تفسير سورة البقرة الدرس ( 47 ) [ وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة .. ] الآيتان ( 51 52 )الجزء الثاني

تفسير سورة البقرة الدرس ( 47 ) [ وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة .. ] الآيتان ( 51 52 )الجزء الثاني

مشاهدات: 446

تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 47 )

تفسير قوله تعالى :

(( وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ{51} ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{52} ))

الجزء الثاني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فتفسيرنا في هذه الليلة لقوله تعالى :

((وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ{51} ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{52} ))

 

تحدثنا في الليلة الماضية عن مجمل قصة ما جرى لموسى عليه السلام مع قومه بعد أن نجاهم الله من الغرق ومن فرعون

فقال عز وجل هنا :

((وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ{51} ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{52} ))

من فوائد هاتين الآيتين الكريمتين :

أنه قال (( وإذ ))

والواو عاطفة معطوفة على ما قبلها من باب تعدد وتعداد النعم على بني إسرائيل فإن الله في هذه الآيات الكريمات التي في هذا السياق قد نجاهم مرتين أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب

وأيضا نجاكم من الغرق في  البحر

 

ومن الفوائد :

 

وسبق تكرارها وتكرار العلم على السمع مطلب لتثبيته وتقويته :

أن إذ تختلف عن ” إذا ”

إذ  وإذا يتفقان في شيء :

أن كلتيهما ظرف زمان

بينما يختلفان في أمر أن ” إذ ” في الزمن الماضي وإذا في الزمن المستقبل إذا ذهبت عنك هذه المعلومة فأين تجدها :

(( والليل إذ أدبر والصبح إذا أسفر ))

فغاير بين الأمرين لأن الليل لما أدبر ومضى أتى بإذ والصبح سيأتي أتى بكلمة إذا التي هي للمستقبل

 

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــ

إثبات صفة الوعد من الله

 

فقد وعد موسى بعد أربعين ليلة أن يعطيه التوراة ولذلك في آيات كثيرة:

(( وعدكم وعد الحق ووعدتكم ))

(( وعد الله لا يخلف الله وعده ))

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أن كلمة موسى كما يقولون أصلها موشى

 

يقولون أصلها موشى لأن هذا الاسم مكون من كلمتين مو ، وشى

كيف ؟

قالوا : لأن موسى لما رمت به أمه في البحر وجده من وجده من آل فرعون بين الماء والشجر فمو : عبارة عن الماء

وشى : عبارة عن الشجر

فقلبت الشين سينا فقيل موسى

 

ومن الفوائد :

أن موسى عليه السلام أفضل أنبياء بني إسرائيل

 

لأن أفضل الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام

يليه إبراهيم

يليهما موسى

وتنوزع في أيهما أفضل :

عيسى أو نوح ؟

وهؤلاء الخمسة هم أولوا العزم من الرسل :

(( فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ))

عندهم عزم وقوة وشدة

ولذلك آدم ليس من أولوا العزم

ولذلك ماذا قال الله عنه في أواخر سورة طه ؟

{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } طه115

إذا أردت أن تعرف وأن تضبط هؤلاء الخمسة فاقرأ الآية التي في سورة الأحزاب :

ما هي ؟

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } الأحزاب 7

خمسة هم أولوا العزم من الرسل

وأفضل أنبياء بني إسرائيل هو موسى عليه السلام .

 

لو سأل سؤالا :

أيهما أسبق موسى أو يوسف ؟

يوسف أسبق

لاشك أن يوسف قبل موسى وذكرنا دليلا

 

قال عليه الصلاة والسلام عند الحاكم :

(( أيعجز أحدكم أن يكون كعجوز بني إسرائيل ))

ولما أظلم عليهم الطريق قال علماؤهم : ” إن يوسف أخذ علينا العهد ألا نخرج من مصر حتى نحمل عظامه قال دلوني عليه

قالوا : لا تعرفه إلا عجوز بني إسرائيل

فدل هذا على أن يوسف قبل موسى ولذلك لما وجدوه أضاء لهم الطريق

 

وهناك دليل من القرآن على أن يوسف قبل موسى :

{وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ }غافر34

وسورة غافر ذكر فيها ماذا ؟

ذكر فيها ما يتعلق بموسى وبفرعون

يحتاج إلى أن نتأمل

 

سؤال آخر :

أيهما أسبق داود أم موسى ؟

موسى

والدليل :

((أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ))

بعث الله إليهم طالوت

((فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ ))

بعدها :

((وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ{250} فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ ))

من الأسبق ؟

موسى أسبق من داود

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــ

أن الله عز وجل وعد موسى بعد أربعين ليلة أن يعطيه التوراة

هذه الأربعون مجملة أم مفصلة ؟

مفصلة :

أول ما وعده بكم ليلة ؟

ثلاثين ليلة

ثم عشرا

في سورة الأعراف :

(( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ ))

تلك الثلاثون ماذا قال عنها جمهور المفسرين ؟

أي شهر ؟

شهر ذو القعدة

أنا ما ذكرت القصة مجملة إلا أريد أن أذكركم بالأمس

فجمهور المفسرين على أن الثلاثين هي شهر ذو القعدة

والعشر هي عشر ذي الحجة

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال (( أربعين ليلة ))

بعض الناس يقول نخرج ندعو إلى الله

كم تخرجون من يوم ؟

قالوا : أربعين يوما

قد يستدلون بهذه

وقد يستدلون بحديث لكنه لا يصح : ” من أخلص لله أربعين يوما فقد تفجرت ينابيع الحكمة على لسانه “

فالدعوة إلى الله لا تخص زمنا دون زمن ولا يحدد وقت دون وقت بل إن الإنسان في جميع أحيانه وأحواله في بلده وفي خارج بلده هو داع إلى الله

تخرج من المسجد فترى أمرا لا يرتضيه الله هنا أنت داعي

ترى أمرا في المسجد على أخيك المسلم أنت داعية

في بيتك أنت داعية

في عملك أنت داعية

دون أن يخصص زمن دون آخر

ولذلك :

تخصيص أيام معينة للخروج للدعوة إلى الله وينص على هذه الأربعين أن لها فضلا وان الخروج للدعوة ثلاثة أيام لها فضل هذا من البدع وليس لها أصل في شرع الله

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه قال : (( أربعين ليلة ))

لم يقل أربعين يوما

نريد إذا قرأنا القرآن أن نأخذ كلمة ولذلك يقول ابن مسعود : ” من أراد علم الأولين والآخرين فليثور هذا القرآن “

ما معنى يثور ؟

مثل الثور لما يحرث به الأرض

ماذا يصنع بالأرض ؟

يقلبها

فيقول : ” من أراد علم الأولين والآخرين فليقلب هذا القرآن “

ولذلك ماذا قال ؟:

(( قال لا تهذوه هذ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل وقفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة ))

 

لماذا قال أربعين ليلة ولم يقل أربعين يوما ؟

 

قال ” أربعين ليلة ” : لأن الأيام المعتد بها شرعا إنما تكون بالهلال لا بالشمس

ولذلك علق الشرع جميع الأحكام في دخول الشهر وفي خروجه بالقمر

وأين محل القمر ؟

بالليل وليس بالنهار

ولذلك ما يقال من أنه يلغى الاعتماد على الهلال ويكون هذا بالحساب هذا خطأ محض

بل قال شيخ الإسلام : ” من قال إن الشهور يجب أن تثبت بالحساب دون النظر إلى الأهلة يقول هذا مبتدع

لم ؟

لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين : ” إنا أمة أمية لا نحسب قال : لا نحسب ولا نكتب الشهر هكذا وهكذا

وأشار عليه الصلاة والسلام إلى تسع وعشرين وإلى ثلاثين

دل على أن الشهر الشرعي لا يمكن أن يزيد على ثلاثين ولا يمكن أن ينقص عن تسع وعشرين

 

وأيضا هناك فائدة لما ذكرت الليالي هنا :

لأن الليلة أسبق من النهار

أيهما الأول ؟

الليل

 

الدليل ؟

{وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } يس37

دل هذا على أن الأسبق وأن الأصل هو المنسوخ منه

ما هو المنسوخ منه ؟

الليل

ينسخ منه ماذا ؟

النهار

 

ومن فوائد هذه الآية الكريمة :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

أن هنا ما يسمى عند البلاغيين بالإيجاز

الإيجاز :عند أهل البلاغة نوعان :

إيجاز حذف وإيجاز قصر

إيجاز حذف :

إما أن تحذف كلمة أو تحذف جملة

 (( ما ودعك ربك وما قلى ))

أصلها : ما ودعك ربك وما قلاك

وما قلى : يعني ما أبغضك

يعني : ما تركك ربك وما قلاك

هنا إيجاز حذف

حذف ماذا ؟

حرف وهو الكاف

هناك إيجاز قصر :

ــــــــــــــــــــــــــــ

هنا : ((وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ ))

لو في غير القرآن والآيات الأخرى تدل على ذلك :

وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة فلما انتهى العدد ذهب موسى والتقى بربه و و و

أتى القرآن وجمع

ولذلك في قصة يوسف قال الملك :

((وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ{43} قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ{44} وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ{45} ))

فذهب هذا الرجل من هذا الملك إلى السجن ودخل السجن ثم خاطب يوسف

هذا إيجاز قصر وليس إيجاز حذف

ولذلك أعظم ما يكون في القرآن من نوعي الإيجاز إيجاز القصر الذي هو هذا

 

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهي في أول الآية :

قال : ((وَإِذْ وَاعَدْنَا ))

بعض الناس يقول : أوعدك أني آتيك

 

أوعدك 

خطأ

في التهديد أوعد

وفي الترغيب وعد

هنا  ( واعدنا )

بعض  الناس يقول : أوعدك أني آتيك

ترى هذا فيه ترهيب له وتخويف

في اللغة العربية لا يصح تقول أوعدك أعدك

ففرق بين وعد وأوعد

أوعد : سينزل به العقاب

وعد : سيعطيه الخير والثواب

 

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

أن قصة اتخاذ بني إسرائيل للعجل بعد ذهاب موسى ذكرناها مفصلة في الليلة السابقة إلى درجة أن الإنسان إذا أعمى الله بصيرته أحب هذا المبغوض عند الله أحبه حبا عظيما

ولذلك في نفس السورة :

((وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ))

هنا فيه حذف ، حذف المضاف وأشربوا في قلوبهم حب العجل

هذا معنى الآية

أشربوا من الشراب والشراب لما يدخل في الجوف يتغلغل فيه

وهذا يدل على ماذا مع أنهم رأوا الآيات العظام إلا أن عبادة غير الله قد ولجت في قلوبهم وبلغت مبلغا عظيما

وهذا يدل على أن الموفق من وفقه الله لا يحتاج إلى بينة أو برهان أو دليل

ولذلك :

الصحابة آمنوا بالنبي عليه الصلاة والسلام بأيسر ما يكون ولم يطلبوا الآيات والحجج

ولذلك :

لما أخبر عليه الصلاة والسلام أن الدجال يمكث في الأرض يوم كسنة

قالوا : يا رسول الله

هم لم يقولوا : كيف يوم واحد كسنة لم يسألوا هذا السؤال لأن القلوب مقبلة أتى الأمر من الله سمعنا وأطعنا

أتى النهي من الله سمعنا وأطعنا

لم يقولوا كيف يوم مثل سنة ؟

مثل بعض الناس قليل الإيمان يأتي ويقول لماذا هكذا

يا أخي اقبل وانتهى الأمر هذا شرع الله

ولذلك لما سألوا سألوا عن أمر في عبادتهم

قالوا : يا رسول الله أتكفينا صلاة يوم في هذا اليوم الذي هو سنة

قال : لا اقدروا له قدره

 

ولذلك ينبغي إذا سألت أن تسأل عما يصلح قلبك لا تسأل عن أشياء لا طائل من ورائها