تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 80 )
قوله تعالى :
(( وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {80} ))
البقرة 80 (3 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمعنا في هذه الليلة ذكر فوائد قوله عز وجل عن اليهود :
(( وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {80} ))
فيما مضى ذكرنا بعض الفوائد
ومن الفوائد:
ـــــــــــــــــــــــــــ
خطورة الأمن من مكر الله
والأمن من مكر الله هو طريقة اليهود فإنهم لما أمنوا مكر الله قالوا هذا القول
والأمن من مكر الله سببه :
أن بعضا من الناس يغلب جانب الرجاء على جانب الخوف
والواجب :
أن تكون بين الرجاء والخوف
لأنك إذا غلَّبت جانب الرجاء أمنت من مكر الله فأبحت لنفسك ما حرم الله وقلت على الله ما لم يقله كصنيع اليهود
وإن غلَّبت جانب الخوف وقعت في اليأس والقنوط من رحمة الله
ولذا:
نجد أن المرجئة طائفة مرجئة تقول : لا يضر مع الإيمان ذنب
أي ذنب تعمله لا يضر إيمانك هكذا يقولون
لم ؟
لأنهم غلَّبوا جانب الرجاء
بينما الحرورية الخوارج لما غلَّبوا جانب الخوف قالوا بتكفير صاحب الكبيرة
هؤلاء هنا
وهؤلاء هنا
لكن أهل السنة والجماعة كما قال ابن تيمية وسط في باب الرجاء والخوف بين المرجئة وبين الخوارج
كيف أمنوا مكر الله ؟
أمنوا مكر الله فظنوا أن الله لن يعذبهم إلا هذه الأيام
ومن الفوائد:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن القرآن مرتبط بعضه ببعض
ولذلك:
وصفه الله بأنه مثاني
لم ؟
لأن الأحكام والقصص تثنى فيه تكرر
ومن هنا :
هم
لما قالوا هذا القول : ((لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً ))
هؤلاء لما قالوا هذا القول ظنوا أنهم في مرتبة عالية فمنعتهم تلك المرتبة العالية أن يخضعوا لأمر الله بما افتروا عليه
وهذا خطأ
نحن قرأنا في سورة آل عمران عنهم:
وكررت هذه الآية لكن بأسلوب آخر:
((وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً ))
في سورة آل عمران التي قرأنا منها جزءا هذه الليلة :
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ{23} ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ{24} }
يعني منعهم من أن يخضعوا لحكم لأنهم قالوا هذا القول الذي قالوه في سورة البقرة
سبحان الله
ما سبب الغرور ؟
الافتراء
ولذلك:
يقول أهل اللغة
وانتبهوا لمَّا تقرءوا أي تفسير من التفاسير ربما يقولون هذه الكلمة متعلقة بتلك الكلمة
هم يقولون كلمة ” وغرَّهم “ متعلقة بكلمة ” يفترون “
إذا قرأت في التفسير وقالوا هذه الكلمة متعلقة بهذا الحرف أو متعلقة بهذه الكلمة فاعلم أن بينهما ارتباطا
((وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ{24} }
قالوا” وغرهم ” لها تعلق بـ ” يفترون “
إذاً :
ماذا يكون المعنى ؟
افتراؤهم على الله سبب للغرور والغرور مقبرة النجاح بل هلاك حياة العبد في دينه وفي دنياه
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــ
أن الله عز وجل أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يخاطبهم : ” قل ”
هذا الأسلوب أسلوب الخطاب أسلوب لإقناع الخصم
وهذا يدل على روعة القرآن
وهناك ما يسمى بـ (التنزُّل مع الخصم ) لإقناعه ولإيقافه على الحقيقة
لم ؟
وهذا يجب أن نتربى عليه نحن
يعني : حينما ترى شخصا مخالفا لك عليه معصية أو حتى لو كان كافرا
فالمقصود من هذا :
أنك تشفق على هذا أن يكو ن من أهل النار
وبالتالي فإنك تتنزل معه لعل وعسى أن يلين ويخضع
ولذلك:
هناك في الشرع :
ما يسمى بالمداراة وهي جائزة
بينما المداهنة محرمة
ما الفرق بين المداراة والمداهنة ؟
المداهنة: أنك ترى الشخص على الذنب وترضى بصنيعه هذه هي المداهنة
بينما المُدارَاة : لا
تراه على الذنب لكنك لا تنهاه عن هذا الذنب تداريه لأنك ترى أن هناك سبيلا آخر هذا السبيل يعجب هذا العاصي فتتخذ هذا الباب من أجل أن تنهاه عن هذه المعصية
فرق دقيق كما قال ابن القيم
فهنا تنزل مع الخصم
كيف يكون التنزل مع الخصم ؟
((قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ ـــ هذا شيء ثم ــ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{80} ))
أنتم بين أمرين :
إما أن الله وعدكم وعدا قد كذبتم في ذلك
فأين دليلكم على أن الله وعدكم ؟
إذاً :
ما بقي إلا أنكم تقولون على الله بلا علم
هذا شريطة أن تكون أم هنا أم المتصلة في اللغة
تسمعون
( بأم )
تقرءون أم في القرآن وفي السنة
وللذك:
قال هنا : ((قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{80} ))
أم : هنا لها معنيان في اللغة :
وهي أم إما المتصلة وإما المنقطعة
هذه تفيدك ، هذه حلاوة اللغة العربية
كيف ؟
أم المتصلة :
لابد أن يذكر فيها شيئان متعادلان
وتكون بمعنى ” أو “
لو قلنا إن أم هنا بمعنى أم المتصلة بمعنى أو
(( قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ (( أو )) في غير القرآن ـــ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{80} ))
هنا تكون أم المتصلة ويكون هناك تنزل مع الخصم
وأما أم المقطعة :
فإنها تكون بمعنى بل :
تكون بمعنى بل
وإذا كانت بمعنى ” بل ” فإن الأمر الأول يترك
((قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ ــ يكون المعنى في غير القرآن بل تقولون على الله ما لا تعلمون ــ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{80} ))
وأم هنا محتلمة المعنيين إما المتصلة وإما المنقطعة
متصلة بمعنى : أو
ومنقطعة بمعنى بل
قوله تعالى :
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }البقرة6
هنا ذكر شيئين متعادلين
أم هنا المتصلة
يعني سواء عليك أأنذرتهم أو لم تنذرهم
فعدم الإنذار والنذارة سواء
قوله تعالى :
{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ }الطور32
بمعنى بل
إذاً :
منقطعة أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم
يعني
بل هم قوم طاغون
فانتبه
ومن الفوائد:
ــــــــــــــــــــ
أنه قال عز وجل : ((قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً ))
هنا نكرة لم يقل العهد أو عهدي أو عهدكم لا عهدا
نكر العهد هنا والتنكير هنا للتعظيم
يعني :
إن كنتم اتخذتم عند الله عهدا ولو كان عظيما أكمل الآية : ((فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ))
ومن الفوائد:
ــــــــــــــــــــــــــــ
((قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ ))
يعني :
لو كان في غير القرآن :
قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف عهده
لماذا كرر كلمة الله ؟
أظهر هنا في مقام الإضمار
يقول أهل البلاغة : هذا إظهار في مقام الإضمار
لماذا أظهر ؟
لتأكيد وتعظيم تحقيق وعد الله عز وجل
ولذا :
ماذا قال :
انتبه : ((فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ ))
العهد هنا أضيف إلى الضمير
والمفرد إذا أضيف إلى معرفة يكون للعموم
يعني : فلن يخلف الله عهده سواء كان عهدا لكم أو عهدا لغيركم
((فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ))
الله لن يخلف العهد سواء كان هذا العهد لكم أم لغيركم
لماذا لا يخلف الله العهد ؟
{رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ }آل عمران9
لم ؟
لا يمكن أن يتخلف عهد الله لأنه الصادق القدير
لماذا يتخلف العهد والوعد؟
حينما يخلف شخصا عهدا ووعدا إما بسبب عدم قدرته لعجزه
وإما لأنه قادر لكنه كذاب
لكن :
هو جل وعلا صادق وقادر
وبالتالي فلن يخلف الله عهده
ومن الفوائد :
أن الكلام في الشرع بلا علم قول على الله
ما الذي بعدها في آخر الآية ؟
((أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{80} ))
فدل هذا على أن القول في الشرع بغيرعلم تقول على الله أما القول في الشرع بعلم فهو توضيح لشرع الله وليس تقولا على شرع الله
ومن الفوائد:
ـــــــــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا هنا : (( قل أتخذتم ))
هنا استفهام
همزة الاستفهام أتت هنا مع همزة الوصل فحذفت همزة الوصل ووضعت همزة الاستفهام
الاستفهام ما معناه عند البلاغيين ؟
انتبه :
هو طلب العلم بالشيء المجهول بإحدى أدوات الاستفهام
هنا أداة الهمزة
لو قال قائل :
أيجهل الله وحاشاه سبحانه وتعالى أيجهل الله هذا العهد أو هذا القول منهم ؟
فائدة بلاغية :
ــــــــــــــ
الاستفهام هو كما أسلفنا طلب العلم بالشيء المجهول بإحدى أدوات الاستفهام لكن إذا كان السائل يعلم بالجواب فإن هذا الاستفهام خرج عن مفهومه الأصلي لغرض من الأغراض الأخرى
ما هو أحيانا تسمع من بعض العلماء أو تقرءون هذا الاستفهام إنكاري
أو للتعجب
أو هذا الاستفهام للتشويق
لم ؟
لأنه خرج عن أصله
((قل أتخذتم ))
الاستفهام هنا : إنكاري
يعني : ينكر الله عز وجل عليهم وإلا فهو جل وعلا عالم ما يحتاج إلى أن يجيبوه
فهو علام الغيوب جل وعلا
يعني :
كما يقال : لما يصنع شخص صنيعا غير لائق لا يليق بالرجال فتقول : أأنت رجل ؟
أيجهل أنه رجل ؟
لا
لكن هنا :
الإنكار عليه