تفسير سورة البقرة الدرس ( 70 ) [ وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها ..] الآية ( 72 ) الجزء الثاني

تفسير سورة البقرة الدرس ( 70 ) [ وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها ..] الآية ( 72 ) الجزء الثاني

مشاهدات: 462

تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 70 )

قوله تعالى :

{ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ{72} فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{73} }

البقرة 72 ، 73 ( 2 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشيخ زيد  بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فمازلنا في ذكر فوائد قوله تعالى :

{ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ{72} فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{73} }

من فوائد هاتين الآيتين الكريمتين :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن معنى قوله   “ ادَّارَأْتُمْ فِيهَا((فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا )) يعني اختلفتم فيها وهم لما اختلفوا فيها هبوا مباشرة إلى من ؟

إلى موسى ليسأل ربه عز وجل من هو هذا القاتل وهذا إن دل يدل كما هو مأمور به في شريعتنا وهو مأمور به أيضا في الشرائع الأخرى ودليلها هنا :

وهو أن الناس متى ما اختلفوا فيجب عليهم أن يعودوا إلى شرع الله ، إلى الكتاب والسنة أو من يبلغ شرع الله من الرسل عليهم الصلاة والسلام أو ممن ورث الأنبياء وهم العلماء الربانيون

ولذلك :

أتوا إلى موسى عليه السلام فدلَّ هذا على أن الناس لا تستقيم لهم حياة إلا بالرجوع إلى شرع الله متى ما اختلفوا

ولذلك يقول عز وجل : ((فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء )) أي شيء شيء : نكرة في سياق الشرط تعم أي شيء قل أم كثر عظم أم صغر :

((فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )) النساء59

 

مقتضى الإيمان :

 أن تذهبوا إلى العلماء إلى شرع الله ((إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ )

ما الثمرة ((ذَلِكَ خَيْرٌ )) في الدنيا والآخرة ((وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )) النساء59

وأحسن عاقبة

لماذا هو أحسن تأويلا وأحسن عاقبة ؟

لأنه ليس هناك حكم أحسن من حكم الله

ولذلك قال عز وجل  : ((أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ ))  

{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } المائدة50

وأيضا تأتي فائدة تتبع الفائدة السابقة :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهي أن الاجتماع علامة الخير وأن الفرقة علامة الشر ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في المسند :

” الجماعة رحمة والفرقة عذاب  “

فإذا كان الاختلاف يؤدي إلى الشر

تصوروا :

 لو أن موسى عليه السلام لم يكن مبعوثا تلك اللحظة وليس هناك رسول وليس هناك علماء أخذوا العلم الشرعي فكيف يكون الحال ؟

ستعظم الفرقة وبالتالي تعظم المشكلة ويكون القتل بدل أن يكون في شخص يكون في أشخاص بل يكون في قبائل بل يكون بين أمم

ولذا :

ما حرَّص الشرع على الاجتماع إلا لأن الاجتماع يدل على أن الأمة آخذة بشرع الله متى ما تفرقت يدل على أنهم لم يأخذوا بشرع الله

وأقرب ما يكون وأصدق وصف على ما يكون هو حالنا في هذا الزمن ؟

أين الأمة الإسلامية متفرقة فقط

بل متناحرة يضمر المسلم لأخيه المسلم الشر

لم؟

لأنه بمجرد ما ابتعدوا عن شرع الله حل بهم البلاء

الصحابة رضي الله عنهم قبل أن يأتي النبي عليه الصلاة والسلام ما هو حالهم ؟

كفار قريش قبل أن يأتي النبي عليه الصلاة والسلام

ما هو حالهم ؟

التناحر القتال ولذلك لا يقفون عن القتال إلا في أشهر حرم معروفة لديهم رجب وذي القعدة وذي الحجة ومحرم إلا فالقتل قائم

لم ؟

لأنه ليس هناك شرع يسيرون على  نوره ومنهجه لكن لما جاء النبي عليه الصلاة والسلام كيف كان ؟

أصبحت القلوب متآلفة متحابة فأثمرت هذه المحبة أن الرجل يقدم كثيرا من ماله لأخيه ويؤثر على نفسه

كل هذا من أجل أن الشرع حل ولذلك لا ترى شرع الله مطبقا في أي مجتمع إلا وتجد العدل والأمن والراحة والاستقرار

بينما إذا دبَّ فيهم الشر بترك شرع الله عز وجل فلا تسل عن الويلات التي تحيط بهم

ولذلك قال عز وجل :

{مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } الروم32

كل حزب طائفة تقول :

 الحق معي أنا على الصواب ولذلك في الآية الأخرى : ((إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ))

هذا تهديد ووعيد

فخلاصة القول :

أنه لا يمكن أن يحل خير وأمن واستقرار للمجتمعات الإسلامية إلا بتطبيق الشرع

فإذا كان الشرع السابق شرع موسى إذا كان الشرع السابق الذي هو قبل النبي عليه الصلاة والسلام شرع موسى حل مشكلة قتل فكيف بهذا الدين الذي هو أعظم الأديان عند الله عز وجل ؟!

ولذلك :

لما يتأخر الزمن بالناس تكثر الفتن ويكثر معها القتل لتركهم لهذا الدين

ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام :

 ” لا يدري القاتل لماذا قَتل ولا المقتول لم قُتل “

يعني : تنزع كما قال عليه الصلاة والسلام تنزع عقول الناس يومئذ

لماذا تنزع ؟

لأن العقل البشري لما يبتعد عن الشرع يصبح لا شيء

أعطيكم دليلا :

بعض الشباب ربما تراه في الشارع يرقص أو يظهر شيئا من عورته أو ما شابه ذلك فإذا استقام وتذكر ما يصنعه قديما قال : كيف صنعت هذا ؟

عقله رد إليه لأنه رجع إلى الشرع لكن بقدر ما يبعد الإنسان عن شرع الله بقدر ما تحل به الويلات

 

ولذلك :

عمر رضي الله عنه يقول : والله لولا الآخرة لرأيتم غير ما ترون

ولذلك من شدته :

يقول ابن ربيعة : لو أسلم حمار ابن الخطاب ما أسلم عمر

لكن لما أسلم لما وقر الإيمان في قلبه تغير الحال فأصبح رجلا آخر

 

ولذلك  :

بعض الناس نعرفهم في مجتمعنا فيهم من الشر قبل أن يهدى إلى الخير فيهم من الشر ما الله به عليم

لكن ما الذي جعله مطمئنا رءوفا رحيما ؟

الدين

 

ولذلك هذه القصص التي تمر بنا واجب علينا أن نأخذ منها العبر

وانظروا إلى حالنا في هذه السنوات وبين حالنا قبل عشرين سنة

يعني : الدول الإسلامية فيها ما فيها من الشر لأنهم لم يتحاكموا إلى شرع الله هذا ما تحكيه أفعالهم

الشرع لما كان بعيدا عنهم حل بهم النزاع وكل يعطي من عقله

 

العقول تتفاوت يعني :

 ما أراه حسنا فقد تراه قبيحا وما تراه قبيحا قد أراه حسنا وما تراه حسنا قد لا أراه حسنا

العقول تتفاوت

هذه العقول كيف أضبطها ؟

بالشرع

أما أن يحصل نزاع وشقاق وكل طائفة وكل شخص يقول : أنا على الحق

 

ولذلك في الفتن تذهب العقول  :

فيقول شيخ الإسلام يقول : حينها لا يسمع لصوت الحكمة فيكون القتال في الفتن قتال جاهلية

قتال الجاهلية ليسوا على دين

يعني مثل ما يقول العوام : كل في راسه صوت

هذه هي الفتنة

 

إذاً :

يذهب صوت الحكماء

ولذلك الفتن قبل أن تأتي يعرفها العلماء فإذا وقعت عرفها الجميع

وكم من أشخاص أسقط بزعمائها يتمنون أن زعماءهم الأولين يعودون

فإذاً :

 الشرع هو الذي يجب أن يحكم حتى وليس على مستوى الحكومات والجماعات فقط بل حتى على مستوى الأفراد

 

قديما :

 يذكر لنا كبار السن ممن أدركوا أجدادهم وكان الشرع مطبقا حتى بين الأفراد وكل راضٍ

بخلاف هذا العصر تتكدس الآن القضايا في المحاكم يتهمون المحاكم ماذا يفعل القاضي

والناس قد كثر فيهم الشر وكثر شُهَّاد الزور لكن قديما يمكن أدرك بعضكم أجدادهم وأدركوا شيئا من هذا لما تكون هناك مخاصمة بين شخصين يأتون إلى القاضي بعد أن يصلون أي صلاة ويخرجون معهم خارج المسجد ويجلس على حصير ثم يقول : ماذا لديك وماذا لديك ؟

ثم يقول : الحق مع فلان

انتهى

هذا موجود وقد سمعت من الكبار من يذكر هذا

 

قديما :

 قبل عشرين سنة الواحد منا يفتح باب بيته بالليل آمن مطمئن

يأتي الفجر ويكون الباب مفتوحا ومع ذلك آمن مستقر

الشرع كلما طبق كلما ضبط الناس

لكن في هذا العصر من يقول أن سأفتح بابي بالليل ؟

صعب

ولذلك يقل الأمن بقدر ما يقل تطبيق الشرع

 

وهذا شيء يقيسه الإنسان على نفسه

حتى في بيته لو أنه طبق الشرع في بيته بين أولاده بين أفراد عائلته استقر البيت لكن إذا كان هناك شيء يخالف الشرع فإن البيت لا يستقر

 

فخلاصة القول :

أن قوله تعالى : ((فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا )) :

 لما اختلفوا في  قضية القتل رجعوا إلى موسى عليه السلام فدل هذا على أن الناس لا يمكن أن تستقيم لهم أحوال إلا بشرع الله عز وجل

{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } الملك14

يعلم ولله المثل الأعلى

 الآن اركب هذه السيارات اليابانية أو الأمريكية نجهل حقائقها لو لم يقولوا لنا لا تضعوا ماء في مكان البنزين أو مكان الزيت لوضعنا

هم صنعوها ويعلمون بحالها وما يصلحها وما يفسدها

لم ؟

لا يوضع الماء لا يوضع البنزين ـــــــ لم ؟

وهم بشر فكيف بالله عز وجل وهو يعلم ما تحتاج إليه أنت وأنا وما يحتاج إليه الناس

{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك14

ولذلك قال عز وجل : ((فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ))

 

ومن الفوائد :

أن الله عز وجل قال : ((وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ{72} ))

فيه بيان سعة علم الله عز وجل وأن ما تضمره وتكنه النفوس يطلع عليه سبحانه وتعالى {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } الملك13

{إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى }الأعلى7

{وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى }طه7

وفي هذا وعيد وتهديد للبشر أو لابن آدم عليه أن يحذر ما تضمره نفسه من الشر

فإن الله مطلع على قلبه وعلى سريرته

 

ومن الفوائد :

أنه كما قال بعض السلف في الغالب :

أن من أضمر شيئا في قلبه أخرجته جوارحه

وهذا لعله دليل لشيخ الإسلام فهو يقول :

 الجوارح مغاريف ما في القلوب

القلوب مثل القدر آلة الغرف هي الجوارح

ما في قلبك تغرفه جوارحك

ولذا :

 قال النبي عليه الصلاة والسلام : (التقوى هاهنا ) وأشار إلى قلبه
بعض الناس يقول :

لا تدقق هذا شيء بسيط لا تدقق التقوى هاهنا

لو أنه يستدل بهذا الحديث حق الاستدلال ما أذنب لأن هذه الجوارح غرفت ما في القلب من التقوى

 فبقدر ما في القلب من تقوى بقدر ما تغرفه هذه الجوارح

ولذلك :

ما الفرق بيننا وبين الصحابة

 الدم دم اللحم لحم العظم عظم كل هذا واحد لكن ما الذي في أوعية البواطن ؟

هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه ما في قلوبنا ما في قلوبهم ولذلك يتغير الحال

على المسلم أن يزكي قلبه

التقوى هاهنا :

لو كانت هناك تقوى حقيقية ما أقبل على الذنب لكن هناك تقوى ناقصة فيها نقص

فيه لفتة عجيبة :

هذه اللفتة تصلح كل زمن لأن شرع الله صالح لكل زمان ومكان ما هو مسير لكل زمان ومكان نقول  :صالح لكل زمان ومكان

بعض الناس لما يقال له : لا يجوز مثل هذا

قال : يا أخي الدين صالح لكل زمان ومكان

أو بعض الناس لما يأتي ببعض الفتاوى الشرعية يقول : الدين صالح لكل زمان ومكان

لا

هو أخطا كلمة حق لكن أريد بها باطل فهو صالح لكل زمان ومكان لو أخذنا به على المنهج الصحيح لا من أجل تمييع الدين وإذابة الدين

ولذلك قال : {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ }البقرة72

هنا لفتة :

أنا أعتبر أن هذه اللفتة هي في عصرنا في هذا أعظم منها في أي عصر مضى

أقولها :

في قوله : ((وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ )) البقرة72

قال بعض السلف : ما من إنسان يكتم شيئا مما لا يرضاه الله إلا أخرجه الله

وبالتالي في هذا الزمن الآن وسائل التواصل يجلس الإنسان على الانترنت وانفتاح على العالم الخارجي يجلس في غرفته وإذا به إن شاء يفتح فتح هو في ستر عن البشر لكن  ((وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ )) البقرة72

 

ولذلك قال الحسن البصري : قال : ما أسر إنسان سريرة إلا ظهرت على وجهه وفلتات لسانه

وكما قال الشاعر :

ومهما يكن عند امرئ من خليقة       

                               وإن خالها تخفى على الناس تعلمِ

فانتبه : ((وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ )) البقرة72

فنسأل الله أن يصفي قلوبنا وبواطننا وأن ينظف خلواتنا مما يسخطه عز وجل لأنه في الحقيقة كما قال عليه الصلاة والسلام : ” ثلاث منجيات ذكر منها : خشية الله في السر وفي العلن “

لأن المغريات الآن موجودة تريد أن تفتح على أي عالم وعلى أي دولة فلك ما تشاء وما تريد

ولكن هنا يخرج المتقي من غير المتقي المراقب لله ومن ليس كذلك