تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 77 )
قوله تعالى :
(( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ{79} ))
البقرة 79 (2 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمازلنا في ذكر الفوائد المتعلقة بقوله تعالى :
(( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ{79} ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مما تبقى من فوائد تحت هذه الآية :
أنه جل وعلا قال : ((يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ )) هذا إن دل يدل على
أن الكتابة أبلغ في التأثير من القول
لم ؟
لأن القول حينما يتفوه به يسمع فيكون له تأثير لكنه ينسى لكن المكتوب محفوظ وبالتالي فإن هذه الكتابة المحرفة سارت إلى أن أتى النبي عليه الصلاة والسلام وبعث واستمر الحال على ما هو عليه
إذاً :
علينا نحن ممن له صفحات في التويتر أو في الفيس بوك عليه أن يحذر من أن يكتب شيئا إلا بعدما يستوثق من أن هذا المكتوب فيه نفع
لأنه إن كان هذا المكتوب لغوا فإنه يحاسب عليه
أو ينقص من كماله وإن كان ضررا فإن ضرره يعود عليه بقدر ما تنتجه هذه الكتابة من تغريدة أو نحوها تعود عليه
وبالتالي فبعض الناس نراهم في التويتر في تغريداتهم لا يتورعون من أن يكتبوا أي شيء
سبحان الله !
لم ؟
يقولون : نحن مع الحدث
يعني : التميز لا يكون إلا مع الحدث
سبحان الله !
يعني : كأننا لم نقرأ كلام الله
((وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ ))
هو جل وعلا ينكر على من يذيع الخبر من أول ما يسمعه قبل أن يبرز النبي عليه الصلاة والسلام أو أهل العلم من الصحابة هذا الخبر
فينظر في تبعات هذا الخبر
هل هذا الخبر خير فينشر أم أنه شر فيكتم
{وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ ــ أهل العلم ـ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء83
من يستنبط ؟
العالم الفاهم
مثل البحار الذي يغوص في أعماق البحر
والشرع بحر من العلم
((لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ))
هل هو خير فينشر
أم أنه شر فيكتم
لذا :
نرى بعض الناس يقول : أنا مع الحدث
وتجد أنهم في كل ما يقع يكتب
وبالتالي وأنت تدركون هذا يبدو أن الجميع أن عنده واتسابا
سبحان الله !
خبر يأتينا فلان جرى له كذا
بعد ساعات أو بعد أيام أو بعد يوم الخبر غير صحيح
ولذلك :
أصبح الناس لا يثقون في وسائل التواصل وحقيق بها ألا يوثق بها
لم ؟
لأنه دخل فيها كل من هب ودب
يعني أصبح للأسف أصبح الجميع علماء ليس في علم الشرع
لا سبحان الله
اختلط الحابل بالنابل
ولذا :
بعض الناس لا يحترم عقول من يتبعونه
لم ؟
لأن من يحترم عقول من يتابعه لا يحسن إلا القول الحسن
مثل الخطيب :
الخطيب إذا كان يحترم عقول من يستمع إليه فإنه يحرص على أنه يعد خطبة جميلة تفيد هؤلاء الذين حضروا من الصباح
بعض هؤلاء للأسف لا يحترم عقول من يتابعه
يعني :
كيف ؟
نأتي بعض الناس له تخصص معين أصبح سياسيا يتحدث في السياسة أصبح طبيبا
أصبح مفسر أحلام
أصبح مفتيا
أصبح داعية
أصبح راقيا
أصبح محلال اجتماعيا
يعني : صار كل شيء
وبالتالي :
فإن في هذا من الخطورة الشيء الكبير على ثقافة الأمة على ثقافة الجيل القادم
ولذلك:
كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتكلمون إلا بما تدعو إليه الضرورة
أما أن نكتب كل ما يقع أو ربما لم يقع
يعني :
قبل فترة قالوا : فيه جني في التويتر
والناس وراء هذا الجني كما يقولون وقد يكون لا يعجب
النبي عليه الصلاة والسلام أخبر كما عند مسلم :
قال عليه الصلاة والسلام :
(( سيكون هناك أقوام يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياهم وإياهم ))
وفي مقدمة صحيح مسلم :
” إن في البحر شياطين حبسها سليمان يوشك أن تخرج عليكم فتقرأ عليكم قرآنا “
قال النووي :
إنهم لا يقرؤن القرآن وإنما يأتون إلى الناس ويقولون : هذا قرآن وليس بقرآن
وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه كما قي مقدمة صحيح مسلم :
” يوشك أن يأتي الرجل إلى الرجل فيحدثه بالحديث فيأتي إلى قومه
فيقول : سمعت رجلا يقول هذا القول ولا أعرف وجهه “
والآن يقولون في التويتر :
يقولون : مئات الصفحات وهمية
ولذلك :
دخلت الرافضة ودخل الصوفية ودخل المشككون في دين الله
وكتبوا ما كتبوا
الشاهد من هذا :
أنه كما يحذر الشرع تحذيرا بليغا من القول فالكتابة أعظم في التأثير لأن هذه الكتابة تبقى وتسري في الكون
بل إنه من العجائب في هذا الزمن مع أنه كان من الأولى والأجدر والواجب للمسلم أن يكون أحرص من ذي قبل على أن لا يقول إلا شيئا متثبتا فيه
كان من الجدر به في هذا العصر مع كثرة وسائل التواصل ومع وصولها إلى ملايين البشر
ربما تسري كلمة أو تغريدة إلى ملايين البشر
وأختصر فأقول لك :
ــــــــــــــــــ
مليارات التغريدات يوميا تنطلق في الكون يمنة ويسرة ومن كل جانب فسل نفسك حينما تغرد ما هي التغريدة التي تصعد إلى السماء ؟
((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ))
ومن فوائد هذه الآية الكريمة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا :
(( فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ{79} ))
قلنا بالأمس :
أن كلمة ويل تكررت ثلاث مرات هنا :
تكررت كلمة لهم ((فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ{79} ))
لو قال (( وويل مما يكسبون )) ألا يصح السياق يصح لو كان في غير القرآن يصح
لماذا ذكر لهم ؟
يعني هؤلاء هم لا غيرهم الويل واقع بهؤلاء
فتكرر هذا اللفظ من باب التأكيد على أن هؤلاء ومن يسير خلفهم ممن يحرف الشرع أن له هذا الويل الذي هو كلمة وعيد وتهديد
ومن فوائد هذه الآية الكريمة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا : ((ليشتروا به ثمنا قليلا))
سبحان الله !
هذا يدل على أن اليهود قد تسابقت قلوبهم إلى الشر
كيف ؟
من يشتري الشيء أليست هناك رغبة في نفسه لشرائه؟
الشراء ينبئ عن رغبة
ترون شخصا يتشري شيئا من غير رغبة ؟
يشتري من رغبة ولاسيما أن هذا الشيء يرى أن به منفعة مالية محققة
فتجد أنه يحرص عليه ويتسابق عليه
هؤلاء ــ سبحان الله ! ـ من أجل الدنيا باعوا الشرع ليشتروا بهذا الشرع وهذا الشراء عن رغبة جامحة في قلوبهم ليأخذوا هذه الدنيا الحقيرة
نعم والله حقيرة
يعني في الواقع ذكرت لكم بالأمس بعض الأدلة الشرعية
لكن في الواقع :
ألم نعرف وتعرفوا أناسا كانوا يملكون المليارات وأين هم الآن ؟
تحت أطباق الثرى
هذه الدنيا ليست بشيء
أنا أذكر قصة أنا لا أذكر إلا قصص السلف
الذهبي في سير أعلام النبلاء :
ذكر أن عبد الرحمن الناصر لدين الله
هذا من خلفاء الأمويين في قلب الدولة العباسية
لما سقطت الدولة الأموية قامت الدولة العباسية بتتبع أمراء الدولة الأموية بقتلهم
فنجا منهم : ” عبد الرحمن الداخل “ الذي هو صقر قريش
فذهب إلى الأندلس في أسبانيا فاستتب له الأمر
ولذلك يسمى بصقر قريش ويسمى بالداخل لأنه دخل الأندلس وحده
فأقام الدولة هناك
ولم تستطع الدولة العباسية لم تستطع القضاء عليه
الشاهد من هذا :
أن من سلالته عبد الرحمن الناصر لدين الله من سلالة عبد الرحمن الداخل
هذا الرجل به ذكاء ونجابة فولي وعمره عشرون سنة
وبقي خمسة وخمسين سنة ونصف السنة في الحكم
كان به نجابة حتى سبق أعمامه في هذه الخلافة
الشاهد من هذا :
أن هذا الرجل قمع الله به البدعة وأحيى به السنة لكنه يحب الترف
فبنى مدينة في أسبانيا تسمى بمدينة ” الزهراء “
يعني :
يكفي في أسبانيا جوها وطبيعتها حتى كان الشعراء كانوا يتغنون بها
لكنه بنى هذه المدينة وجعل فيها قصورا من الذهب والزبرجد وكان عنده اثنا عشر ألف خادم
ترف
وشق الأنهار التي تجري من تحت القصور
الرجل :
انظروا : كان يكتب اليوم الذي مر به ولم يصبه هم ولا حزن
انظروا :
ملك وفي أسبانيا وهذه الأموال وهذه الخيرات تتوقعون كم يوم مر عليه ولم يصبه هم ولا حزن ؟
من خمس وخمسين سنة
يعني :
أكثر من مائة وثمانين ألف يوم
كم هي أيام السعادة التي مرت عليه ولم يصبه فيها هم ولا حزن ؟
كم يوم من 180000 يوم ؟
أربعة عشرة يوما 14 يوما
هذه هي الدنيا فلا تحزن مادام أنك بعافية وراحة وطمأنينة مع هذا الدين ما أحسن منها
فانظروا :
((لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً )) الدنيا كلها قليلة
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا :
((فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ{79} ))
مما :
من هنا سببية
يعني :
بسبب ما كتبته أيدهم فهذا الويل الذي حصل لهم من جراء ما فعلوا وهذا ما يسمى عند العلماء : ” الجزاء من جنس العمل “
فمن هنا سببية لأن من تأتي في اللغة ولها معاني
من هنا للسببية
((يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ))
من هنا سببية
قالت إحدى زوجات النبي عليه الصلاة والسلام : (( اغتسل النبي عليه الصلاة والسلام من الجنابة ))
اغتسل من الجنابة
يعني : بسبب الجنابة
ومن الفوائد:
أنه قال جل وعلا : ((مِّمَّا يَكْسِبُونَ{79} ))
يكسبون ماذا ؟
يكسبون المال من الرشاوي وما شابه ذلك وسيكسبون المعاصي
وهذا قولان في الآية
وكما قلت لكم بالأمس معظم تفاسير أهل السنة الاختلاف فيها اختلاف تنوع ليس تضاد ولا تعارض
كيف تفهم هذا ؟
افهم يا أخي وهي فائدة لك إذا قرأت في أي تفسير ووجدت معاني متعددة تحت هذه الآية فإذا كانت الآية تحتمل جميع هذه المعاني فاعلم بأن هذه المعاني تدخل في الآية
إذاً :
((مِّمَّا يَكْسِبُونَ{79} ))
من هذا المال ومن الذنوب والمعاصي التي يفعلونها
وهناك فائدة أخرى أنا أؤجلها لأنه سيأتي الكلام عنها
قال هنا : ((مِّمَّا يَكْسِبُونَ{79} ))
فدل هذا على أن ما يفعله العبد كسب له
أفعالنا كسب لنا وفيه رد على الجبرية
فيه طائفة من الطوائف ضالة : وهي الجبرية
تقول : إن العبد مجبور على فعل نفسه يعني : ليس له حراك
سبحان الله !
ضربي لهذا الجهاز قالوا : ليس من إرادتك إنما حصل الضرب لما أراده الله منك جبرا فحصل هذا الضرب عند إرادة الله لك وليس لك قدرة
هذه هي الطوائف ضالة
يعني :
يا إخوان عندهم من العقول والله لو تقرأ في كتب هؤلاء تقول :
ما هذه العقلية لكن العقلية إذا لم تربط برباط الشرع كما أن العاطفة إذا لم تربط برباط الشرع إذا لم تربط العاطفة ولم يربط العقل برباط الشرع فإن وبالها يكون عظيما
انظروا :
هؤلاء لو تقرأ في كتبهم تقول ما هذه العقلية لكنهم أصحاب كلام
الكلام والقول إذا لم يبن على قول الله وعلى قول رسول الله عليه الصلاة والسلام فلا خير فيهما
ولذلك:
هم يقولون : حركتكم مثل حركة الشجرة
ما لها إرادة
سبحان الله !
يعني : أنت ما لك إرادة
ولذلك :
يترتب على قولهم الفاسد :
أن فرعون لما كفر ما كفر بإرادته فهو مجبور
أبو جهل
فيستوي الناس في هذا
وهذا من الضلال المبين
ولذلك:
نصيحتي لكم :
الارتباط بكلام الله وبسنة الرسول عليه الصلاة والسلام وإذا سمعتم من أي شخص لأنه كما قلت لكم :
الآن الأشياء انفتحت إذا سمعتم في قناة في مقطع من اليوتيوب في غيره إذا سمعتم أي شخص في كلامه لا يقول : قال الله ولا قال : رسوله عليه الصلاة والسلام
فلا تلتفت إليه
بل يجب أن يربط قوله إذا استدل بكلام الله أو سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام بفهم السلف
تفهم مثل ما فهم السلف وما رأينا أحدا في هذا العصر ممن عاصرناه والأمة فيها خير مثل ابن باز وابن عثيمين من السير على منهج السلف
هذا هو العلم الحقيقي
ولا ترى عالما بارزا في هذا العصر إلا وقد درس على هؤلاء واستفاد منهم لأنهم من حين ما خرجوا وهم هكذا
لأن بعض الناس نسأل الله السلامة والعافية مرة يقول بكذا ومرة يقول بكذا
لم ؟
لأنه ليست هناك أصول يبني عليها
البيت إذا ما كان على قاعدة ما ينفع
ولذلك :
نسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح