تفسير سورة البقرة الدرس ( 95 ) ( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ..) الآيات ( 84 85 86 ) الجزء الأول

تفسير سورة البقرة الدرس ( 95 ) ( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ..) الآيات ( 84 85 86 ) الجزء الأول

مشاهدات: 424

تفسير سورة البقرة ــ الدرس الخامس والتسعون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ….. }

سورة البقرة ـ الآيات ( 84 ــ 85 ــ 86 )

الجزء الأول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قول الله عز وجل :

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) }

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أن الله جدد ذكرا لميثاق آخر وهو جل وعلا كما أسلفنا  لم يذكر ما أخذ  على بني إسرائيل من مواثيق لم يذكر ذلك اليثاق جملة واحدة وإنما إذا أتى حدث أو أمر أعاد مرة أخرى وذكر ميثاقا آخر

من باب بيان أن هؤلاء وهم بنو إسرائيل أن هؤلاء لم يبقوا على حال مع شرع الله وأن حالهم حال إعراض وإدبار لأنه لو ذكر الميثاق جملة واحدة تباعا لانتهى الحديث عن هؤلاء ولم يذكروا لكن لما يتجدد ذكر هذا الميثاق يدل على أن هؤلاء  ليسوا على طريقة مستقيمة ثابتة

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

مر معنا كثيرا الفرق بين إذ وإذا

” إذ ” : ظرف لما مضى

” إذا  “ ظرف لما يستقبل

كيف  تذكر هذا ؟ بالآية التي في سورة المدثر { وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) }

مرمعنا أن ” إذ ” تتضمن فعلا  معناه : واذكر

{ وَإِذْ أَخَذْنَا } يعني واذكر إذ أخذنا الميثاق على بني  إسرائيل

” إذ ” مر معنا أيضا من باب التذكير أن ” إذ ” لما مضى لكن إن أتى بعدها فعل مضارع الفعل المضارع  يكون للحال والاستقبال لكن إن أتى الفعل المضارع بعد ” إذ ” قلبته ” إذ ” إلى الماضي : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا }

هل هو في المستقبل ؟ أم أنهم قد مكروا  ؟

مكروا وانتهى مكرهم { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا } { يَمْكُرُ } فعل مضارع أتى بعد ” إذ  “هنا انقلب من أسلوب الحاضر إلى أسلوب الماضي

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

ما هي أصول هذا الميثاق ؟

الميثاق الأول كم أصل فيه كم قلنا  ؟

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} ثمانية أصول

هذا الميثاق به أربعة أصول  :

الأصل الأول :  أن الله أخذ عليهم الميثاق ألا يسفكوا دماء بعضهم البعض

الأصل الثاني :  ألا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم

الأصل الثالث : أنه لا يظاهر بعضهم على بعض بمعنى لا يعاون بعضهم مع شخص غريب أو مع طائفة غريبة على بعضهم البعض

الأصل الرابع : أنه لو وقع أحد من اليهود أسيرا فإن الواجب عليهم أن يفكوا أسره بالمال ولو عظم  ذلك المال

هذه أربعة أصول في هذا الميثاق

سيأتي معنا معنا إن شاء الله كم أصل من هذا الميثاق وفوا به ؟

ما وفوا بشيء إلا بواحد وهو أنه إذا وقع بعضهم أسيرا فدوه

وسيأتي رد الله على صنعيهم هذا ولذا قال : { تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ }

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

 

أنه قال هنا { لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ }

{ لَا }هنا نافية لأنه لو كانت ناهية لجزمت الفعل المضارع فقال لا تسفكوا والأصل في هذا الأسلوب أنه نهي يعني لا تقدموا على سفك الدم

لكن لماذا أتى بصورة النفي يعني أتى الأسلوب بصورة النفي مع أن المعنى نهي كأن هذا أمر فرغ منه وأنه أمر متيقن ومتعين عليكم  تحقيقه ليس لكم مجال ، وليس لكم رأي ، وليس لكم تردد في عدم الوفاء  به كما مر معنا
{ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ } وما قيل هناك يقال هنا حتى إن بعض العلماء قال الأصل أنه للنهي فكانت هناك أن الناصبة لئلا تسفكوا فحذفت أن الناصبة فرفع الفعل كما رفع في قوله { لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ }

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

 

أن أعظم المحرمات هو قتل النفس بعد الشرك بالله ، ولذلك قال تعالى في صفات المؤمنين : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا }

دل  على أن القتل هو بعيد الشرك

جعل الزنا في المرحلة الثالثة

فدل هذا على خطر سفك الدماء ، ولذلك أول ما قالته الملائكة فيما مضى معنا لما قال جل وعلا { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ }

أليس سفك الدم من الإفساد  ؟ بلى لكن لماذا أفرده ؟

لأنه عظيم

فأعظم ما يقدم عليه الإنسان من الجرم أن يقدم على قتل النفس

ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري : (( لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب  دما حراما )) يعني ما دام أنه لم يصب دما حراما فالباب أمامه مفتوح مهما فعل من ذنب وإن كان عظيما إلا أن دينه مازال معه فسيحا لكن إذا أقدم على قتل النفس هنا يضيق عليه الأمر

 

ولذا يقدم بعض الناس على القتل من جراء مشكلة بسيطة ليست بشيء

يمكن يقتل بعضهم بعضا على شبر من الأرض أو مائة ريال بتضخيم الشيطان لها وإذا قتل عاد الندم ولا ينفع الندم حينها

ولذا قال تعالى : { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا }

هذه عقوبات عظيمة ، ولذلك يوم القيامة كما صح عنه عليه الصلاة والسلام يأتي المقتول بالقاتل ورأسه يشخب دما فيقول يارب سل هذا لم قتلني ؟

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أن تحريم قتل النفس موجود في الأمم السابقة كما هو محرم في هذه الشريعة

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا : { لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ } أيمكن أن يسفك الإنسان دمه ؟

لو سفك دمه فهو المنتحر والمنتحر جاءه الوعيد الشديد

لكن هنا :

قال { لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ } المقصود من هذا أي لا يسفك بعضكم دم بعض لأنكم بمنزلة الجسد الواحد كما قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)

ولذلك قال : { وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ }

هل أحد يقدم على أن يلمز نفسه ؟

لا أنتم بمثابة اللحمة الواحدة فلا تقدموا على هذا الفعل

فكأنك إذا قتلت أخاك فكأنك تقتل نفسك

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

 

سفك الدم بالنسبة لهذه الأمة أصبح رخيصا

ما ينظر الآن في البلدان الإسلامية يذبح الإنسان أخاه كأنه يذبح دجاجة أو طيرا

ولذلك :

( لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن كثرة القتل في آخر الزمن قال بعض الصحابة : يارسول الله أولنا عقول  ؟ قال : تنزع عقول ذلك الزمن )

يقتل الأخ أخاه

وذلك القتل بسبب الدنيا

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام قال  ك ( تقيء الأرض أفلاذ أكبادها )

تخرج قيئا وهو المال تخرج الأموال

( تقيء الأرض أفلاذ أكبادها من الذهب فيدعه الناس فيقول في هذا قتلت وفي هذا سرقت )

يعني كان القتل ذريعة للاستيلاء على هذا المال فأصبح رخيصا

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

 

أن الحنين إلى الوطن فطرة وحب الوطن فطرة وأما ما جاء من حديث

” حب الوطن من الإيمان ” فليس بصحيح ولكن الحنين إلى الوطن والانتماء إلى الوطن هذا فطرة

ولذلك ماذا قال عز وجل بعدها ؟

{ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ } كون الإنسان يخرج من وطنه أو من دياره هذا شيء عسير وصعب عليه ومشقة على النفوس

ولذلك :

النبي عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي  لما أخرجته صناديد قريش  من مكة وارتحل إلى المدينة وقف في مكان يقال له الحزورة عند حدود مكة فقال : ( والله إنك لأحب أرض الله إلى الله ولولا أن قومك أخرجوني منك  ما خرجت )

 

ولذلك :

الصحابة رضي الله عنهم لما ذهبوا إلى المدينة ،  وتركوا مكة كبلال جعل يتغنى بجبال وأودية مكة شوقا إليها فيقول :

وهل أردنَّ مياه مجنة   وحولي إذخر وجليل

يتغنى بها

فدخلت عائشة عليه وهو يتلظى من حمى المدينة

فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة ))

يعني الحنين للوطن تدل عليه هذه الآية وإلا لما نهوا عن إخراج الإنسان من دياره

ولكن ليعلم :

وقد ذكرشيخ الإسلام أن الوطنية كما في مجموع الفتاوى قال هي فطرة في قلوب الناس ولكن يجب ألا تكون هذه الوطنية سببا لتمييع شرع الله

ولذلك :

قال قال بعضهم لا يفرق بين اليهودي وبين المسلم وبين النصراني وبين المسلم باعتبار أنه في وطنه

بعض الناس الآن في بعض البلدان العربية يقولون هذا فلان من نفس الوطن لا فرق

لا ، فيه فرق ، لاشك أن الوطنية لها مقامها لكن لا يميع الشرع بها ، وكذلك لا تعظم هذه الوطنية على حساب الشرع فلا تجعل هذه الوطنية محل الولاء والبراء  ، لا

محل الولاء والبراء هو شرع الله عز وجل ليست الوطنية

 

إن شرع الله لا يجيز لا لصغير ولا لكبير أن يخصص يوما يحتفل به ويعود على نفس ذلك اليوم

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم إلى المدينة كما في حديث أنس في السنن وجد أن الأنصار يلعبون في يومين ( قال : ما هذان اليومان ؟ قالوا : يارسول الله نلعب فيهما في الجاهلية ، قال : إن الله قد أبدلكما بخير منهما عيد الأضحى وعيد الفطر )

هذا نص جازم على أنه لا عيد إلا عيد الأضحى وعيد الفطر ما عداه فلا وإن سمي بأسماء أخرى فلا يلتفت إليها

 

العيد :

كما قال شيخ الإسلام هو ما عاد على وجه معتاد إما بعود السنة أو الشهر أو اليوم يعني مادام أنه في مثل هذا اليوم في كل سنة يأتي هذا اليوم ويعد فيه احتفال أو تعظيم فإنه في مثل هذه الحال يسمى عيدا بقطع النظر عن تسمية الناس بهذا الأمر

ولذلك :

قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليشربن أقوام من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها )

القضية قضية أنه عاد على يوم معتاد في زمن معين فإنه يكون محرما

إذًا ما يصنعه أيضا مما يأتي من أفعال من يعيش في الوطن ويجعل له احتفالا وتعظيما وأنه كيوم الأضحى أو يوم الفطر فهذا من البدع ولا يجوز في شرع الله

فالحذر الحذر

فإنه لا يبقى أمن ولا خير لأي دولة أو لأي أمة إسلامية إلا بالتمسك بالعقيدة { الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } بظلم يعني بشرك

ولاشك أن البدع بريد إلى الشرك