تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 43 )
تفسير قوله تعالى :
(( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ{49} ))
البقرة 49 ـ الجزء الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقوله تعالى :
((وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ{49} ))
من فوائد هذه الآية الكريمة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه عز وجل لما أوضح لهم عظيم نعمه عليهم على وجه العموم {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }البقرة47
شرع عز وجل في بيان بعض النعم المجملة في الآية السابقة
من بين هذه النعم :
إنجاؤه عز وجل لنبي إسرائيل من قوم فرعون الذين كانوا يعذبونهم أشد العذاب
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن قوله : (( وإذ نجيناكم ))
إذ : كما سبق ظرف زمان للماضي
بينما إذا ظرف زمان للمستقبل
إذا نسيت هذه المعلومة تذكر قوله تعالى :
{وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ }المدثر33
ذكر الليل وإدباره بإذ
بينما إقبال النهار
{وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ }المدثر34
فـ ” إذ ” ظرف زمان لما مضى
و ” إذا ” ظرف زمان لما يستقبل
و ” إذ ” تتضمن فعلا مقدرا
تديره : اذكر
(( وإذ أنجيناكم ))
يعني : واذكروا إذ نجيناكم
يذكرون ما يكون في المستقبل أم في الماضي ؟
في الماضي
أهؤلاء المخاطبون في عصر النبي عليه الصلاة والسلام حضروا فرعون ؟
الجواب :
لا
فلماذا خوطبوا بهذه النعمة ؟
خوطبوا بهذه النعمة مع أنهم لم يدركوا فرعون ولا زمنه لأن النعمة على الآباء هي نعمة على الأبناء
ولذلك :
لما ذكر عز وجل حال نوح عليه السلام :
{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ }الحاقة11
يعني : في السفينة
أأنتم المحملون أم آباؤكم الذين كانوا مع نوح ؟
من كان مع نوح
فخوطبوا بهذه النعمة لأن النعمة على الآباء هي نعمة موصولة إلى الأبناء
ولذلك لو حصل لأبيك خير ونعمة فإن هذه النعمة وهذا الخير لا تعدم منه فقد يصيبك شيء منه
ثم هو أمر آخر خوطبوا بهذا :
لأنهم لم ينكروا صنيع آبائهم فآباؤهم لم يشكروا هذه النعمة فلما لم ينكر الأبناء صنيع آبائهم من الكفر بالنعمة فكأنهم هم وهم سواء
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه عز وجل قال (( نجيناكم )):
النجوة : هو المكان المرتفع
المكان المرتفع يدل على الدنو أم يدل على الرفعة والسمو ؟
يدل على الرفعة والسمو
ولذلك قال عز وجل عن عيسى وأمه ((وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ )) المؤمنون50
فالنجوة : هو المكان المرتفع
وانظروا إلى مفردات حروف هذه الكلمة : نجوة
يعني : من النجاة
يعني : كل من نجا فهو في علو وهو فائز وهو غالب
سبحان الله !
كيف كل من نجا فهو فائز وغالب ؟
نعم نجاهم عز وجل
ماذا قال تعالى في أول سورة القصص ؟
((إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ{4} وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ{5} وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ))
انظروا :
هذا هو طريق الإنجاء والنجاة
ولذلك في سورة الأعراف :
{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ }الأعراف137
فكلمة النجاة كلمة محبوبة للنفوس
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الإنسان قد يقع في كروب متعددة لكن إذا زال عنه كرب معين فإنه من أعظم ما يسعد قلبه
ولذلك قال : (( وإذ نجيناكم من آل فرعون ))
نص عليهم
يمكن أن يكون بعضهم مبتلى بالمرض
ألا يمكن ؟
بلى
ألا يمكن أن يكون مبتلى بالفقر ؟
بلى
لكن كونهم منجون من فرعون هذا من أعظم النعم
أعطيك مثالا :
ـــــــــــــــــــــــــ
ابن القيم رحمه اله وهذه عبارة مشهورة وكثيرا ما أذكرها
يقول : ” لو فتشت العالم كله لوجدت أن الكل مصاب “
كل واحد مصاب حتى أنا
يقول : لو فتشت العالم لوجدت أن الكل مصاب “
كيف ؟
قال : ” إما بفوات محبوب أو بحصول مكروه “
إذا لم يكن لديك مكروه فأنت قد فاتك شيء محبوب تتمنى أن يكون بين ناظريك
حتى من هو على مشارف الزواج يتمنى أن يسرع الوقت حتى يتزوج هذا مصاب
لكن بفوات محبوب
أعطيك مثالا :
تصور لو أن الإنسان تمنى أن يملك مليون ريال ، وإذا به في السوق يفقد أحد أبنائه الصغار ممن عمره أربع سنوات
وليكن خارج المملكة
وجعل يفتش ويذهب يمنة ويسرة ، وكل ما لديه أصبح أسود
ثم إذا به يبصر ابنه جالسا عند ذلك المحل أو في ذلك المكان
تساوي كم ؟
مليون ؟
لو أراد أن يدفع مليونا من أجل أن يتحصل على ابنه
إذاً :
ما دمت في نعمة وليس بك كرب وإنما فاتك خير فاعلم أنك سعيد
كم من شخص عنده من مئات الملايين وابنه يتوجع بين يديه ويذهب به في أقصى العالم وفي مستشفيات العالم ولا يجد حلا بينما لو شاء أن يدفع ماله لدفع ماله
فالقضية قضية قناعة
ولذلك قال :
” وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ ”
لأن نقمة فرعون إذا زالت عن هؤلاء ما سواها من المصائب والمحن أمر يسير
تصور :
لو أنك تعذب ليل نهار صباح مساء تسام سوء العذاب يسام أبناؤك بناتك
هذا من أعظم الكرب
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الآل هم الأتباع (( من آل فرعون ))
يعني : من أتباع فرعون
ولذلك الصحيح :
أن آل الشخص هم أتباعه وليسوا أهله
قد يكون أهله إذا كانوا متبعين له يكونون أهلا وآلا
لكن إذا كانوا متبعين له
ولذلك :
لما نقول : اللهم صل على محمد وعلى آله “
أتباعه
أبو لهب عمه من آله ؟
لا
سلمان الفارسي من الفرس من آله ؟
نعم
ولذلك قال : ” من آل فرعون ”
مما يؤكد هذا :
أن الله عز وجل قال :
((النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ))
من هم ؟
آل فرعون
هذه الجملة من الآية تدل على عذاب القبر
{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ }غافر46
لو كان الآل هنا هم الأهل لدخلت آسية بنت مزاحم
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } التحريم11
لو كانت كلمة الآل المراد منها هم الأهل لدخلت في العذاب
وهي ليست كذلك
تفسير سورة البقرة :
تفسير قوله تعالى :
(( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ{49} ))
البقرة 49
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
www.albahre.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمازلنا في ذكر فوائد عند قوله تعالى:
((وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ{49} ))
من فوائد هذه الآية الكريمة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الآل كما أسبقنا وأسلفنا الحديث هم أتباعه عليه الصلاة والسلام أو أتباع الشخص وقررنا هذا
وزوجات الشخص من أهل بيته
لكن لو قال قائل :
فيما يخص النبي عليه الصلاة والسلام :
أزوجاته من آله الذين حرمت عليهم الزكاة ؟
لاشك أنهم من آله من حيث إنهم أتباعه وقررنا هذا
لكن من حيث الزكاة :
النبي عليه الصلاة والسلام قال : ” إنا لا نأخذ الصدقة إنما هي أوساخ الناس “
أفمحرم على زوجاته عليه الصلاة والسلام أن يأخذن الزكاة الواجبة ؟
الجوب :
نعم يحرم عليهن :
لأن الزوجات من بيت الشخص ومن آله
ولذلك :
عند مسلم في الصلاة الإبراهيمية لها صفات متعددة لكن من بين الصفات كما عند مسلم : ” اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم “
ومن الفوائد تحت هذه الآية :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال : ” ((وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ ))
أليس هذا السوم من العذاب واقعا بأمر فرعون ؟
بلى
إذاً :
أيكون هم الأتباع وفرعون شركاء ؟
نعم يكونون شركاء في الإثم
ولذلك :
قال تعالى في سورة يونس : {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ }يونس83
ذكر من ؟
فرعون والملأ
((فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ))
وبالتالي :
بما أن الآمر يشترك مع المأمور في الحكم نأتي على مسألة قد تقع :
تصور لو أن شخصا أمر شخصا بقتل شخص قال له آمرا له على وجه الإكراه بالقوة : إن لم تقتل فلانا قتلتك
فقتله
يقتص ممن ؟
من الاثنين
لو أن شخصا مسك بشخص حتى يقتله شخص آخر فهناك ممسك وهناك قاتل ما الحكم ؟
الحكم : أن القاتل يقتل وأن الممسك لهذا الشخص يحبس حتى يموت
فخلاصة القول :
أن الآمر يشترك مع المأمور في ماذا ؟
في الحكم
من أين أتينا بالدليل ؟
هنا : ” من آل فرعون “
مع أن العذاب واقع بأمر فرعون
ما الدليل الواضح ؟
ما جاء في سورة يونس
ومن الفوائد:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيان شدة العذاب الملازم المستمر من آل فرعون على بني إسرائيل مستمر لا ينقطع بل ومتنوع
أين الدليل ؟
((يَسُومُونَكُمْ ))
السوم : مما يقال : هذه بهيمة سائمة يعني ترعى في الصحراء ملازمة للرعي في الصحراء يمنة ويسرى
انظروا إلى عظم اللغة العربية كيف نشتق من ألفظها هذه المعاني
السوم :
هو المداومة والتنوع
إذاً :
((يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ ))
أنه عذاب مستمر ومتنوع
بل ليس مستمر ومتنوع بل بلغ أعظم درجاته
أين الدليل ؟
(( سوء العذاب ))
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن أعظم ما يتعذب به الإنسان أن يتعذب أهله وبين ناظريه
ولذلك :
ماذا صنعوا ؟
((يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ ))
يذبحون الأبناء وهم الشباب ويستحيون النساء
النساء هنا : البنات
سمي البنات بنساء باعتبار ما سيكون
فباعتبار ما سيكون قيل إنهم نساء
ولهذا نظائر :
قال ذلك الرجل الذي حبس مع يوسف ((أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً ))
الخمر يعصر ؟
أن أنه يعصر عنبا ؟
((أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً )) باعتبار ما سيكون
ولذلك في الحديث الذي معنا في سنن النسائي وفي الصحيح (( وتر أهله وماله ))
فأعظم ما يصيب الإنسان من العذاب أن يهان في أهله وفي ماله
ولذلك :
يتمنى الإنسان أن ماله كله يذهب وألا ينتهك عرضه
مما يدل على عظم منزلة الأهل والأبناء في نفس الشخص
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال تعالى :
((يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ ))
ما هو هذا العذاب ؟
مفسر هنا :
((يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ ))
إذاً :
ممكن أن تفسر بعض الجمل أو بعض الأحكام في القرآن بما بعدها ((يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ ))
ما هو سوء العذاب ؟
((يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ ))
لكن لو قال قائل في سورة إبراهيم يختلف السياق :
((يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ ))
أتى بالواو كأن هذه الواو تشير إلى أن هذا العذاب الذي وقع بهم وهو السوم سوء العذاب ليس هو الذبح لأن الواو أتت وفصلت الجملة الأولى عن هذه الجملة أليس العذاب هو تذبيح الأبناء واستبقاء واستحياء النساء ؟
بلى
هذا عذاب
لكن لماذا أتت الواو في سورة إبراهيم ؟
في سورة البقرة بدون واو ((يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ ))
فاتضح لنا أن سوء العذاب هو التذبيح للأبناء واستحياء النساء
لكن في سورة إبراهيم أتت الواو
((يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ ))
فهل الآيتان في سياق واحد أم أن هذه تختلف عن تلك ؟
قال بعض العلماء : يحتمل أن الواو زائدة التي في سورة إبراهيم
وزيادة الواو جاء في اللغة
وبعضهم قال : عن الواو ليست زائدة وإنما الواو تفسيرية
ومجيء الواو تفسيرية أيضا جاء في اللغة
يعني : الواو هنا فسرت سوء العذاب
ما هو سوء العذاب ؟
تذبيح الأنباء واستحياء النساء
وهناك قول جميل للقرطبي رحمه الله وأظنه أنه هو الأنسب
قال رحمه الله : ” كون بني إسرائيل منجون من العذاب هذه نعمة
ماذا قال تعالى قبلها ؟
(( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ))
ذكر على وجه الإفراد فناسب ألا يأتي بالواو فكونكم تنجون من هذا العذاب الذي هو ذبح الأبناء واستحياء النساء هذه نعمة
لكن في سورة إبراهيم :
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ }إبراهيم5
بفضائل الله عليهم
هنا مفرد ولا جمع ؟
جمع
ما الذي بعدها ؟
((إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ ))
يدل هذا على ماذا ؟
يدل على أنهم يعذبونهم عذابا مستقلا وهناك عذاب للذبح وغير الذبح
يعني :
أن بني إسرائيل كما هو مذكور في سورة البقرة هنا لا يعذبون فقط بتذبيح أبنائهم واستبقاء نسائهم بل ليس عذابين فقط لا
وإنما هناك عذاب آخر ولذلك قال ((وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ )) إبراهيم5
ثم بعدها :
((يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ)) هذا نوع آخر غير التذبيح وغير استبقاء النساء
((وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ ))
إذاً :
هذه نعم متعددة على بني إسرائيل إذ نجاهم الله عز وجل
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنهم يذبحون الأبناء لم يقل ” يذبحون “
يذبحون ” بالتشديد
التشديد ليس كالتخفيف
الكلمة إذا شددت تعطي مبالغة من أن هؤلاء يبالغون مبلغا عظيما في تذبيح هؤلاء
ولا تسأل عن صور الذبح التي تحصل لأبناء بني إسرائيل من آل فرعون
لماذا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ؟
استحياء النساء معناه هنا استبقاء النساء
يأتون إلى الذكور من الأبناء فيقتلونهم
ولذلك في سورة الأعراف : ((يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ ))
هنا :
((يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ ))
الذبح يختلف عن القتل :
انظر يعني :
ليس على صورة الذبح الذي هو قطع الرأس من الحلقوم والمريء لا أحيانا يكون الذبح بالقتل
القتل لا يلزم أن يكون عن طريق فصل الرأس من البدن لا
بطرق أخرى فانظروا كيف تنوعت صور الذبح لبني إسرائيل من آل فرعون
من أين أخذنا هذا ؟
من الآيات الكريمات
لذلك على قارئ القرآن أن يتمعن
لماذا أتت هذه الكلمة هنا ولماذا أتت هذه الكلمة هنا ؟
لماذا يستحيون النساء ؟
يستبقون البنات حيات
يبقونهن أحياء بينما الذكور يذبحونهم
قالوا فيما قالوا وليس فيها أصل في السنة ولكن مما ذكره بني إسرائيل من أن فرعون رأى في المنام رؤيا من أنه هناك نار أتت من بيت المقدس إلى مصر فأتت على آل فرعون وأبقت بني إسرائيل
ففسرت له بأن هناك شخصا من بني إسرائيل يكون هلاك ملكه على يديه
فماذا صنع ؟
أمر الجميع أن يذبح كل ذكر وأن يبقي النساء للخدمة في البيوت
لأن النساء ليس بهن تلك القوة التي يهلكن ملك الشخص وبقاؤهن خير للخدمة وللنفع
بينما الأبناء لا ، فأمر بقتل الأبناء
وكان هذا القتل استشرى في بني إسرائيل فأتى شرفاء آل فرعون وقالوا : إن أنت قتلت بني إسرائيل من الذكور ما بقي أحد يقوم بشئون البلاد
من أين نأتي بالخدم ؟ نخدم أنفسنا بأنفسنا ؟!
قال : اتركوا هذا القتل سنة وسنة افعلوا
فولد هارون كما قالوا وهي من القصص التي لا تصدق ولا تكذب لكن هناك دلائل وإشارات على يسير من هذه الحادثة
التي هي حادثة القتل قتل آل فرعون لذكور بني إسرائيل
الشاهد من هذا :
أن هارون ولد في السنة التي لم يؤمر فيها بالقتل
والسنة التي فيها القتل ولد موسى
انظروا :
إلى عظم الله
يعني : موسى الذي هلاك ملك فرعون على يديه يولد في السنة التي أمر فيها بالقتل بقتل كل ذكر من بني إسرائيل
تدل على قوة الله
ومع هذا لما خافت أمه
انظروا من العجائب : ((فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ))
يعني في البحر
سبحان الله
أخاف عليه وألقيه في البحر ؟
لأن الأمر ليس بأيدينا نحن البشر
((وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي ))
ومع ذلك
((فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ ))
وتربى في بيت فرعون وهو لا يدري
مما يدل على أن ابن آدم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفع ولا يدري ماذا يحدث له ولو بعد ثواني
فرعون لو كان يعلم
ومع هذا كله يتربى في بيت فرعون ويتغذي بطعامه وشرابه ويؤتى له بالمرضعات ولم يقبل إلا ثدي أمه
كل هذه عجائب
ومع ذلك :
سبحان الله !
كيف نفذ قدر الله
فلا تقل أنا أفعل أو أنا أعلم إن أعطاك الله مالا فلا تقل أنا ذكي وأعرف كيف آتي بهذا المال
كم من أشخاص أذكياء عند بعض التجار أصحاب البنوك العالية عنده من الاستشاريين الذين بلغوا قمة في الذكاء في إيجاد الشركات وإيجاد المعاملات ومع هم يعلمون عندهم براتب
لماذا لم يفعلوا بأنفسهم حتى يظفروا بملايين الريالات حتى لا يظفر بها هؤلاء ؟
ما لك من أمرك شيء
بعض الناس قد تراه ناقص العقل وعنده ملايين
وكم من شخص ذكي وفاهم ومع ذلك ما عنده شيء يحصل كما يقال قوت يومه
الأمر ليس بأيدينا وإنما بيد الله
وانظر إلى هذه القصة كيف أظهرت قوة الله عز وجل
ولو كان يعلم فرعون أن هذا الذي يغذى في بيته أنه سيكون أمر ملكه وهلاك ملكه عليه لما صنع
ولذلك بإذن الله تعالى في الأيام القادمة لما نشرح ما بعد هذه {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ }البقرة50
ترى عجائب قدرة الله عز وجل بين موسى وبين فرعون
كيف لما أتى إلى البحر وفعل ما فعل فرعون وفعل ما فعل موسى تجد من العجائب التي ذكرت في كتاب الله ونحن نقرؤها في سور متعددة ولكن لا نتدبر
مصيبتنا أننا لا نتدبر
بل مصيبتنا الأولى أننا لا نقرأ
كيف نتدبر ونحن لا نقرأ ؟
متى قرأنا القرآن ؟
يعني : يبخل الإنسان على نفسه في كل يوم أن يخصص ربع ساعة يقرأ القرآن
ثلث ساعة يقرأ القرآن
يجعلها كأنها من المسلمات
بل هي من المسلمات
بل هي أعظم ما يكون للإنسان
تصور لو أن الإنسان خصص كل يوم ربع ساعة نصف ساعة يقرأ فيها القرآن
بعض الناس نسأل الله العافية يمر عليه اليوم يمر عليه الشهر تمر عليه السنة ما يقرأ إلا في رمضان أو في المدارس
كيف يتكون حياته كيف سمع كلام الله ؟
كيف يقرب من الله ؟
كيف يزيد من إيمانه ؟
(( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ))
الإيمان يتعلم
الإيمان يتعلم كما يتعلم الكتاب
كيف تتعلم الإيمان ؟ بالقرآن
ولذلك بعض الصحابة يقول لما أسلمنا تعلمنا الإيمان والقرآن معا
ولذلك يقول الله عن نبيه عليه الصلاة والسلام :(( وجدك ضالا فهدى ))
الهداية ما هي ؟
ليس ضالا
ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام لم يعبد الأصنام قبل البعثة ومع ذلك تفسيرها ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان لكن لما أتاه هذا الكتاب وهذا الإيمان كيف زاد إيمانه وذهب عنه الضلال وأتاه الهدى
ولذلك يجب علينا أن نحرص على كتاب الله فلا نظلم أنفسنا ولا نلوم أولادنا ولا نتوجع ونتفجع لما تصاب ببعض الأمراض الوهمية أو بعض أبنائه يصاب بأمراض وهمية
لم ؟
أين قراءة القرآن من يومك
وخصوصا بعد وسائل الواصل
نحمل الجوال ممكن عشرين ساعة في اليوم
سبحان الله !
كأن مصالح الدنيا ستفوت عليه
معك هذا الجوال في الفيسبوك في التويتر في اليوتيوب
ماذا حققت لنفسك ؟
أعطني فائدة دنيوية دع عنك الدينية
حرق أعصاب وتوتر وضياع أوقات وضياع حسنات
وإلى الله المشتكى وكل يحاسب نفسه