تفسير سورة البقرة الدرس ( 56 ) [ وإذ استسقى موسى لقومه … ] الآية ( 60 )

تفسير سورة البقرة الدرس ( 56 ) [ وإذ استسقى موسى لقومه … ] الآية ( 60 )

مشاهدات: 457

تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 56 )

قوله تعالى : ((وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ{60} )) البقرة 60

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشيخ زيد بن مسفر البحري :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسيرنا في هذه الليلة لقوله تعالى :

((وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ{60} ))

فمن فوائد هذه الآية الكريمة :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن كلمة ” إذ “ مرت معنا في آيات كثيرة وكلمة ” إذ “ ظرف زمان يدل على الماضي تعلق به فعل مقدر ما هو ؟

اذكر

إذا أتتك كلمة إذ فاعلم أن بها فعلا مقدرا ” اذكر  “

يعني : اذكر وقت استسقاء  موسى لقومه

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

أن هذه الآية وهو الاستسقاء متى كان ؟

قال كثير من المفسرين : ”  في التيه لما أصابتهم حرارة الشمس ظللهم الله بالغمام أين المطعم والمشرب ؟

المن والسلوى

أين الماء ؟

هنا طلبوا من موسى أن يستسقي ربه للإتيان بهذا الماء

 

هم طلبوا في سورة الأعراف  :

((وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ))

إذاً : لا غنى لنا عن التدبر والتأمل حينما نقرأ

إذاً :

موسى استسقى ربه بناء على طلب قومه

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن كلمة استسقى أو الاستسقاء معناها الطلب

يعني : طلب موسى من ربه الماء

من أجل قومه

فما هو الأمر منه عز وجل ؟

أو هذا السؤال يطرح نفسه قبل هذا

فما هو الجواب منه جل وعلا لموسى ؟

((وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ ))

إذاً : هنا دعوة

موسى دعا ربه أن يكون هناك ماء لقومه هل أجاب الله دعوته أم لا ؟

أجاب  دعوته

الدليل ؟

((فقلنا اضرب))

إذاً : كلمة اضرب تدل على أن هناك شيئا محذوفا وهذا ما يسمى بالإيجاز في القرآن

((وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ )) ــ فاستجبنا له ـ فقلنا اضرب )

فانظر كيف تحمل بعض  الكلمات معاني أخرى في كتاب الله عز وجل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن موسى ضرب بعصاه الحجر ألا يمكن منه جل وعلا أن يقول للماء انبع فينبع ؟

بلى

هذا يدل على ماذا ؟

يدل على أن المسلم مأمور بفعل الأسباب وإلا فهو عز وجل قادر على كل شيء

ولذلك مريم وهي في حال المخاض وبعد الوضع أمرت بماذا ؟ والماء عندها

أن تهز ماذا ؟

جذع النخلة

جذع النخلة يهز ؟

لو هززت جذع النخلة يتحرك معك  ؟

الجواب  لا

وهذا يدل على أن ابن آدم مأمور بفعل السبب

{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } مريم25

وإلا لو شاء جل وعلا أن تجنيه من غير هز لجنته ولكنه جل وعلا أراد أن يكون هناك سبب من العبد

 

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن موسى إذا ضرب بعصاه وهذه العصا لها عجائب

هذه العصا اختلف المفسرون فيها ما هي هذه  العصا

نقول  : رويدكم الأمر لم يصرح به لكن أقرب ما يكون أن هذه العصا هي العصا التي كانت في يد موسى على وجه الاستمرار

(( وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى {17}  قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى {18} ))

((وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي )) ليس الغرض أن يهش بها من أجل أن يحركه يمنة ويسرة لا

بل المقصود ((وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي )) أنه يضرب  أوراق الشجر فتسقط فتأكل غنمه منها وليس المعنى أنه يهشها يمنة ويسرى

لا

((وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى{18} ))

هذه العصا ربما تكون هي العصا لما كانت معه وكان عند فرعون {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } الشعراء45

يمكن أن تكون هذه العصا هي العصا التي أمر الله موسى البحر أن ينفلق

{فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ }الشعراء63

((قَالَ هِيَ عَصَايَ ))

بعض الناس يقول عصاتي هذا خطأ في اللغة العربية خطأ في اللغة العربية أن تقول عصاتي وهذا ما درجت عليه ألسنتا فالصحيح : هذه عصاي

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن موسى ضرب هذا الحجر

ما هو هذا الحجر ؟

أهو حجر معين أو أي حجر يضربه موسى يحصل منه هذا النبع

إن قلنا هو أي حجر فتكون (( الـ )) التي  في  الحجر (( الـ )) للجنس أي جنس أي حجر

وإن كان حجرا معينا فال هنا في اللغة العربية للعهد يعني للحجر المعهود الذي كان مع موسى وينتقل به

يحتمل هذا ويحتمل هذا والعلم عند الله

أهم شيء عندنا :

أنه حجر ضرب بالعصا فهذا الحجر بضرب  موسى بعصاه له تفجر بقوة من الله غز وجل

إذاً : الحجارة مع شدتها وصلابتها تلين بل تنبع منها الحياة

أي حياة ؟

الماء

ولذلك

سبحان الله لما ضرب موسى لبني إسرائيل بعصاه الحجر لكي يخرج الماء ورأوا الحجر كيف ينبع منه الماء هنا مع ذلك كما سيأتي معنا ((ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ))

لم يقل  : كالحديد لأن الحديد إذا وضع في النار ينصهر

وهذه الحجارة مع أنكم رأيتم الماء ينبع منها تذكروا :

((  وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )) البقرة74

فضرب  موسى عليه السلام بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا

كم عين ؟

اثنتا عشرة عينا

اثنتا ويصح في اللغة ثنتا عشرة

ويصح : اثنتا وثنتا

مثل أنبت ونبت

لا إشكال في ذلك

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أنه عز وجل لما يذكر القصة كاملة مجتمعة فيما جرى من بني إسرائيل في التيه نجد أنه فيما مضى من آيات ذكر ما يخص المن والسلوى ، ثم ذكر ما يخص دخولهم إلى القرية ثم ذكر ما يخص الماء والشرب لهم في التيه

ثم سيذكر بعد ذلك ما ملت به نفوسهم من الطعام

لم ؟

العلم عند الله لو أنها عرضت مجتمعة على نسق  واحد ما كان هناك تذكر ولا تذكير لكن لما ذكرت متفرقة دل على أن كل شيء حصل منهم فقابله الله بالإحسان إليهم نعمة تستحق كل واحدة أن تشكر

فهذا من باب التذكير والتذكر لأنه الو قيلت جملة واحدة انتهى التذكر والتذكير في حينها

لكن لما كانت متفرقة هنا يذكرهم بين الفينة والأخرى بما جرى من أسلافهم السابقين

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

أن قوله : ((وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ ))

اللام هنا سببية يعني : لأجل قومه

وهذا سببه :

أنهم طلبوا منه عليه السلام أن يستسقي لهم الماء

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــ

بيان معجزة الله عز وجل في هذا الأمر

كيف أظهر المعجزة على يد هذا النبي الذي هو موسى عليه السلام فضرب بهذه العصا على هذا الحجر فتفجر من هذا الحجر الماء

ههذ معجزة

و المعجزة :

هي الأمر الخارق للعادة

أي أمر خارق عن العادة انتبه :

أي أمر خارق عن العادة

يعني لم تجر العادة يعني لو أضرب هذا الجدار فخرج منه ماء ما جرت العادة

فلو ضربت هذا الجدار ضربة فخرج منه الماء هذا أمر خارق عن العادة ليس معتادا

وليس  من المعتاد مثلا :

أن أكون في صحراء  وقد انطفأ جوالي لفراغ الشحن ليس من المعتاد أن يشتغل إلا بشحن ، فلما احتجت إليه حصل الشحن اشتغل

هذا أمر خارق  للعادة

الأمر الخارق للعادة إن أجراه الله على يد نبي فهو معجزة

وإن أجراه الله على يد رجل صالح تقي فهي كرامة

ولذلك :

مما صح أن عمر رضي الله عنه كان يخطب في المدينة وسارية بن زنيم قائد له في العراق في معركة كاد العدو أن يحدق به فعمر رضي الله عنه نادى : يا سارية الجبل

يعني  : يا سارية الزم الجبل

هذا خارق  عن العادة من المدينة إلى العراق يصل صوت عمر إلى سارية فإذا بسارية يذهب فيتحصن بالجبل

هذا أمر  خارق للعادة

لكن إذا أجري هذا الأمر الخارق للعادة على يد نبي كما هو الشأن في موسى فهو معجزة

إن أجري على يد رجل تقي صالح فهو كرامة

إن أجري  على يد فاسق فاجر فهي شعوذة

ولذا :

بعض السحرة أو بعض المشعوذين يمكن أن يأتي بأشياء غريبة

ولذلك ما يعرض نعرفه قديما لكن لا أدري أيعرض الآن أم لا

العروضات السحرية :

يخرج من رأسه نار

يخرج من فمه حمامة

هذه لا يجوز مشاهدتها ولا يجوز عرضها

 

ولذلك :

 جندب لما أتى رجل أظن من المشرق  من العراق  قد وضع حبلا في المسجد وإذا به يُركض حمارا ركضا شديدا على هذا الحبل وهناك فيل فيدخل هذا الحمار في فم هذا الفيل ويخرج من دبر الفيل وكان هذا الرجل يأتي إلى الرجل ويقطع رأسه ثم يقوم قم فيقوم

فأتى جندب وأخذ  السيف وضرب هذا الرجل فقطع عنقه قال : أحيي نفسك إن كنت صادقا (( أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ )) الأنبياء3

يعني سحر أعين الناس

فمثل هذه العروض السحرية لا يجوز أن تعرض ولا يجوز أن تشاهد

فالشاهد من هذا:

أنه إذا حصل  هذا الأمر الخارق للعادة على يد فاسق فاجر فإنما هي شعوذة

ولذا :

ذكر شيخ الإسلام عن السلف أنهم قالوا : لا يغرنك الرجل يطير في السماء ويمشي برجليه على الماء حتى تراه عند الأمر والنهي

حتى تراه عند أمر الله كيف هو ؟

كيف  تراه عند نهي الله كيف هو ؟

إن لم يكن ذلك الرجل عند أمر الله وعند نهي فهو مشعوذ

ولذلك :

يجري الله عز وجل على يدي الدجال كما جاءت بذلك الأحاديث يجري أمورا عظاما

يقول للسماء : أمطري فتمطر

للأرض أنبتي فتنبت

ففرق بين الشعوذة والكرامة

 

وهذه الكرامة ليست محمودة

يقول شيخ الإسلام : ليست محمودة ” لأن الإنسان قد يبتلى بها مثل ما يبتلى بالمال لكن متى ما احتاج إليها يسرها الله له

ولذلك يقول : ” ما كانت الكرامات كثيرة في الصحابة “

إذا : ليست محمودة ولا تطلب

لكن يقول : ” متى ما احتاج العبد الصالح إليها أجراها الله عليه

ولذلك :

له كتاب ” الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان

هذا الكتاب جميل ونافع في  مثل هذا الباب

حتى إنه ذكر عن  بعض السلف أنه كان في صحراء ومات فرسه وكاد أن يهلك فأمره أن يقوم فقام الفرس

هذا أمر خارق  عن العادة لكن متى ما احتاج إليه العبد الصالح أجراه الله على يديه

ومن الفوائد:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن نبع الماء من الحجر معجزة كما أسلفنا

فهذه معجزة لموسى عليه السلام أعظم منه معجزة في هذا الباب نبينا صلى الله عليه وسلم :

لأن جريان الماء من الحجر أمر ليس بذلك الطبيعي فيه ما فيه من الغرابة لكن الأغرب منه أن ينبع الماء من بين أصابعه عليه الصلاة والسلام من بين لحم وجلد

هو عليه الصلاة والسلام لما قل الماء في أحد أسفاره وضع يده في الإناء فأصبحت أصابعه تنبع ماء

هذا أعظم معجزة من معجزة موسى عليه السلام

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن هناك إيجازا قال : ((وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ ))

قال : ( (فانفجرت ))

الفاء هنا بعدها أمر فضرب فانفجرت

إذاً :

هنا إيجاز

وهذا يدل على عظم القرآن

فبعض  الكلمات التي  تدخل في كلمة أخرى لا يحتاج إلى ذكرها إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك وهذا من أعظم ما يكون عليه البليغ عند العرب أن يكون عنده إيجاز قصر

لأن الإيجاز في اللغة :

إما إيجاز قصر وإيجاز حذف :

إما أن تحذف كلمة أو يحذف حرف أو جملة أو ما شابه ذلك

لكن هنا إيجاز قصر

” فانفجرت “

يعني فضرب فانفجرت

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه قال هنا : ( فانفجرت ) في سورة الأعراف (( فانبجست ))

ما الفرق بينهما ؟

قال بعض  المفسرين الانفجار والانبجاس سواء

والصحيح أن هناك فرقا

(فانبجست ،  ” فانفجرت ” )

فانبجست :

هو أول خروج الماء

ضرب فإذا بالماء يخرج شيئا فشيئا ثم بعد ذلك إذا بهذا الماء يتفجر 

يتفجر ماذا ؟

عيونا

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا ((فَانفَجَرَتْ مِنْهُ ))

منه : من هنا يسميها العلماء بمن التي هي لابتداء الغاية

يعني : ابتداء انفجار الماء منه

  ما هو ؟

الحجر

((فَانفَجَرَتْ مِنْهُ ))

منه ما هو ؟

الحجر

إذاً  : ابتداء الغاية يسمونها ابتداء الغاية يعني ابتدأ انفجار الماء من هذا الحجر إلى أن صار عيونا

أعطي مثالا على من الابتدائية لأنها مفيدة :

((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ))

الإسراء ابتداؤه من ماذا  ؟

من المسجد الحرام هذا ابتداء الغاية

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن هذا الحجر لم ينفجر عينا واحدة بل انفجر ثنتي عشرة عينا

لم ؟

لأن بني إسرائيل كانوا اثني عشر سبطا

يعني : ثنتي  عشرة قبيلة

ولذلك:

لما أمر الله عز وجل موسى عليه السلام أن يضرب البحر لكي ينجو هو ومن معه من بني إسرائيل من بطش فرعون كما في سورة الشعراء

((فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ )) الشعراء63

يعني : انفلق إلى اثني عشر طريقا كل طريق يسلكه سبط من أسباط بني إسرائيل

هنا انفجرت العيون من هذا الحجر

كم عدد هذه العيون ؟

ثنتا عشرة عينا

وهذا من عظيم فضل الله عز وجل على بني إسرائيل أن جعل لكل قبيلة عينا يختصون بها فلا يشاركهم فيها السبط الآخر حتى لا تكون منازعة ولا مشاحنة لأن طبيعة ابن آدم يحب أن يكون له الشيء يخصه ، فإذ اشترك مع غيره تشاجرفهذه طبيعة النفوس البشرية إلا من زكاها (( قد أفلح من زكاها ))

ومعلوم : أن بني إسرائيل نفوسهم دنيئة

فحتى تذهب عنهم الشحناء والبغضاء جعل لهم هذه الأعين بهذا العدد

لأن المشاركة فيها ما فيها من الشحناء والبغضاء  وتفضل سبط على آخر أيضا فيه ما فيه من الشحناء والبغضاء

فكون كل شخص يكون بمفرده يكون أبعد من الشحناء والبغضاء

وكونه بمفرده أيضا تلك العين هي كتلك العين لا تفرق  عين على أخرى لأن لو حصل هناك امتياز لعين سبط من الأسباط أتى الحسد والشحناء والبغضاء

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــ
أنه عز وجل قال :

((قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ))

بنو إسرائيل ناس ولما تحزبوا إلى اثني عشر سبطا أطلق على كل سبط ناس فدل على أن كلمة الناس قد تطلق على البعض (( قد علم كل أناس ))

 

فدل على أن كل سبط يصح أن يوصف بأنه ناس

بل إن كلمة الناس يجوز أن تطلق على الواحد في اللغة

الأصل : أن كلمة الناس كلمة شائعة لجميع الآدميين لكن يجوز أن تطلق حتى على غير الجماعة فقد تطلق  على الفرد الواحد

الدليل :

((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ))

((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ ))

الناس هنا شخص نعيم بن مسعود

ومن الفوائد:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه عز وجل قال :

 ((قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ))

لم يقل قد علم أنس عينهم

السياق ((فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً ))

لكن هنا لما أتى بذكر ما لكل قبيلة أو لكل سبط قال ((قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ))

لم يقل عينهم

لم ؟

 ((قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ))

لأن المقصود الأعظم من العين هو الشرب  ولأن أعظم ما ينتفع به هؤلاء هو الشرب لأنهم طلبوا هذا الماء أين في التيه

حرارة الشمس أصابتهم فأتاهم الغمام احتاجوا إلى الطعام فالمن والسلوى احتاجوا إلى الشراب فجرى ما جرى من هذا الفضل

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــ

أن هنا إيجازا إيجاز قصر :

((قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ ))

هنا فيه إيجاز

كلمة محذوفة هنا :

 ((قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ ))

يعني : قلنا لهم كلوا واشربوا

أين كلمة قلنا : دخلت هذا يسمى بالإيجاز

 الإنسان قد يعطى فصاحة  أو بلاغة وإذا به يأتي بجملة أو جملتين وإذا بها  تحمل معاني صحيحة ليست كشخص يفرد جملا طويلة ويطيل المقام ولا تحصل الفائدة

ولذا من مزايا النبي عليه الصلاة والسلام انه أوتي جوامع الكلم

 

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن الله عز وجل أمرهم أن يأكلوا وأن يشربوا من رزق الله

ما هو هذا الأكل ؟

وما هو هذا الشرب ؟

الشرب : هو الشرب من هذا الماء الذي نبع من هذا الحجر

الأكل ما هو ؟

المن والسلوى

وهذا هو ظاهر الآية

خلافا لمن قال : إن قوله ((كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ )) أن هذا الماء أصبح بمثابة المطعوم وبمثابة المشروب فيكون مباركا فكما أنه يطفئ ظمأ العطشان أيضا يشبع جوعة الجوعان

والصواب في مثل هذا أن نقول : كلوا : يعني  من المن والسلوى

واشربوا : من الماء

لأنه ليس عندهم فيما ذكر من آيات إلا المن والسلوى

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــ

أنهم أمروا هنا بأن يأكلوا من رزق الله يدل هذا على ماذا ؟

يدل على أن ما منحه ابن آدم من خير فإنما هو من الله فلا تنسوا أن هذا الماء الذي ضرب موسى الحجر بعصاه فنبع منه الماء لا تنسوا المنعم الأول المتفضل الأول وهو الله

فهذا الرزق هو رزق الله

وأحق من يشكر بل أوجب من يشكر هو الله ففيه إشارة إلى أن الواجب عليهم أن يشكروا هذه النعمة

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن هنا ما يسمى عند أهل البلاغة بالالتفات

((وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ  ))

((وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا )) بضمير المتكلم

قال هنا (( من رزق الله )) لم يقل من رزقنا تغير الأسلوب هذا ما يسمى عند أهل البلاغة بالالتفات

لم ؟

للتنبيه لكي يلفت نظرك إلى أن هذا الأسلوب تغير

لماذا  يتغير هذا الأسلوب ؟

لماذا يكون هذا الالتفات ؟

من أجل أن تحضر عقلك وفؤادك لما تقرأ

فلماذا تغير هذا الأسلوب ؟

من فوائده  :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن فيه حثا للمسلم إذا قرأ القرآن أن يستجمع عقله وفؤاده حينما يتلو

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أنه عز وجل لما رزقهم هذا الرزق العظيم نهاهم عن الإفساد في الأرض بل أكد هذا قال  ((وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ))البقرة60

(( لا تعثوا )) أصلها في اللغة مجاوزة الحد ، كل من جاوز الحد يسمى عثيا

واستعمل في أعظم وأشد درجات الإفساد

ولذلك قال : ((وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ))

لم ؟

لأن ابن آدم إذا أتته النعمة وكثرت عليه فإن هذه النعمة بريد إلى أن يكفر بالله وأن يبغى وأن يظلم وأن يجحد ((وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ )) لو بسط عز وجل عليهم هذا الرزق والزرق من أعظم ما يكون ((وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ))

((كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى{6} أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى{7} ))

((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ ــ لم ؟ ــ  أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ ))

ولذا : نرى أن الطغيان في أهل الغنى أكثر من أهل الفقر ولا يعني أن أهل الغنى لا خير  فيهم لا لكن في الجملة

ولذلك :

النبي عيه الصلاة والسلام ماذا قال ؟

(( يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة سنة ))

لم ؟

لأن الفقر وقلة ذات اليد أدعى إلى السكون والخضوع ولذلك :

لماذا سمي المسكين بهذا الاسم ؟

لأن الفقر أسكنه بينما إذا كان عنده مال يرى نفسه وبالتالي يدعوه هذا إلى أن يطغى إلا من عصمه الله عز وجل

ومن الفوائد:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه قال عز وجل :

((وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ))

(( لا تعثوا )) يعني لا تفسدوا أشد الإفساد واتى بكلمة مفسدين ، مفسدين حال يعني لا تعثوا أشد الإفساد حالة كونكم مفسدين

ما الفائدة ؟

العثي هو الإفساد بل أشد الإفساد وكرر ذلك قال : ((وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ))

هذا من باب التأكيد لهم على عدم الإفساد لأنه جل وعلا يعلم من حقيقة ما يكون في قلوبهم ومن خلال تصرفاتهم أن هؤلاء القوم قوم طغاة

بدليل ما مر معنا من آيات في بيان طغيان هؤلاء  وأيضا ما سيأتي

وهذا نظير ماذا ؟

نظير قوله تعالى :

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً ))

يعني هل هذه الآية تدل على أنه يجوز لي أن آكل الربا القليل أما ما كان مضاعفا وكثيرا يحرم علي ؟

الجواب : لا ، الربا قليله وكثيره حرام

لكن هذا من باب  التأكيد لبيان واقعهم لأنهم كانوا في الجاهلية يزيدون في الربا يقرض هذا مبلغا من المال مثلا مائة ألف على أن تكون بعد سنة بمائة وعشرين يعطيه نقدا بنقد فإذا أتت المدة ولم يكن عنده شيء قال الفقير : ليس عندي شيء

قال الغني : أزيدك في المدة وتزيدني في المال

فهذا هو ربا النسيئة الذي هو ربا أهل الجاهلية ولذلك قد تفعله بعض البنوك أول ما يبدءون إن بدءوا بعد إن كان ما فعلوه صحيح لكن من حيث الواقع قد يختلف لكن من حيث  التنظير قد يبدءون بيع شخص سلعة : سيارة أو ما شابه ذلك فإذا عجز قالوا : نتيح لك مجال نزيد في المدة وتزيدنا في السعر

هذا هو الربا سواء كانت البداية نقد بنقد أو كانت مبايعة صحيحة

ولذلك :

لو أن شخصا باع سيارته التي يملكها وهي عنده هي تساوي  مائة ألف قال شخص أشتريها منك بمائة وعشرين لمدة سنة أو سنتين فلما أتت المدة  والبيعة بيعة صحيحة لا إشكال في ذلك أتت المدة ليس بيده مال وليس عنده شيء الواجب عليه حينها أن يصبر حتى ييسر الله لهذا الفقير مالا

 

لو قال : أمهلك سنة أو أمهلك أشهرا وتكون بدل مائة وعشرين مائة وثلاثين أو مائة وأربعين هذا هو الربا وهو ربا الجاهلية

ولذلك قال عز وجل : ((وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ))

يعني : يجب أن تنظره إلى أن ييسر الله عليه ولو ظل خمسين سنة وهذا واجب عليك ليس  معروفا منك

يجب عليك وجوبا شرعيا

ولذلك :

بعض الناس قد يخطئ في هذا الباب

يعني :

قد يقرض الإنسان قرضا أو يبيعه شيئا بالتقسيط فإذا به لا يستطيع فيتعبه وهو يعلم أنه يستطيع إن كان يستطيع فهذا مماطل

النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مطل الغني ظلم يحل عقوبته وعرضه ))

يعني يجوز له أن يتقدم إلى المحكمة وأن يطالب بسجنه  وأن يطالب بجلده حتى يرد إليه ماله وهذا إذا كان مليئا ولكنه يماطل

لكن أنا أعلم علم اليقين أن هذا فقير ليس عنده شيء وأنا أطالبه مالا فلا يجوز أن أتقدم بمحكمة لكي يسجن أو يضرب أو يعاقب

لم ؟

لأنه جل وعلا قال : ((وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا ))

يعني : إن تعفوا عن هذا الدين الذي في ذمته خير لكم {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }البقرة280

إذا ً :

هذه الآية :

((وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ )) البقرة60

هي نظير قوله ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً ))

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه قال عز وجل ((وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ )) البقرة60

أي أرض ؟

هم أين الآن ؟

في التيه

((وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ )) البقرة60

لماذا لا تكون في جميع الأراضي ؟

إذاً : ((وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ )) البقرة60

هذا يشمل الأرض التي كانوا بها وقد يشمل غيرها

كيف يشمل غيرها ؟

لأن هؤلاء يكونون أئمة في الشر فإذا فسدوا فيتأسى بهم غيرهم كما مر معنا في أول السورة :

((وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ))

هذا الخطاب لليهود في عصر النبي عليه الصلاة والسلام ((وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ))

أهم أول من كفر أم قريش ؟

قريش فلماذا قال لهؤلاء  ((وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ )) ؟

لأن هؤلاء علماء وإذا كفروا فإن غيرهم يتبعهم فكأنهم صاروا أول من كفر باعتبار أن من سواهم سيقتدي بهم