جواب الشرط

هنا { وَلَئِنِ } اجتمع شرط وقسم ، الأصل لو كان في غير القرآن : والله إن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله ، والذي دلنا على القسم : اللام  ، وكلمة ” إن ” أداة شرط ، وهنا أين جواب القسم وأين جواب الشرط ؟

الجواب هو : { مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ } هذا هو الجواب  ، لكن جواب القسم أم جواب الشرط ؟

القاعدة في النحو : إذا اجتمع قسم وشرط فإن المتأخر يحذف جوابه ، إذن المتقدم هو الذي له الجواب ، المتقدم هنا القسم أم الشرط ؟

القسم ، إذن { مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ } هو جواب القسم ، وهنا لها فائدة يعني أعطيك مثالا لو قلت والله إن قمت لأكرمنك ، والله إن قمت لأكرمنك ، هنا الآن اجتمع القسم مع الشرط ، إذن الجواب هنا للقسم بمعنى أن هذه الجملة ستكون حلفا لكن إن قلت هذا فيمن يتحدث باللغة العربية فميا مضى أو يعرفون هذا لكن بالنسبة إلينا من حين ما نسمع : والله نعتبرها قسما ، الكلام هنا فيما مضى ممن يتكلم باللغة العربية ويعرف معناها ومقتضاها ، لو عكست فقلت إن قمت والله لأكرمنك ، الجواب لمن ؟

للشرط ، إذن هذا وعد ، إن قام تعده بالإكرام ، في الأولى تحلف بالله إن قام أنك تكرمه ، إذن الجواب { مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــ

أنه قال هنا { وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ } لم يقل هواهم ، هوى مفرد لكن هنا جمع { وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ } مما يدل على أن الهوى ليس واحدا فالأهواء مختلفة متشعبة متنوعة ، ولذلك فليحذر المسلم من هواه ومن أهل الأهواء ، فإنه لم يفردها هنا وإنما جمعها

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــ

أن الخطاب وإن كان موجها للنبي عليه الصلاة والسلام فالعبرة ليست بالمخاطب وإنما العبرة بعموم المعنى ، فلتحذر هذه الأمة من اتباع أهل الأهواء ، لم ؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام معصوم ، الله عصمه من الزيغ والضلال ، إذن فلتحذر الأمة ، ففي هذا تنبيه لها فلتحذر الأمة من أن تتبع هؤلاء ، فهو معصوم  ، ولذلك هو جل وعلا عصمه من اتباع هؤلاء في عبادتهم في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل ، اقرأ سورة  { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } لو قرأتها وتمعنت فيها لوجدت أن الفعل اختلف

{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) } الآن النبي عليه الصلاة والسلام يقول لهم { لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } { مَا تَعْبُدُونَ } فعل مضارع والفعل المضارع يدل على الحاضر وعلى لمستقبل

بعدها { وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ } { عَبَدْتُمْ } أتى بالماضي قال ابن القيم كما في التفسير القيم قال فالله عز وجل عصم نبيه عليه الصلاة والسلام من الزيغ والضلال ومن اتباع أهواء هؤلاء فإن هذه الآية لتغير الأفعال من المضارع إلى الماضي هذه نفت أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام تبعا لهؤلاء في الماضي ، ولذلك لم يعبد عليه الصلاة والسلام الأصنام أبدا ، ولم يتبعهم في الحاضر ولن يتبعهم في المستقبل ، قال : بينما هؤلاء فإنهم يتبعون أهواءهم يعني هؤلاء الكفار كانوا إذا رأوا صنما عبدوه فإذا رأوا أحسن منه رموا به وعبدوا الصنم الآخر كذلك هذا يسري ليس على الكفار فقط ، لا ، حتى أهل البدع من هذه الأهواء ، هكذا  ، يتغيرون ويتلونون ويتلبسون فإنك لن تكون معهم على قرار واضح وبين ، ولذلك ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام قال ــ كما لأن من هو على الحق واضح ما عنده تلون ولا تغير ، واضح ؛ لأنه يسير على الحق وفسرنا لكم الحق من أنه هو الشيء الثابت المستقر بينما الهوى يتغير ، ولذلك ماذا قال عز وجل { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ } { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }

قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في السنن ( ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل من هي يا رسول الله ؟  قال هم الجماعة )

الجماعة مفسرة في الحديث الآخر قال : ( على ما أنا عليه وأصحابي )

من كان سائرا على ما سار عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه فهو من الطائفة الناجية وعلى الحق ، ولذلك انتبه قال ( على ما أنا عليه وأصحابي ) قد يأتي لك إنسان بدليل من القرآن أو من السنة لكن بفهمه هو ، لا، أهل الأهواء والبدع يأتون بأدلة لك هذا الدليل من القرآن أو من السنة ويكون دليلا صحيحا هل فهمه هذا على ما فهمه السلف ؟ ولذلك ماذا قال هنا لم يقل (على ما أنا عليه ) وسكت ، قال { وأصحابي }

في السنن من حديث العرباض قال ( عليكم بسنتي ) سكت ؟ لا ، ( وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ )

يعني يأتي إليك بنص بدليل لابد أن يفهم على ما فهمه السلف وإلا كل يزعم أن معه الدليل

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا هنا { بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ } { بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ } إذن : من هو على الشرع هو الذي معه العلم والذي بخلاف الشرع معه الهوى لأنه لما قال { وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ } إذن الهوى ليس بعلم ثم قال { بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ } دل هذا على أن العلم هو الشرع فمن معه الشرع ، وأخذ به فهو العالم ومن تحدث في الشرع من غير دليل شرعي على غير ما فهمه السلف فهو صاحب هوى

قاعدة واضحة وقلنا لكم بالأمس قال قتادة هي خصومة { قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى }  خصومة علمها الله لنبيه عليه الصلاة والسلام ولأصحابه حتى يردوا بها على أهل الضلال

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــ

أن من أتاه العلم الصحيح ورده فإنه أشد ضلالا فهناك فرق بين من هو جاهل ولم يأته علم وبين من أتاه العلم فصد عنه ولذا قال هنا { بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ } فليس حال العالم كحال الجاهل ليس حال من علم كحال من جهل ، ولذا قال { بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ } ما الذي يترتب على ذلك ؟ { مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــ

قال هنا { مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } الولي هو الذي يحفظك

يعني ليس لك حافظ يحفظك { وَلَا نَصِيرٍ } يعني ولا يدفع عنك الشر

لأن الإتيان بكلمة ولي ونصير وتمعنها في النصوص في كتاب الله :  من تحقق له هذان الأمران فقد أفلح لأن الفلاح ما هو ؟ هو حصول المطلوب وزوال المكروه ، حصول المطلوب أين ؟ { مِنْ وَلِيٍّ } زوال المكروه والشر { نَصِيرٍ } فقد يأتي إليك الخير ولكن ما يدفع عنك الشر هل تم الفلاح هل تمت السعادة لك ؟ الجواب لا ، قد يندفع عنك الشر ولكن لم يأتك الخير هل حصل لك الفلاح ؟ ، إذن الفلاح حصول المطلوب وزوال المكروه

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــ

{ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } سبحان الله ! يعني لا تقل ، وهذه فائدة لنا نحن كأفراد وحكومات لكل شخص إن أخذت بشرع الله ما الذي يحصل ؟ الله عز وجل يكون لك وليا ونصيرا ، ولن يبلغك ضر وأذى بإذن الله من أحد ، لكن إن لم تأخذ بشرع الله ولو كان عندك من القوى والأموال وقل ما تشاء من الدنيا والله لن يمنعك أحد من الله ، ولذا قال هنا { مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } أبدا مهما كان ذلك الولي لك ، لا يمكن ، ولذلك في الآية الأخرى { وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }

ولذلك عمم هنا { مَا } نافية { مَا لَكَ } { مَا }  هنا نافية ، { لَكَ } خبر مقدم { وَلِيٍّ } مبتدأ مؤخر مرفوع ولكن الضمة لم تظهر ، لم ؟ لوجود الحرف الزائد وهو { مِنْ } منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحرف الجر الزائد ، أتدرون أن وجود  { مِنْ } هنا لأن كلمة { وَلِيٍّ } أو النكرة عموما في سياق النفي تعم يعني ما لك أحدا أبدا يتولى أمرك ، فإذا أتت كلمة      { مِنْ } زائدة بمعنى لو كان في غير القرآن فحذفتها : ما لك وليٌ لما تأت ” من ” الزائدة هنا يسميها العلماء لتنصيص العموم يعني العموم مستقر ثابت ما هو عموم فقط مطلق ، لا ، مستقر ولذلك مثل قوله تعالى وأدلة كثيرة { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } لو كان في غير القرآن : هل خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض

هنا للتنصيص على العموم فهنا تنبيه لنا أننا نعلق قلوبنا بالله فهو الحافظ فهو المعطي جل وعلا ، فهو المانع لك عن الشر { مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } لا تتعلق بأحد لا تتعلق والله بأشخاص لا بقوة ، لا بمال  لا بجاه لا بأصحاب ، إننا وللأسف حقيقة يا إخوان نحن في مثل هذا الزمن نجد أن بعضا من الناس وهو على خير لما يحصل له شيء من هذه الدنيا أو أن يريد أن يحصل له شيء من هذه الدنيا يتنازل عن بعض ما هو عليه من أجل هذه الدنيا ، ما الذي تنفعك هذه الدنيا ؟ علق قلبك بالله عز وجل

{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } فالرزق بيده عز وجل ، علق قلبك بالله فلا تشغلنك هذه الدنيا بمتعها وزخارفها ، لا تتنازل عن دينك ، لأن والله إن أتى الدين وبقي لك الدين بقي لك الخير ، إن ضاع شيء من الدين ضاع من الدنيا بقدر ما أضعته من الدين ، ثم ماذا لو جمع الإنسان وجمع يعني ألم نعلم فيمن عاصرناهم كانوا يملكون ما هو ملايين مليارات أين هم الآن ؟ تحت التراب  ، ثم ماذا ؟ وياليت الأمر ينتهي ، لا ، هناك حساب

عند الترمذي ( يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه )

فنسأل الله أن يحفظنا وإياكم من كل شر وأن يثبتنا لأن الإنسان لا يأمن على نفسه لا يقول أنا فلان ، لا ،  ( القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء )

ولذلك على المسلم أن يكثر من قول ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )

ابن مسعود رضي الله عنه يقول ( من كان مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة )

أي إنسان وهو حي الآن لا تؤمن عليه الفتنة لا تقول هذا فلان العابد أو ذلك الفلان العالم ، لا ، لا تغتر بأحد ، سل ربك الثبات