تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 61 )
قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }
البقرة62 (3 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نكمل ما تبقى من فوائد تحت قوله تعالى :
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة62
من الفوائد :
أن الطوائف المذكورة في أول الآية متى ما كانت مؤمنة وتوفاها الله على هذا الإيمان فإنها تحصل على هذا الأجر
وذكر فيمن ذكر طائفة الصابئة ومر معنا توضيح ما هي تلك الطائفة المسماة بالصابئة
وبعض الناس ربما لم يحضر فأعيد معناها باختصار
من أن الصابئة هي الخارجة من الأديان كلها
كما تقول العرب لمن ترك دين آبائه وأجداده صابئ ولا يقولون أسلم
والصابئة هي خرجت من جميع الأديان وقالت نعبدالله بما يستحسن ويجملنا ولو لم نأخذ بشرائع الأنبياء
قال ابن القيم كما في كتابه أحكام أهل الذمة قال :” منهم صابئة حنفاء تؤمن بالله واليوم الآخر وهذه هي المعنية هنا ،ومنها صابئة مشركون هؤلاء ليسوا بداخلين في هذه الآية “
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــ
أن الله عز وجل قال : (( من آمن )) هنا ” من آمن” إعرابها بدل من الذين آمنوا
البدل يعرب في اللغة العربية وأوضح أن اللغة العربية ليست بصعبة هي بوابة فهم الكتاب والسنة ما أعرب بدلا يعرب عطف بيان
إلا في حالتين لا تعنينا هنا
كل ما أعرب بدلا يعرب بأنه عطف بيان
كيف عطف بيان ؟
(( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ ـ نريد أن نبين هذه الطوائف ما حالهم في نهاية أمرهم ؟ ـ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً ))
هذا عطف بيان لتوضيح ما مضى ويؤكد أيضا أن الإيمان في أوله لا شك انه خير لكن العبرة بالخواتيم
هم آمنوا وماتوا على هذا الإيمان
ومن الفوائد :
أن من صفاتهم أنهم آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا عملا صالحا
والعمل الصالح من الإيمان ولماذا أفرد ؟
لأهمية هذا العمل الصالح لأن من يقول آمنت ويقول ذلك بلسانك ولايوكن في قلبه هذا سهل
لكن أين إيمانك ؟
لا يظهر إلا بهذا العمل
ولذالك بعضهم يقول أنا مؤمن
لكن أين دلائل هذا
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل يجوز أن يقول المسلم أنا مؤمن إن شاء الله ؟
قال بعض العلماء : لا يجوز لأحد أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله
لم ؟
لأنه إذا قال ذلك فكأنه شك في إيمانه والمشيئة هنا تدل على أن الإيمان ما وقر في قلبه والإيمان اعتقاد وجزم
وقال بعض العلماء : يجوز وهو الصواب يجوز
لكن في حالات :
أن تقول أنا مؤن إن شاء الله باعتبار التبرك باسم الله بمشيئة الله وأنا هذا الإيمان ما حصل لك إلا بمشيئة الله لا بقدرتك ولا بحولك
وأيضا إذا كنت تقصد وهي حالة أخرى أنا مؤمن إن شاء الله يعني أني سأبقى على هذا الإيمان حتى يتوفاني الله
لكن إذا كان شاكا في إيمانه فهذا محرم بل قد يصل به إلى الكفر إن كان شاكا في إيمانه
لكن إن كان مقصوده :
أن هذا الإيمان ما حصل له إلا بمشيئة الله فلا إشكال في ذلك
إن كان مقصوده أنا مؤمن إن شاء الله باعتبار أنه يتفاءل ويثق في الله أنه سيميته على هذا الإيمان فلاشيء فيه
وكذلك يجوز أنا مؤمن إن شاء الله إذا أراد ألا يزكي نفسه
ومن الفوائد :
أنه قال :
((مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً ))
الفاء هنا ما فائدتها ؟
رابطة بأي شيء ؟
قيل بهذا لكن نحن نقول :
” فلهم أجرهم ”
قبل هذا :
أنا أرفق بالمعلومات لكي أسير على منهجية معكم لأن قد لا يفسر القرآن كله لكن يسير الإنسان على قاعدة :
((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً ))
لم يتم المعنى
إذا تم المعنى هذا هو الخبر
((إِنَّ الَّذِينَ )) اسم إن
((فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ )) هذا هو الخبر
قال ابن مالك رحمه الله :
الخبر الجزء المتم للفائدة فالله بر والأيادي شاهدة
لو قلت كمثال :
إن زيدا الكريمَ َالشجاعَ المقدامَ …. هل تم المعنى ؟
لكن لما قلت : إن زيدا الكريمَ العظيم َ الشجاعَ المقدامَ يعطي كذا
تمت الحملة
هذا هو الخبر
بعض الناس يقول : والله يا أخي لا أعرف الخبر من المبتدأ
والله سهلة لكن نحن نصعب هذا العلم وليس بصعب
قال : ((فلهم أجرهم )) هذا هو خبر ” إن ”
هذه الفاء:
الفاء هنا تسمى بفاء الرابطة
لم ؟
الفاء الرابطة تدخل على جواب الشرط لكن هنا ليس شرطا هنا اسم موصول
الذين
ولتعلموا :
أن اسم الموصل لما كان فيه معنى الشرط وليس لفظ الشرط تأتي الفاء
قوله تعالى في هذه السورة : {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } البقرة274
الفاء هنا :
رابطة لمعنى الشرط
ما معنى الشرط هنا ؟
هو اسم الموصول
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الأجر هنا مضاف إلى من ؟
إليهم
((فلهم أجرهم ))
أجر ماذا ؟
أجر عملهم الذي قاموا به مما يدل على أن الإيمان والعمل الصالح سبب من أسباب دخول الجنة وليس عوضا
ليس عوضا لأن الإنسان لو خرج إلى هذه الدنيا ومن حين ما خرج ظل ساجدا قائما لله إلى أن يتوفاه الله لا يمكن أن يفي بسلعة الله التي هي الجنة
لكن هنا سبب
ولذلك قوله تعالى : ( جزاء بما كانوا يعملون ))
جزاء بسبب
قول النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيح : ( (قال اعلموا أنه لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله ))
هذا الحديث يخالف ظاهر ما ذكرت لكم
((جزاء بما كانوا يعملون )
هنا في الحديث :
((قال اعلموا أنه لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا : ولا أنت يا رسول الله ، قال ولا أنا حتى يتغمدني الله برحمة منه وفضل ))
الباء هنا ليست سببية وإنما عوض
يعني من كان يظن أن عمله سيدخله الجنة على أن عمله عوض معاوضة وثمن للجنة فلن يدخلها
((قالوا : ولا أنت يا رسول الله ))
وعمل النبي عليه السلام كثير
دل على أن العمل ليس عوضا للجنة
قال : ولا أنا
مع أن قدميه عليه الصلاة والسلام تتفطر من طول القيام
قال ((ولا أنا حتى يتغمدني الله برحمة منه وفضل ))
وحينما تنظر :
تجد أنه لما وفقت للعمل وأعنت عليه ولم يعني غيرك هذا فضل من الله ورحمة بك هو الذي يسر لك هذا العمل
ثم بفضل منه جعل الجنة لك بسبب هذا العمل الذي يسرك له برحمة منه وفضل
إذاً :
أنت في الابتداء وفي الانتهاء وفي الثنايا تحت رحمة الله لا تقل عملي كثير وأنا أفضل من غيري
هو توفيق الله
ومن الفوائد :
أنه قال هنا : (( فلهم أجرهم عند ربهم )) العندية تفيد التعظيم والقرب
يعني أجر عند ملك وزير رئيس زعيم لا ، لو أن الملك وعدك بشيء انتظرت هذا الموعد بشغف فكيف إذا وعدك ملك الملوك عز وجل ؟
قال : (( فلهم أجرهم عند ربهم ))
عند تفيد القرب
يعني لو قال بعض الصحابة في حديث : جلسنا عند النبي عليه الصلاة والسلام تدل على ماذا ؟
على قربهم منه عليه الصلاة والسلام
العندية في اللغة العربية تفيد القرب
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــ
أنه قال : (( عند ربهم ))
الربوبية هنا :
يقصد منها أي نوع ؟
الربوبية الخاصة لأن هناك ربوبية عامة
الربوبية العامة لجميع الخلق المؤمن مربوب لله
الكفار يربيهم يرزقهم يعطيهم يشفيهم
هذه الربوبية العامة :
الربوبية الخاصة هي تربية الله عز وجل لقلوب المؤمنين بالإيمان وبالخير
ولذلك قال : (( فلهم أجرهم عند ربهم ))
ما هو هذا الأجر ؟
لا تسأل عن هذا الأجر
تصور ولله المثل الأعلى لو أن كريما من أعظم الكرماء وعدك بشيء
تقول في نفسك : سأنال منه شيئا عظيما
فلما قال : ((فلهم أجرهم عند ربهم ))
عند من ؟
عند الكريم جل وعلا الذي لا تنقص خزائنه
ومن الفوائد :
أنه قال ((فلهم أجرهم عند ربهم ))
فلهم أجرهم :
يدل هذا على أن كل من زاد من ذلك العمل المتقدم فله أجره الذي يختص به فلا يتساوى هؤلاء
ولذلك لا يتساوى أفراد الأمة في الخير
هل الصحابة كغيرهم ؟
هل الصحابة في أنفسهم كأبي بكر ؟
هل علي أو غيره كأبي بكر ؟
يختلفون
(فلهم أجرهم )
يعني المجال مفتوح لك
أنت يا مسلم تريد هذا الأجر يعظم
كونه أجرا من الله في حد ذاته هو عظيم لكن تريد أن تعظمه وتعظمه وتعظمه فبقدر ما تقدم بقدر ما تعطى من هذا الأجر
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أن من ثمرات الإيمان بالله والعمل الصالح كما أسلفنا لاشك حصول الأجر
أيضا فيه ثمرات أخرى ( ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ))
لا نافية تنفي ماذا ؟
الخوف والحزن عن هؤلاء
تفسير سورة البقرة
قوله تعالى :
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }
البقرة62 (5 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ زيد بن مسفر البحري : www.albahre.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نكمل ما تبقى من فوائد تحت قوله تعالى :
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة62
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
((وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ )) هذه الجملة من هذه الآية يستفاد منها ما يلي :
بيان ثمرات الإيمان وتلك الثمرات ليست محصورة على هذه الأمة بل على كل طائفة من الأمم السابقة متى ما آمنت بالله وباليوم الآخر وهذا إن دل يدل على كمال عدله عز وجل
ما هي تلك الثمرات ؟
نفي الخوف ونفي الحزن
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن كلمة ” خوف ” نكرة في سياق ” النفي ” لأن لا نافية تنفي أن يقع عليهم خوف
خوف هنا نكرة ، القاعدة في الأصول :
أن النكرة إذا كانت في سياق النفي فتعم
إذاً : لا خوف على هؤلاء لا قليل ولا كثير لكن لو قال قائل :
ألا يقع بهم الخوف ؟
نقول : نعم يقع بهم الخوف لكن هذا الخوف خير لهم ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ{157}
إذاً : هذا الخوف خير
وإذا أتى هذا الخوف يأتي لطف الله بهؤلاء لأن أعظم لطف الله بالمؤمن إذا كان في الخوف أن يربط على قلبه ، ربط القلب عند المخاوف أعظم ما يكون من لطف عز وجل على عبده
أم موسى :
{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }القصص10
انظروا فتية الكهف :
((إِذْ قَامُوا ))
قاموا عند من ؟
عند ذلك الملك الظالم الجائر وهم فتية قلة بالنسبة إلى قومهم المشركين قاموا ليعلنوا التوحيد أمام بيئة مظلمة بما فيها رئيسها وكثير من أهلها {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً } الكهف14
ولذلك اسأل ربك أن يربط على قلبك عند الخوف ، لأنه إذا وقع بك الخوف وربط على قلبك فهذه نعمة بل ينقلب هذا الخوف أمنا
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــ
أنه لم يقل خوف عليهم في الدنيا ولا في القبر ولا في الآخرة
وهذا ما يسمى عند العلماء بحذف المعمول
المعمول ما هو ؟
إما الدنيا وإما القبر وإما الآخرة غير مذكورة
قاعدة في التفسير وفي اللغة :
حذف المعمول يدل على العموم
((لا خوف عليهم )) عام لا في الدنيا ولا في القبر ولا في الآخرة
من ثمرات الإيمان :
نفي الخوف في هذه الدور الثلاث
لاشك أن المؤمن يطمح أن يكون آمنا في دنياه كما هو يطمح أن يكون آمنا في قبره وفي أخراه
فلنسمع إلى ما قاله عز وجل لمن هو خائف :
((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ))
العلة ((يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور55
وأعظم ما يعبد الله به هو التوحيد
إن عظُم التوحيد عظم الأمن وإن قلَّ التوحيد قلَّ الأمن
ولذلك قال عز وجل :
(( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ـــ يعني بشرك ـــ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ))
بقدر مايعظم التوحيد بقدر ما يعظم الأمن
والتوحيد كيف يعظم ؟
بالطاعة
والتوحيد كيف ينقص ؟
بالمعصية
ولذلك من يدرك من الكبار وقبل سنين فنحن نرى أنه كلما تقدمت بنا السنوات كلما قل الأمن في هذا المجتمع
قديما يفتح باب البيت ولا يدخل عليك أحد وأنت نائم بالبيت وليست هناك أنوار ومع ذلك الأمن عظيم
لم ؟
لأن التوحيد عظيم
بدأ التوحيد ينقص وسبب نقصانه فعل الذنوب فكثر الخوف وقل الأمن وهذا شيء مشاهد
ولذا ترون أن الأمن في هذه السنوات في هذا المجتمع ليس كالأمن قبل خمس سنين ولا قبل عشر سنين
وما قبل عشر سنين ليس كقبل عشرين سنة
(( وما ربك بظلام للعبيد ))
ولذلك قال : (( أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ))
ولذلك لما ينعدم التوحيد فأي حركة ترعب هذا الشخص أي حركة
ألم يقل الله عن المنافقين : (( يحسبون كل صيحة عليهم ))
يخافون من كل شيء ؟
لم ؟
لأن التوحيد ليس موجودا في القلوب
فدل على أن التوحيد أمان وهداية والدليل هنا لأنه لما نفى الخوف
ما ضد الخوف ؟ الأمن ((فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ))
ومن الفوائد :
أن من لم يؤمن بالله فإن الخوف لا ينتفي عنه بدلالة مفهوم هذه الآية إذاً : الخوف منتف عن أهل الإيمان لكن غير أهل الإيمان ليس بمنتفي
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال : (( ولا هم يحزنون ))
الواو عاطفة
لا : نافية مثل ” لا خوف عليهم “
هم : ضمير فصل يفيد التوكيد
يحزنون : الحزن معروف
إذاً :
(( ولا هم يحزنون ))
إذاً : نفى عن أهل الإيمان أن يصيبهم خوف أو حزن وأكد ـ سبحان الله !
الخوف مما يستقبل والذي يستقبل لم يقع بعد أما الحزن أن تحزن علة ما مضى يعني وقع
ولما كان الحزن قد ينتاب ابن آدم ويعظم معه أكثر مما يستقبله لأنه لم يقع أكد ذلك بضمير الفصل هم
هذا هو الأمر الأول
الأمر الثاني : أن كلمة خوف اسم
يحزنون فعل مضارع
الفعل المضارع يفيد التجدد والاستمرار إذا وجدت قرينة
إذا وجدت قرينة يفيد التجدد والاستمرار بمعنى : ولا هم يحزنون : يعني ينتفي عنهم تجدد الحزن واستمراره
قد يفوتك ما في الماضي أو تأتيك مصيبة فإنه ربما تعود عليك ويجددها الشيطان لكن لما أتى بالفعل المضارع في مقام المدح
لابدمن قرينة :
الفعل المضارع لا يفيد التجدد والاستمرار إلا بقرينة القرينة هنا هي المدح
((ولا هم يحزنون )) يعني : أن هذا الحزن لا يتجدد معهم في مستقبل أمرهم
أعطيك مثالا على هذا الأمر :
قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( كما عند البخاري : (( يأتي على الناس زمان
يأتي فعل مضارع ((يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء من أين أخذ المال أمن حل أم من حرام ))
الآن :
كسب الأموال المحرمة موجود فيما مضى لكن السنوات الأخيرة أصبح كثيرا
يعني : تجدد الزمن على الناس بأخذ المال المحرم بل ربما يملح طريق أخذ هذا المال المحرم على أنه صورة مال مباح
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أنه قال : ((ولا هم يحزنون )) أين المعمول ؟
محذوف
ولا هم يحزنون :
هل ذكر في الدنيا ذكر في القبر ذكر في الآخرة ؟
ما ذكر (( ولا هم يحزنون ))
يعنى : لايصيبهم حزن ولا هم في الدنيا ولا في القبر ولا في الآخرة لأنهم أهل الإيمان لأن أصل اسم الإيمان أمن
الخوف منتف في الدنيا وقد مثلنا لكم وذكرنا لكم الآية :
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ــ العلة ــ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور55
هذا في الدنيا
أين الدليل على ذلك عند مفارقة هذه الدنيا ؟
((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ ))
عند حضور أجلك تتنزل عليك الملائكة تهنئك وتطمئنك ((تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ )) فصلت30
الحالة الثالثة المخيفة :
إذا خرجت من قبرك تحتاج إلى من يطمئنك :
تأتي الملائكة :
{لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }الأنبياء103
ومن الفوائد:
أنه لم يذكر الغم
القلب يصيبه ثلاثة أشياء :
خوف غم حزن
الحزن : على ما مضى
الغم : على الحاضر
الخوف : على المستقبل
فهو جل وعلا لما نفى الخوف الذي يكون في المستقبل ونفى الحزن الذي يتجدد معه مما وقع في الماضي
وهذا سياق مدح دل على أنهم في سعادة غامرة في حاضرهم لأنك إذا لم تنشغل بما يأتي ولم تنشغل بما مضى كيف يكون واقعك ؟
سليما
لكن لو أن البال مشغول بما كان في الأمس أو في الأسبوع الماضي أتكون مرتاحا في يومك ؟
لا
لو كنت منشغل البال بما سيأتي أأنت مرتاح في يومك ؟
لا
لكن متى ما ارتحت في ماضيك وفي مستقبلك ارتحت في حاضرك
ولذلك في دعاءرفع الهم :
في دعاء رفع الهم إذا أصاب الإنسان هم كما في حديث ابن مسعود في المسند : ( ما أصاب أحدا هم فقال : اللهم إني عبدك ابن عبك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هم لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتاب أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء همي وغمي وذهاب حزني ))
يقول ابن القيم :
لأن الهم فما سيأتي هو الخوف
والحزن فيما مضى
والغم في الحاضر