تفسير سورة البقرة
تفسير قوله تعالى :
{ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ{58} فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ{59} }
البقرة 58 ، 59 ( 2 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسير قوله تعالى : وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)
من فوائد الآيتين الكريمتين: أن الله عز وجل أمر بني إسرائيل بعبادة فعلية وبعبادة قولية إذا دخلوا هذه القرية فما هي هذه القرية؟ هي بيت المقدس أو بيت المقدَّس بالتخفيف والتشديد ويصح أن تقول بيت إيلياء.
قال النووي رحمه الله: يوصف بأنه بيت المقدس أو بيت المقدَّس أو بيت إيلياء، فأمروا بعبادة قولية وبعبادة فعلية ماهي تلك العبادة الفعلية التي أمروا بها إذا دخلوا فاتحين هذه القرية؟
هي أن يدخلوا سُجَّدا وذكرنا ما يخص السجود وما يتناسب مع حالهم فيما يخص السجود والعبادة القولية هي أن يقولوا حِطَّة.
ومن الفوائد: معنى قوله حِطَّة يعني مسألتنا حطَّة تحطُ بها عنا ذنوبنا وخطايانا.
ومن الفوائد: أن هذه العبادة القولية والعبادة الفعلية مُرتبٌ عليها جزاء فما هو هذا الجزاء؟ أن تُغفرَ خطاياهم لأن مغفرة الذنوب من أعظم النعم وما أغلقتْ أبواب الخير ولا أبواب الرزق ولا وجدت النِقمُ والبلايا والسَقَمْ إلا من طريق الذنوب فإذا خلصك الله عز وجل من الذنوب فقد غَنِمتَ مغنمً عظيماً.
ابن القيم رحمه الله في كتابه الداء والدواء المسمى بالجواب الكافي ذكر أثآراً عن الذنوب تبلغ خمسينَ أثراً من الآثار السيئة التي تنجم عن الذنوب ولذلك قال رحمه الله: ما وجد بلاء حل بالأمم السابقة إلا بسبب الذنوب أنظر إلى حال ما جرى لقوم نوح، ما جرى لقوم هود، ما جرى لقوم صالح، ما جرى لقوم لوط إلى عموم ما جرى من العقوبات التي أنزلها الله عز وجل بالأمم السابقة بسبب الذنوب.
ومن الفوائد: أن مغفرة الذنوب من خصوصيات الله عز وجل وأن الله هو الذي يغفر لكن، لو قال قائل هل العبد يغفر؟ هل المخلوق يغفر؟ يصح أن يوصف بأن المخلوق يغفر ولكنها، مغفرة تجاوز في حدودها قال تعالى: (( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ )) فجعل هناك مغفرة تكون من المخلوق لكن مغفرة الذنوب إنما هي من خصوصيات الله عز وجل، ولأن الله تعالى إنما أباح وأجاز للمخلوق أن يغفر بأمره عز وجل وإلا لو شاء لمنع أن يوصف المخلوق بأنه يغفر كما هو الأمر، وهي مغفرةُ معنوية كما هو الشأن في التوبة، أيجوز أن يقول العبد للعبد أتوب إليك؟ التوبة لا تكون إلا إلى الله عز وجل كما في قوله تعالى: (( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ )) أما المخلوق فإنه لا يُتابُ إليه إلا إذا كان المقصود مقصوداً لُغَوياً ولذلك عائشة رضي الله عنها لما اعتذرت إلى النبي صلَّى الله عليه وسلم قالت: أتوب إلى الله وإلى رسوله، فالتوبةُ إلى الرسول هو الرجوع وعدم العودة إلى هذا الزلل وهو المعنى اللغوي لا التوبة العامة وكذلك الشأن في القنوت، القنوت لله عز وجل: (( كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ )) لكن بالمعنى اللغوي يجوز أن يَقنت في اللغة المخلوق للمخلوق ( قنوتاً لغوياً معنوياً ) كيف؟ القنوت: هو الطاعة ويجوز أن يطيع المخلوق المَخلوق والدليل: (( وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ )) يعني تطيع الرسول صلَّى الله عليه وسلم شأنه كشأن الرزق فإن الله هو الرزاق، وهل يصح أن يوصف المخلوق بأنه يرزق؟ نعم يصح قال عز وجل: (( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ )) لكن لا يجوز للمخلوق ارزقني، فرق بين أن يوصف وبين أن يطلب منه فخلاصة القول أن مغفرة الذنوب هي من خصوصيات الله عز وجل.
ومن الفوائد: أن توبتَ العبد ورجوعه إلى الله تعالى هي إحسان لذلك قال: (( وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ )) يعني إذا فعلتم هذه العبادة الفعلية وتلك العبادة القولية فأنتم محسنون وإذا أحسنتم زادكم الله عز وجل وهذا يدل على أن المسلم ينبغي له أن يحرص على الإحسان، الإحسان في كل شيء فالإحسان له ثمرات كما جاء في هذه الآية.
ومن ثمرات الإحسان لو أتينا للحديث الوارد عن مسلم لما فسر النبي صلَّى الله عليه وسلم الإحسان: ( مراتب الدين ثلاثة أولاً الإسلام ثم أعلى منه الإيمان ثم أعلى منه الإحسان فالإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) فالإحسان درجة واحدة وهذه الدرجة مجزأة إلى جزئين فالإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإذا عجزت عن هذه الجزئية أو هذه المرتبة فعبد الله ولتعلم أنه يراك ولذلك من فوائده الإخلاص لأنك لا يمكن أن تقدم على هذا الأمر إلا لأنك مخلص لله عز وجل ومخلص في عملك لذلك بعض العلماء سمى الإحسان بالإخلاص لأن النتائج الحقيقية من الإحسان أن تكون مخلصاً أيضاً فيما يخص الإحسان الزيادة إذا كنت محسناً في حق الله عز وجل تأتيك الزيادة من الله تعالى كما في الآية وأيضاً تأتيك الزيادة في ما يخص عملك الدنوي ولذلك ألم يقل صلَّى الله عليه وسلم: (( إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يُتقنهُ )) أي يُحَسِنَهُ لأنه الإحسان هو الإتقان.
ومن الفوائد: أن هؤلاء وهم بنُو إسرائيل ماذا صنعوا؟ أُمروا بأمرٍ من الله عز وجل بعبادة فعلية وبعبادة قولية فما هو حالهم مع هذا الأمر؟ (( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ )) هنا ذُكرَ أنهم بدلوا العبادة القولية فهل قاموا بالعبادة الفعلية؟ لا لم يقوموا بالعبادة الفعلية هم بدلوا القول وبدلوا الفعل، بدلوا القول كما جاء مُصرحاً في هذه الآية أما الفعل فقد بدلوه كما جاء في الصحيحين قول النبي صلَّى الله عليه وسلم: (( لما أمرت بنو إسرائيل أن يقولوا حطّة قالوا حبةُ في شعيرة وأمروا أن يدخلوا الباب سُجداً فدخلوه وهم يزحفون على أسداههم يعني على مقاعدهم )) فوقع منهم التبديل القولي والفعلي وفي رواية قالوا حِنطَةَ في غير الصحيحين بدل حِطَةَ وفي رواية حَبةُ في شعيرة كما ذكر هذا في الصحيحين ف أيهما أصح؟ الجواب أن طائفة منهم قالوا حبةُ في شعيرة وطائفة منهم قالوا حِنْطَةَ فدل هذا على أن التبديل والتغيير على أي صفة وقعت ف أنما هو إجرام سواء كان بتبديل اللفظ كُليةً كما قالت طائفة منهم حبَةُ في شعيرة خالفوا لفظ (( حِطَةْ )) أو كان التبديل في زيادة ولذلك أضافة طائفة منهم النون فاقلوا بدل حِطةْ حِنطَة وهذا يرد على من قال من العلماء على أن التبديل الذي وقع منهم إنما لما لم يفعلوا كأنهم بدلوا والصحيح أن التبديل وقع بنص السنة وإن التبديل وقع منهم بالقول والفعل.
ومن الفوائد: أن ابن القيم رحمه الله يقول أن الجهمية فرق قديمة وضالة ولا يزال هناك رواسب لها ولكن فيما يخص الأسماء والصفات التي لله عز وجل هناك ثلاثة طوائف:
فيقول ابن القيم رحمه الله الجهمية أصلهم من اليهودية كيف؟ لو أتيت إلى سلالة معتقد الجهمية فالجهم بنُ صفوان أخذ معتقدهُ عن الجعد بن درهم والجعد أخذه عن أبان بن سمعان وأبان أخذه عن طالوت، وطالوت أخذه عن لبيد بن الأعصم الذي سحر النبي صلَّى الله عليه وسلم ولبيد من هو؟ هو يهوديّ، إذا الجهمية الضالة في أسماء الله وصفاته من حيث التسلسل التاريخي المذاهبي ينتسبون إلى اليهودية أيضاً ليس فقط من حيث التسلسل التاريخي بل من حيث الفعل والمنهج فإن ابن القيم رحمه الله يقول: ( إن الجهمية لما أرادوا أن ينفوا عن الله سبحانه وتعالى صفة الاستواء على العرش قالوا بدل استوى قالوا استولى ) أضافوا حرف اللام واليهودية ماذا صنعت؟ بدل أن يقولوا حِطةَ قالوا حِنْطَةْ أضافوا حرف النون، فإذاً تجد اليهودية أفكار وسموم والعلمانية من اليهودية، والعلمانية منها حزب البعث الموجود في العراق قبل أن يُطاح بصدام حُسين وهو الآن موجود في سوريا.
يريد اليهود من العلمانية أن يحطموا الدين في الدول الإسلامية حتى تنتهي فيتمكن اليهود من الاستيلاء على بلدان المسلمين لذلك هم أوجدوا الرافضة، والرافضة هم من اليهودية كيف؟ لما قُتل عثمان رضي الله عنه من الذي خرج بعده؟ الذي إدعى في علي بن أبي طالب الألوهية ( يعني ألهَ علياً رضي الله عنه ) هو عبدالله بن سبئ اليهودي غالى في علي ومن يغالي في علي هذه الأيام؟ الرافضة.
فأراد علي أن يُحَرِقَهُ بالنار لكن ابن عباس أشار على علي رضي الله عنهما أن ينفيهُ إلى المدائن، إذن من أين خرج الرافضة؟ من اليهودية والعلمانية من اليهودية والآن النُصيرية في سوريا ( العلويين ) لأن فرنسا لما استعمرت سوريا سمت النُصيرية بالعلويين ( النصيرية العلوية من الروافض وهم غلاة الرافضة وهم الباطنية ) وكم قال شيخ الإسلام رحمه الله هم أكفر من اليهود والنصارى والإسماعيلية الرافضية ترجع إلى الرافضة وكذلك الدروز نفس القضية منبعها من الروافض، إذن كُلُ هذه الفرق نبعت من اليهود ثم لتعلموا أن أي خروج على ولاة المسلمين في أي عصر من العصور لن يستفيد منه إلا الرافضة سُنةُ الله في الكون فلما أثاروا على عثمان رضي الله عنه وأمروه بالخروج وقتلوه من استفاد؟ الرافضة.
لما تأتي على أي دولة سقطت حتى في هذا العصر مثلاً العراق لما أُطيح بصدام من استفاد؟ الرافضة وما يحدث الآن في مصر وفي غيرها من البلدان التي سقط فيها زعمائها المستفيد هم الرافضة، إذن لا خير في إسقاط الولاة بل هذا خلاف معتقد أهل السنة والجماعة ولو جاروا ولو ظلموا بل كما قال الشيخ بن باز وابن عثيمين رحمهما الله: ( لو اعتبرنا أن هذا الزعيم كافر ولكن يترتب على إزالته أن الدماء تسفك والأعراض تنتهك ولا يكون هناك أمن فأنه يبقى الحال كما هو عليه فبقاؤه خير للمسلمين من اسقاطه ) ثم ما ينتج عن ذلك من شرور ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله: ( لو تأملت في حال البلدان الإسلامية لوجدت أن الشرور ما دخلت عليها إلا من هذا الباب وهو اسقاط الولاة ) كيف؟ لأن بعض من الناس يقول نريد الإصلاح أي يريد أن ينكر المنكر فيترتب على إنكاره المنكر منكرُ أكبر ونظير هذا أو من باب هذا الخروج على الولاة فإذا طُلبَ من الولاة أن يتكروا منكراً ولم يفعلوا فيترتب على عدم فعلهم أن يُخرج عليهم وهذا مُنْكَرُ أكبر ويترتب على ذلك الفوضى والنزاع والخوف لذا لما تنظر إلى حال بعض البلدان الإسلامية التي سقط زعمائها وعدم الأمن وانحطاط الاقتصاد ولا يُدرى إلى متى تستمر هذه الحال.