تفسير سورة البقرة الدرس ( 84 ) [ بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته .. ] الآيتان ( 81 82 ) الجزء الرابع

تفسير سورة البقرة الدرس ( 84 ) [ بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته .. ] الآيتان ( 81 82 ) الجزء الرابع

مشاهدات: 597

تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 84 )

قوله تعالى :

((بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{81} وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{82}))

البقرة  81/82 ــــــــــــــــــ ( 4 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نكمل ما تبقى من فوائد عند قول الله تعالى :

((بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{81} وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{82}))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

أن الله عز وجل حكم على أهل الشرك بأنهم يخلدون في النار

ولكن :

ماذا يقال في قول الله عز وجل ؟ :

((يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ{105} فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ{106} خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ{107} ))

قال هنا :

(( خالدين فيها ــ قيد ــ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ  ــ واستثنى ــ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ ))

وختم الآية بقوله :

((إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ{107}))

كأن هذه الآية تشير إلى أن النار سيخرج بعض من أهلها ، وأنها لا تبقى ولا تدوم

 

ولتعلموا :

 

أن جماهير السلف رحمهم الله يقولون : بأبدية النار كما جاء ذكر الأبدية في ثلاثة مواطن في كلام الله وأسلفنا الحديث عنها

طائفة من السلف قالوا : إنها تبقى مدة يقدرها الله عز وجل ثم تفنى

وهذه الطائفة قلة من السلف رحمهم الله

 

ولكن الصواب :

أنها تبقى أبد الآباد بدلالة الآيات الأخرى

لكن :

لو قال قائل :

كيف يجاب عن هذه الآية ؟

يجاب عنها بأكثر من عشرة أوجه كما قال القرطبي رحمه الله لكن أذكر وأقرب وأصح الأقوال

فقوله عز وجل : ((خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ ))

الاستثناء هنا راجع إلى المدة التي كانت قبل دخولهم في النار

أين ؟

في المحشر

أين ؟

 في القبر

وإن كانوا يعذبون بالنار في القبر لكن بالنسبة إلى الاستثناء هنا راجع إلى المدة التي قبل دخولهم في النار

 

والقول الآخر :

وهو قول حسن : ((إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ ))

يعني  : من الموحدين لأن الله يخرج الموحدين العصاة بعد أن يعذبهم الله

لو قال قائل :

وهي فائدة في اللغة العربية

قال هنا : ((إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ ))

ما هنا لغير العاقل

فيه فرق بين ما ومَن :

إذا أتتك (ما) فاعلم أن المقصود منها غير العاقل

أما من فالمقصود منها العاقل

هنا :

((إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ ))

 

ما هنا غير عاقل كيف نقول هم الموحدون ؟

هذا خلاف القاعدة

 

ولكن يقال :

قد تأتي ” ما  “ في مكان ” مَن “  وتأتي ( ما) التي لغير العاقل مقام من التي هي للعاقل لغرض :

الغرض هنا :

ليس الأشخاص وإنما الغرض  : ((إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ ))

يعني إلا العدد المقصود عدد هؤلاء

وليس المقصود الأشخاص

قول الله تعالى : ((فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء))

لم يقل : فانكحوا من طاب

المرأة عاقل

لو كان في غير القرآن فانكحوا من طاب للعاقل

هنا قال : ما طاب

لأن المقصود هنا العدد

والعدد عاقل أو غير عاقل ؟

غير عاقل

فالقاعدة الأصلية :

أن ما لغير العاقل

مَن للعاقل

إن أتت هذه مكان الأخرى فاعلم أن هناك غرضا فريدا عزيزا ومعنى عظيما

 

ولذلك قال تعالى : ((مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ))

سبحان الله !

السموات والأرض تدوم ؟

لا ،  تفنى

{إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ }الانفطار1

{إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ }الانشقاق1

 

فما معنى هذا ؟

يعني : أن مدة بقائهم محسوبة بمدة بقاء  السموات والأرض ؟

الجواب :

لا

هم فيها أبد الآباد والسموات والأرض تفنى وتزول

ولذلك:

هذه  العبارة : ((مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ))

ليس المقصود منها مدة السموات والأرض  وإنما المقصود منها المبالغة

كأن تقول لشخص : لا أكلمك مادامت السموات والأرض

من باب المبالغة

مثل ما مر معنا في الدرس الماضي

 

قوله عليه الصلاة والسلام عند مسلم :

(( تعرض  الفتن على القلوب كعرض  الحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء  حتى تعود القلوب على قلبين قلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة مادامت السموات والأرض ))

 

إذاً :

هي للمبالغة

ولذا : أهو يبقى هذا القلب إلى فناء السموات والأرض ؟

لا

ولذلك:

الساعة تقوم على من ؟

تقوم على شرار الخلق

تقوم على الكفار

فكيف يكون منهم ؟

إذاً :

هذا دليل على أنها للمبالغة ثم انظروا

سبحان الله !

ختم الآية بقوله :

(( إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ))

بينما الآية التي بعدها :

(({وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ }هود108

ختم الآية التي في سياق أهل النار : ((إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ  ))

بينما تلك الآية التي  في سياق أهل الجنة قال : ((عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ))

يعني :

عطاء من الله عز وجل ومنة وكرم غير مجذوذ يعني غير منقطع

 

لماذا اختلفا ؟

وقبل هذا :

قوله تعالى : {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ }هود108

 

أتفنى الجنة ؟

إذاً :

الاستثناء هنا ((إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ)) أي الوقت الذي كانوا فيه قبل دخولهم الجنة في المحشر

ولذلك :

مما يدل على ـ انتبه ــ مما يدل على أنه دائم ولا تنقطع الجنة قال في ختام الآية ربما يتوهم متوهم أن نعيم الجنة يفنى فماذا قال : ((عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ))  هود108

 

يعني :

غير منقطع

ولذلك:

قال تعالى : ((الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ{20} يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ{21} خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ{22} ) )

والآيات في مثل هذا كثيرة

قوله عز وجل:

 {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ }الرعد35

يعني وظلها دائم

قال في سياق أهل النار : ((إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ{107} ))

 

وقال في سياق أهل الجنة :

 ((عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ )) هود108

لكي يبين جل وعلا أن ما أوقعه لأهل النار من هذا العذاب إنما هو بعدله فقال : ((إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ{107} ))

بينما لما كان استمرار نعيم أهل الجنة لا يوازي أعمالهم وهي منة وكرم وفضل ماذا قال ؟

 ((عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ )) هود108

 

لو قال قائل :

قوله عز وجل :

{لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً }النبأ23

الحقب هو ثمانون سنة

 

ألا يدل على أن عذاب أهل النار وأن النار تفنى ؟

 

فيه طوائف ضلت في هذا الباب :

بعضهم يقول : إنهم يدخلون النار ويتكيفون بها

وبعضهم قال : إنهم يدخلون النار ولا يحسون بها

وبعضهم قال : إنهم يتنعمون فيها

كل هذه أقوال باطلة ولا شك فيها ومخالفة أهل السنة والجماعة

لكن :

{لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً }النبأ23

الجواب عن هذا :

أنه لم يقل : (( لابثين فيها حقبا ))  وإنما قال : {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً } النبأ23

جمع والتي قبلها :

قال : قال : (( لابثين ))

وجمَع أحقابا فدل على الاستمرار بدليل آخر الآيات

{فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً }النبأ30

(( كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً )) الإسراء97

 

والغريب :

انه جل وعلا إذا ذكر عذاب الكفار قال : ((عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ))

((عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ))

يذكر اليوم

 

يضيف العذاب إلى اليوم:

فقال بعض أهل السنة : هذا يدل على أنهم لا يبقون فيها لأنه ذكر الأسلوب بأسلوب يوم ؟

فما هو الجواب ؟

الجواب :

أن ذكر اليوم فيه عذاب معنوي

العذاب عذابان :

عذاب بدني ينزل على البدن

وعذاب معنوي

 

تصور :

لو أن شخصا يشرف على الهلاك من الظمأ

حبس شخص  وأسر ويكاد أن يهلك من الظمأ هو الآن في عذاب

لو أتى هذا الذي أسره وأتى بكوب من الماء البارد على أنه يعطيه إياه

فلما أوصله إلى يده أسكبه في التراب

 

أيهما أعظم ؟

الثاني

يعني كونه يبقى على ما هو عليه هو في عذاب

لكن أشدةعذابا من  ذلك أن تمنيه ثم بعد ذلك  تحرمه وهذا هو العذاب المعنوي

 

والآيات في مثل هذا كثيرة :

انتبه خذها معي كلمة كلمة كل ها من باب العذاب النفسي:

((وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا )) كأنهم انبسطوا

ثم بعد ذلك :

((بِمَاء ))

ثم :

((كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ))

وأيضا :

((لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً{24} ))

لما ينفي عنهم الشراب والبرد ثم يستثني يعني :

كأن هناك فرجا :

((لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً{24} إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً{25} ))

 

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

أنه قال جل وعلا :

((وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{82}))

هذا يدل على أن القرآن مثاني

 

ووصفه الله بأنه مثاني :

((اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ ))

لماذا  مثاني ؟

لأنه يثنى فيه الوعد والوعيد

الترغيب  والترهيب

الجنة والنار

تثنى فيه الأحكام الشرعية

تثنى فيه القصص

هذا معنى المثاني

ولذلك:

هنا لما ذكر عقاب أهل النار ذكر نعيم أهل الجنة

وهناك سورة من القرآن مثاني :

ما هي ؟

سورة الفاتحة

الدليل :

{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ }الحجر87

 

لماذا سميت سورة الفاتحة بأنها مثاني ؟

لأنه يثنى بها

يعني : تكرر في كل ركعة

إذاً :

عندنا القرآن مثاني

عندنا سورة وهي سورة الفاتحة مثاني

أيضا عندنا سور من القرآن بمجموعها هي  مثاني

السور في القرآن منها ما هو مثاني

ومنها سور مئين مفرد مائة

ومنها السبع الطوال

ومنها المفصل

السور المئون :

هي التي آياتها أكثر من مائة

أي سورة تمر بك وآياتها أكثر من مائة هذه تسمى بسورة مئين

 

التي دون المائة تسمى مثاني لأنه يسهل تثنيتها وقراءتها

السبع الطوال من البقرة إلى يونس

المفصل من ق إلى الناس

وطوال المفصل من ق إلى النبأ

وأوساط المفصل من النبأ إلى الضحى

وقصار المفصل من الضحى إلى الناس

 

لو قال قائل :

من أين أتانا هذا المفصل ؟

 

فالصحابة رضي الله عنهم يختمون القرآن في كل أسبوع مرة كما جاء في السنن

كانوا يقرءون ثلاث سور في اليوم

يقرءون سور البقرة وآل عمران والنساء في يوم

ثم يأخذون بعد النساء خمس سور تقرأ في يوم

ثم سبع سور

ثم تسع في يوم

ثم إحدى عشرة سورة في يوم

ثم ثلاث عشرة سورة مرتبة في يوم

ينتهي آخر ثلاث عشرة سورة عند ” ق  ” وهو المفصل

المفصل يقرأ في يوم وهو اليوم السابع

يقرؤه الصحابة رضي الله عنهم