تفسير سورة البقرة الدرس ( 96 ) [ وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم .. ] الآيات ( 84 85 86 ) الجزء الثاني

تفسير سورة البقرة الدرس ( 96 ) [ وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم .. ] الآيات ( 84 85 86 ) الجزء الثاني

مشاهدات: 451

تفسير سورة البقرة ــ الدرس السادس والتسعون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ….. }

سورة البقرة ـ الآيات ( 84 ــ 85 ــ 86 )

الجزء الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

قول الله عز وجل :

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) }

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أن هذا الميثاق كما أسلفنا نص على أربعة أصول :

ــ عدم سفك الدم

ــ عدم إخراج بعضهم البعض من البلد

ــ أنه إذا وقع بعضهم في الأسر أنه يفدى

ــ أنه لا يظاهر بعضهم على بعض يعني لا ينصر أحد منهم الغريب على أهله

هذه أربعة أصول نحتاج إلى حضورها في الذهن حتى نفهم الآيات

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

وهي فائدة لغوية :

قوله { وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ } النفس سميت بهذا الاسم لأنها أنفس ما يكون فهي نفيسة يعني شريفة ، ولذا لما كانت النفس بهذا الاعتبار اللغوي من النفاسة فإنه لا يجوز أن يقدم شخص على زهق نفس شخص آخر ثم هو أيضا لا يجوز له أن يقدم على زهق هذه النفس الشريفة التي هي ملك لله

ومن بين الآيات  :

{ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ }

{ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ }

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أن بني إسرائيل لما أخذ عليهم الميثاق أخذ عليهم هذا الميثاق مجردا أم أنه مؤكد ؟

مؤكد بمن ؟

مؤكد بإقرارهم هم { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ } فهؤلاء بنو إسرائيل أخذوا عليهم هذا الميثاق وأقروا به وشهدوا على أنفسهم أن هذا الميثاق واجب عليهم { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ }  ثم مع هذا الإقرار أهم غافلون في ثنايا هذا الإقرار أم هم شاهدون لهذا الإقرار بعقولهم وبوعيهم ؟

شاهدون بعقولهم وبوعيهم ولذلك قال { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } الجملة هنا جملة حالية تفيد أن هذا الإقرار لم يكن في غفلة من هؤلاء وإنما  كان هذا الإقرار في حالة كون هؤلاء قد شهدوا بعقولهم ما التزموا به

ومعلوم أن أعظم الأدلة هو أن يقر الإنسان على نفسه فهو أعظم ما يكون من البينات بل هو يقدم على البينة الإقرار

وهناك حديث ” لا عذر لمن أقر “

ما رأيكم بهذا الحديث ؟

الحيث هذا لا يصح ، ضعيف لكنه يدل على أن الإقرار هو دليل قوي

وهناك عبارة للأسف تقال من بعض الناس يقول : القانون لا يحمي المغفلين هذا خطأ

القانون وضع من أجل الأذكياء ؟

ولذلك هذه عبارة خاطئة لا تصح من حيث المعنى ولا تصح من حيث  الشرع

والمقصود من هذا القانون الذي لا يعارض الشرع لأن ما يعارض الشرع لا يقبل

ولذلك الإقرار هو من أعظم الأدلة لكن لو أن الإنسان أقر بشيء فإنه يدان بهذا الشيء إلا  في حدود الله

سبحان الله !

لو أن الإنسان أقر على نفسه بالزنا يقام عليه الحد لكن لو أراد أن يرجع له الرجوع

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا هنا { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ } أصلها : ثم أنتم يا هؤلاء

يا النداء حذفت وكثيرا ما تحذف ياء النداء إذا دل السياق عليها

مثل  : { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا }

فإن السياق يدل على أنه سياق نداء

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أهؤلاء اليهود وفوا بهذا الميثاق ؟

كم هذا الميثاق كم أصل لهذا الميثاق .؟

أربعة

هل وفوا بهذا الميثاق أو وفوا ببعضه أو لم يوفوا بشيء ؟

وفوا بشيء واحد وأهملوا ثلاثة أشياء

ما الذي أهملوه :

ــ أن بعضهم قتل بعضا

ــ وأن بعضهم أخرج بعضا

ــ وأن بعضهم ناصر الغريب عليهم  من غيرهم

إذًا ما الذي بقي ؟

بقي أن الواحد منهم إذا وقع في الأسر فادوه بالمال

كيف وقع القتل ؟

لتعلموا أن قبل مجيء النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة كان اليهود أصنافا :

ــ يهود بني قريظة

ــ يهود بني النضير

ــ يهود بني قيقناقاع

من في المدينة من غير اليهود هم الأوس والخزرج

الأوس والخزرج بينهما حروب طاحنة ، الأوس حالفوا طائفة من اليهود

والخزرج حالفوا طائفة من اليهود

لما يقع قتال بين الأوس وبين الخزرج حلفاء الأوس يعينون الأوس وحلفاء  الخزرج يعينون الخزرج

فإذا حصلت حرب سيكون هناك قتل ، قتل ممن ؟

من اليهود يقتل بعضهم بعضا ويخرج بعضهم بعضا من الديار ويعاون بعضهم على بعضهم البعض إذا كان حليف الأوس أو كان حليف الخزرج

فهذا هو معنى الآية

ثم إذا لم يوفوا بهذه الأشياء الثلاثة إذا حصلت حرب ووقع هناك أسير أو أسرى من اليهود هنا ما الذي فعلوه ؟

يفدي بعضهم بعضا يدفع المال من أجل أن يخلصه

ولذلك قال تعالى : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ } يعني ياهؤلاء

يا : ينادى بها القريب أم البعيد ؟

لتعلموا :

أن يا النداء والهمزة ينادى بهما للقريب

ما عدا أدوات النداء التي هي الهمزة ويا ينادى بها البعيد

ولذلك لا ينادى الله جل وعلا  لا ينادى اسم الله إلا بأداة واحدة من النداء ” يا ” يا الله

والله قريب { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ }

 

 

{ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ } يعني ياهؤلاء هنا ناداهم بحرف ” يا ” النداء الذي هو للقريب يعني أنتم يا هؤلاء يعني هم قريبون

ولتعلموا :

أنه أحيانا قد ينادى بالأادة التي للقريب قد ينادى بها للبعيد أو العكس لأغراض بلاغية

هنا ” يا ” ينادى بها القريب وهؤلاء هم قريبون قريبون من ماذا ؟

من هذا الميثاق

هذا الميثاق الذي أتى النبي عليه الصلاة والسلام  بتوضيحه لهم

{ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } خالفوا الأصل الأول

الثاني : { وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ }

الثالث : { تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }

الرابع : { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ }

ثم قال : { وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ }

يعني : لماذا تقدمون على أن تفدوهم بالمال وهذا حق أوجبه الله عليكم  وتتركون الحقوق الثلاثة الأخرى فهذا إيمان ببعض الكتاب وترك البعض  منه

 

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا هنا : { تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }

ما معنى المظاهرة ؟ هي العلو

لماذا سمي الظهر ظهرا ؟

تقول ركبت على ظهر البعير لأنه هو العالي المرتفع

قال جل وعلا عن سد يأجوج ومأجوج : { فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ } أي يعلوه أن يصعدوه { وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) }

ولتعلم أن كلمة الظهور أو الظهر تدل على العلو

{ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } لماذا قال { تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } أهناك فرق بين الإثم وبين العدوان ؟

نعم

الإثم هو الذنب القاصر عليك

العدوان هو الذنب الذي يتعدى إلى غيرك

وهؤلاء لما وقعوا في المظاهرة والمعاونة فيه عدوان على غيرهم من جنسهم وإذا وقع الاعتداء إيقاع الاعتداء بالغير ألا يكون إثما ؟

بلى يكون إثما

فهنا قال : { تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }

 

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــ

أن فكاك الأسر واجب في الملل السابقة كما هو واجب في هذه الملة

ولذلك قال العلماء : لو أن أسيرا من أسارى المسلمين وقع في أيدي الكفار فيجب على المسلمين أن يفكوا أسره ولو لم يبق في بيت المسلمين درهم فإن لم يكن هناك مال فيجب على من علم بحاله من المسلمين

فإن تركوا هذا الأمر فإنهم آثمون

إذًا كما أن فك الأسر واجب في هذه الملة أيضا هو واجب في الملل السابقة على بني إسرائيل