تفسير سورة البقرة الدرس ( 41 ) [ يابني إسرائيل اذكروا نعمتي ….] الآيتان ( 47 48 )الجزء الثاني

تفسير سورة البقرة الدرس ( 41 ) [ يابني إسرائيل اذكروا نعمتي ….] الآيتان ( 47 48 )الجزء الثاني

مشاهدات: 493

تفسير سورة البقرة  ـ الدرس ( 41 )

تفسير قوله تعالى :

(( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ{47} وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ{48}}

البقرة 47 ، 48

الجزء الثاني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فمازلنا في تفسير قوله تعالى :

 ((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ{47} وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ{48} ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فمن فوائد هاتين الآيتين :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه قال (( نعمتي التي أنعمت عليكم ))

لو قال قائل :

قد ينعم المخلوق على المخلوق فأين المنعم وهو الله عز وجل ؟

الجواب عن هذا :

أن الله قال (( وما بكم من نعمة فمن الله ))

أي نعمة تأتي إلى ابن آدم بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر فإنما هي من الله عز وجل .

ولذلك  : يقول شيخ الإسلام يقول : (( إذا أنعم المخلوق عليك بنعمة فعليك أن تنظر إلى المنعم الأول وهو الله إذ لولاه عز وجل لما أعطاك هذا المخلوق هذه النعمة  ))

ولذلك :

هذا المخلوق إذا أسدى إليك خيرا ونعمة فلك أن تشكره لكنه شكر ناقص

لذلك عند الترمذي : ” لا يشكر الله من لا يشكر الناس “

لكن إذا شكرت المخلوق عليك أن تنظر في هذه النعمة إلى المنعم الأول وهو الله

ولذا :

قال الفضيل بن عياض : ” من عرف الناس استراح ”

يعني : من عرف أن الناس لا يأتون إليه بخير ولا يدفعون عنه ضرا استراح وأراح قلبه

ولذلك :

كان عليه الصلاة والسلام يربي هذا في  نفوس الصغار

لما كان كما في السنن لما كان ابن عباس رديفا له قال :

 ” يا غلام إني أعلمك كلمات “

من بين هذه الكلمات قال : ” اعلم لو أن الأمة كلها اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف “

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بيان كرم الله عز وجل على خلقه مع عصيانهم له

فإن بني إسرائيل مع ما فعلت وقالت وتطاولت عليه عز وجل إلا أنه جل وعلا أنعم عليهم وأبهمت هذه النعم  في هذه الآية وذكرت في آيات أخر وسيأتي معنا أن من بين النعم التي عددها الله عليهم ما بعد هاتين الآيتين (( وإذ نجيناكم من آل فرعون ))

وهذا يعطينا دلالة واضحة على عظم رحمة الله بخلقه

فإنه مع ما لديهم من الذنوب ومخالفة أمره إلا أنه عز وجل يعطيهم ويغدق عليهم .

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه قال عز وجل :

(( وأني فضلتكم على العالمين ))

هذا الفضل :

الفضل : هو الزيادة فزادهم عز وجل رتبة وقدرا على هذه النعم

كيف ؟

بأن جعلهم في أعلى المقامات على العالمين

سبحان الله!

يعني : لم يقف كرمه عز وجل على هذه النعم بل مع هذه النعم أعطاهم مرتبة وشرفا وهذا به تجتمع سعادة الإنسان في الدنيا .

ونقول : في الدنيا لأن هذين الأمرين المذكورين في الآية قد يكونان نقمة على الإنسان وبالفعل إذا لم يعرف قدر هاتين النعمتين فإنها تكون نقمة كما هي نقمة على بني إسرائيل

أعظم ما يسعد به الإنسان في دنياه :

أن ينال أمرين :

ــ أن تتوفر له النعم وأن تصرف عنه النقم

ــ وأن يظفر بشرف

الآن بعض الناس قد يكون لديه ملايين يسعد بها لكن السعادة لم تكتمل

لم ؟

يريد منصبا

يريد وجاهة

وإن كان ذا منصب فإنه يبحث عن المال

هذا واقع وغريزة في الإنسان

انظروا :

كيف أنعم الله على بني إسرائيل بهاتين النعمتين

لكن من لم يقدر قدرها يخسر

ولذلك :

قال عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي :

(( ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد على المرء من الحرص والشرف لدينه ))

أعظم ما يكون طريقا سريعا لإفساد دين المسلم أن يحرص على الشرف وعلى الحرص على المال

فإن فساد هذين الأمرين لدين المسلم أعظم من فساد ذئبين جائعين أرسلا في غنم ضعيفة

ولذا :

يحذر المسلم من هذا الأمر

ولذا :

في هذا الزمن أصبحت هموم الناس في هذا الأمر

قد يضحي بدينه

انظروا :

ولذلك في صحيح مسلم ــ نطبق هذا في واقعنا وخصوصا في هذه السنوات يحرص الناس على أنه لو عرض دينه من أجل أن يظفر بشهرة أن يظفر بمال بمنصب لفعل

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :

” فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا “

عرض العرض يزول ليس بشيء

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن هذا الفضل منه جل وعلا كرم ومن منعه فضله فلم يظلمه وإنما هذا هو عدل

ولذلك في آخر سورة الحديد : كل الحديث يتعلق عن اليهود وأهل الكتاب :

(( لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ ))

ليس الفضل بأيديهم

(( وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ  ))

في سورة آل عمران :

(( وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {73} يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ {74} ))

لكن لو قال قائل :

يعني : بنو إسرائيل فضلوا على العالمين

العالم هو كل ما سوى الله

من إنس من جن من ملائكة من سماء من أرض

كل  ما سوى الله فهو عالم

أيكون بنو إسرائيل أفضل الأمم حتى أفضل من أمة محمد عليه الصلاة والسلام ؟!

الجواب عن هذا :

قال بعض العلماء : نعم هم أفضل الأمم

لم ؟

قالوا : لأن أكثر الأنبياء فيهم

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ } المائدة20

فكون الأنبياء منهم حاذوا هذا الفضل

لكن يرد على هؤلاء :

فيقال : إبراهيم ليس منهم لأنه قبلهم

ولذلك قال تعالى :

{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } آل عمران67

ومحمد عليه الصلاة والسلام أيضا ليس منهم ومعلوم أن محمدا عليه الصلاة والسلام هو أفضل الأنبياء في الدرجة الأولى

يليه إبراهيم عليه السلام

يلي إبراهيم موسى عليه السلام

الدرجة الرابعة تنازعوا :

هل الأفضل نوح أم عيسى ؟

الشاهد من هذا :

أن بني إسرائيل فضلوا على عالمي زمانهم ولا يشمل العموم

ولتعلموا :

أن كلمة العالمين في كتاب الله لها معاني :

واحصر هذه المعاني حتى تفهمها :

المعنى أول : كل ما سوى الله فهو عالم يشمل الجميع

قال تعالى : (( الحمد لله رب العالمين ))  

رب من ؟

كل ما سواه

المعنى الثاني  :

الإنس والجن فقط

{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } الفرقان1

نذيرا لمن ؟

للملائكة ؟

لا إذاً : للإنس والجن

المعنى الثالث :

أن العالمين يطلق على الإنس وحدهم :

قال عز وجل في شأن لوط مع قومه :

{أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ }الشعراء165

هل هم كانوا يأتون الجن ؟

هل كانوا يأتون ذكران الجن ؟

هل في الجن ذكور ؟

نعم

{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } الجن6

{أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ } الشعراء165

العالمون هنا هم : الإنس

المعنى الرابع : عالم زمانهم

يعني من في وقتهم كما في هذه الآية

مثل قوله تعالى :

{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ } آل عمران42

إذاً :

هذه معاني للعالمين إذا مررت بها فافهمها من خلال السياق

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه أعظم ما توقظ به القلوب : أن يذكر اليوم الآخر

ولذلك :

لما ذكرهم بهذه النعم ماذا قال ؟

قال : (( واتقوا يوما ))

انتبهوا :

يعني : من ضعفت نفسه أمام شهوات الدنيا يتذكر ذلك اليوم العصيب الرهيب

هل اليهود ساروا على الصراط المستقيم ؟

لا

(( اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ )) وهم اليهود ((وَلاَ الضَّالِّينَ{7} )) هم النصارى

إذاً : هم ليسوا على الصراط المستقيم

(( واتقوا يوما )) :

ولذلك يقول ابن القيم : ” من كان على الصراط المستقيم في الدنيا أثبت وألزم كان على الصراط الذي يوضع على متن جهنم أثبت وأسرع ، وبقدر ما يكون هنا اختلال في السير على الصراط المستقيم في الدنيا بقدر ما يكون هناك اختلال في مشيه على الصراط على متن جهنم “

ولذلك :

يقول رحمه الله لما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام الصراط الذي يوضع على متن جهنم قال :” فيه كلاليب يقول : هذه الكلاليب تكثر للإنسان بقدر ما يكثر من الذنوب وبقدر ما يقلل منها بقدر ما تقل وبقدر ما يتركها بقدر ما تزول عنه

وكل يقيس حاله في هذه الدنيا “

فأعظم ما توعظ به القلوب :

أن يذكر اليوم الآخر

ولذلك :

ما هي أركان الإيمان ؟

كم عددها ؟

ستة :

الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره

معظم وغالب ما يخوف به الإنسان في ذكر الإيمان أن يجمع الله الإيمان به مع الإيمان باليوم الآخر

(( إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر ))

(( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ))

(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ))

لم ؟

لأن الإيمان بالله يعطيك المحبة لهذا المنعم وهو الله فترجوه وتخافه

وأعظم ما ينمي الخوف والرجاء:

 أن يذكر ما في اليوم الآخر

اليوم الآخر فيه جنة تزيد الرجاء

فيه نار تزيد من الخوف من الله

ولذلك :

 لماذا يقرأ النبي عليه الصلاة والسلام سورة ق كثيرا

كما عند مسلم يقرأ على منبر يوم الجمعة ما يزيد عليها يقرأ سورة ق

لأن سورة ق ذكرت :

الموتتين الصغرى والكبرى

سكرات الموت هذه موتة صغرى 

وما يكون بعد الموت يوم القيامة هذه هي الكبرى

ولذلك قال تعالى  : (( واتقوا يوما ))