تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 86 )
قوله تعالى :
(( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ{83} ))
البقرة 83 ( 1 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقول الله عز وجل :
((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ{83} ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من فوائد هذه الآية الكريمة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الله عز وجل ذكر أمرا فعلته اليهود ،
ومن عظم هذا القرآن :
أنه جل وعلا لم يذكر في سياق واحد وفي نسق واحد ما عليه اليهود جملة وتفصيلا ، وإنما تنوع الأسلوب :
مرة يُذكر لهم أمر ثم يذكر شيء آخر لا يتعلق بهم ثم يعود السياق إليهم مرة أخرى مرة بالوصل ومرة بالفصل
لم ؟
من باب بيان تعداد قبائح اليهود وأن هؤلاء اليهود لهم أساليب متنوعة في الإعراض عن شرع الله
وبالتالي تكون هناك تسلية لقلب النبي عليه الصلاة والسلام ولقلوب الصحابة رضي الله عنهم وأيضا لقلوب هذه الأمة إلى قيام الساعة من أن هؤلاء اليهود هم صنف واحد لا يتغيرون ولا يتبدلون مهما كانت الأسباب فإن هؤلاء هم اليهود هم اليهود في القرن العاشر
في القرن الحادي عشر
في القرن العشرين
إلى قيام الساعة
حتى أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنهم يقاتلون مع الدجال إذا خرج في آخر الزمان
فليس هناك مطمع في التوصل مع هؤلاء إلى وئام أو سلام كما هو الآن يعمل له ويهيأ له ونحن الآن فيما يخص فلسطين ما يقرب من ستين سنة والحال على ما هو عليه
فهذه هي طبيعة اليهود:
{أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }البقرة100
((وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ ))
إذاً :
هذه هي سورة اليهود
ولذا :
أتت الآيات مختلفة في الأساليب في ذكر اليهود مع العلم أن سورة البقرة تحدثت عن طائفة اليهود
بينما سورة آل عمران تحدثت عن النصارى
لو تأملت سورة البقرة لوجدت أن الحديث في محورها يدور على اليهود
بينما في سورة آل عمران تتحدث عن
النصارى وبالأخص نصارى نجران الذين قدموا على النبي عليه الصلاة والسلام
ومن الفوائد:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا هنا :
((وَإِذْ))
إذا أتتك كلمة ” إذ ” في كتاب الله فاعلم :أنها تتضمن فعلا ، هذا الفعل معناه اذكر
فإذا كان السياق في سياق الخطاب للمفرد تقول :
مضمنا لـ ” إذ “ تقول ” اذكر
وإن كان السياق جمعا :
فإن [ إذ ] تضمنت الفعل لكن بصيغة الجمع
اذكروا
إذاً :
هنا :
((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ))
يعني : اذكروا
يعني : يا محمد عليه الصلاة والسلام وكذلك الصحابة اذكروا أخذنا ميثاق بني إسرائيل
فهذه هي قاعدة تسير معك في كلام الله عز وجل :
إذا أتتك كلمة إذ فاعلم بأنها تتضمن فعلا ذلكم الفعل هو اذكر
ولذلك:
قد يظهر هذا الفعل معها من باب التبيين والتوضيح
قوله جل وعلا في سورة الأنفال :
((وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ ))
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن كلمة ” إذ “ تختلف في اللغة العربية عن معنى ” إذا “
وهذا المعنى يفيدنا في فهم كلام الله وفي فهم كلام رسول الله عليه الصلاة والسلام
إذ و إذا : ظرفان
لكن :
إذ للماضي
إذا : للمستقبل
إذا نسيت هذه المعلومة فأنت لاشك تحفظ سورة المدثر :
((وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ{33} وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ{34} ))
الليل يمشي
الصبح يأتي
إذاً :
ما الفائدة
؟
بعض الناس الآن يأتون إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام ويطلبون منه أن يستغفر لهم عند الله
وهذا لا يجوز وشرك
يقولون : عندنا دليل
ما هو ؟
قالوا : إن الله عز وجل قال : {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }النساء64
((وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ))
هل نسلم لهم بهذا الاستدلال ؟
لا
لم ؟
لأن هنا كلمة ” إذ “ ليست كلمة إذا يعني شيء في الماضي
يعني حال حياته عليه الصلاة والسلام وليس فيما يستقبل
إذاً : ما يستدلون به من هذه الآية فهو استدلال غير صحيح
لكن :
قد تأتي إذ مكان إذا و إذا مكان إذ لغرض
وإلا فالأصل :
أن ” إذ “ للماضي
وإذا : للمستقبل
وإن أتت إن شاء الله آيات قادمة تحدثنا عنها
من الفوائد:
ـــــــــــــــــــــــــ
قوله عز وجل : ((أَخَذْنَا ))
من الآخذ ؟
((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ))
الله جل وعلا لكنه ( أحد) فلماذا أتى بكلمة الجمع لم يقل ” وإذ أخذ ” ((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ))
لم ؟
للتعظيم
لأن كلمة ” نا “
انتبه :
كلمة نا ” في اللغة العربية يؤتى بها لأمرين :
إما للجمع لمجموعة أفراد
وإما للمفرد لتعظيمه
وهنا : للتعظيم
((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ )) من باب التعظيم
ولذلك :
في الأوامر الملكية :
نحن فلان فلان ملك
نحن صيغة جمع من باب التعظيم
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أنه جل وعلا قال هنا : ((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ))
بني إسرائيل :
أضاف الميثاق إلى من ؟
إلى بني إسرائيل
أليس هو ميثاقا لله ؟
بلى
لكن لماذا أضافه إليهم ؟
باعتبار أنهم أمروا بالتمسك به
مثل الصراط:
نحن نقرأ في سورة الفاتحة : ((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ))
أضاف الصراط هنا إلى من ؟
إلى المنعم عليهم باعتبار أنهم سالكوه وسائرون عليه
وفي آية أخرى قال :
((وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{52} صِرَاطِ اللَّهِ ))
أضاف هنا الصراط إلى الله باعتبار أنه هو الآمر بالسلوك في هذا الصراط
وأضيف إلى المؤمنين باعتبار أنهم سائرون وسالكون فيه
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا هنا :
((بَنِي إِسْرَائِيلَ ))
لم يقل : ( الإسرائيليون )
وبالتالي :
فإن ما يذاع ويتناقل من قول بعض الناس : هذا إسرائيلي خطأ
أو هؤلاء إسرائيليون خطأ
أو دولة إسرائيل خطأ
نقول : يهود
لا تقل إسرائيلي قل يهودي :
لأن إضافتهم إلى إسرائيل مدح
بني إسرائيل
من هو إسرائيل ؟
يعقوب عليه السلام
وبالتالي فإنهم إذا قيل لهم إسرائيليون أو هذا إسرائيلي هذا مدح
باعتبار أنهم متبعون له وليسوا متبعين له
مثل ما يقال الآن وهو منتشر على الألسنة :
هذا مسيحي
أو هؤلاء مسيحيون
خطأ
هؤلاء نصارى
هذا نصراني :
((وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ))
هذه حقائق شرعية
ينبغي أن نتنبه لها
بعض الناس يقول الأمر فيه واسع
لا
هذه حقائق شرعية
ينبغي أن نحرص عليها
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لو قال قائل :
ما هو هذا الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل ؟
ما بعدها
انتبه :
فائدة :
وهناك طريقة تسمى بطريقة تفسير القرآن بالقرآن وهي متنوعة وهي تحتاج إلى تأمل من الإنسان وهو يقرأ كلام الله :
((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ))
ما هو هذا الميثاق ؟
اقرأ ما بعدها :
((لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ))
هذا هو الميثاق
{وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى }الضحى8
العائل هنا لفقير
ما الذي أدراك أنه فقير ؟
كلمة ما بعدها ((فَأَغْنَى ))
لو تأملت الشيء الكثير وجدت أن القرآن يفسر بعضه بعضا
لكن يحتاج أن يتمعن الإنسان في هذا
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــ
هذا هو الميثاق
كم بنود وأصول هذا الميثاق
كم أصول هذا الميثاق ؟
نحسب:
1ــ ((لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ )) هذا واحد
2ــ ((وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً )) اثنان
3 ــ ((وَذِي الْقُرْبَى )) ثلاثة
4ــ ((وَالْيَتَامَى )) أربعة
5 ــ ((وَالْمَسَاكِينِ)) خمسة
6 ــ ((وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً )) ستة
7 ــ ((وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ )) سبعة
8 ــ ((وَآتُواْ الزَّكَاةَ )) ثمانية
يقول ابن كثير :
إن أعظم الأمم تمسكا بهذا الميثاق أكثر من غيرها هي أمة محمد عليه الصلاة والسلام
ولذلك:
يقول أمرنا بذلك في سورة النساء
ما هي ؟
احسب معي :
{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }النساء36
كم ؟
أحد عشر لو حسبنا الجار الجنب والجار الصاحب
لكن هم الوصية هنا للجار يعني يدخل واحد
إذاً :
هي عشر وصايا
هذه تسمى عند العلماء بآية الحقوق العشرة
إذا قيل لك ما هي آية الحقوق العشرة ؟
فهي التي في سورة النساء
وللحديث تتمة إن شاء الله