تفسير سورة ( البلد ) الدرس ( 277 )

تفسير سورة ( البلد ) الدرس ( 277 )

مشاهدات: 751

تفسير سورة ( البلد )

الدرس (277 )

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــ

تفسري سورة البلد…

{لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)}

{ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ } أقسم الله بالبلد، وهو مكة، { لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) } وأنت هنا اعتراض بين القسم وبين القسم الثاني، { وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ } يعني أنت حلال بهذا البلد، فالله وعدك أن تفتح هذه البلاد، وأنه أحل لك ساعة من نهار فيها، وقد وقع ما أخبر به عز وجل، { وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ } وقيل { وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ } يعني يا محمد في أول أمرك، ومع ذلك ذلكم البلد الآمن لم يجعلوك آمنا، ولا تعارض بين القولين، { وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) } يعني كل والد وكل ما ولد، وقيل آدم وذريته، ولا تعارض بينهما { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } { وَوَالِدٍ وَمَا } يعني والذي { وَلَدَ } ولكن ليعلم هنا من أن هناك قولا من أن ما في { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } يعني من ولد، ومن كان عقيما، ومن كان عقيما، وعلى كل حال القسم هنا بماذا؟ القسم هنا من أجل أن يقسم الله بالآدميين كلهم { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } هذا القسم من أجل ماذا؟ تأكيدا على ماذا؟ { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ } يعني في مكابدة في دنياه، وحتى فيما يلقاه فيما يستقبله، فيما يكون في قبره، وفيما يكون في محشره، ثم سبحان الله { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ } لا تجد أحدا في هذه الدنيا إلا وهو يكابد حتى لو كان ملكا حتى لو كان غنيا حتى لو كان فقيرا، الكل يكابد كل على حسب مكابدته.

{ أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } وذلك من عارض النبي صلى الله عليه وسلم من كفار قريش يظن أن الله لن يقدر عليه، بل هو في ماذا؟ في تصرف الله، وفي إحاطته عز وجل، فقال الله { أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) } يعني مالا كثيرا قد تلبد بعضه على بعض في ماذا في معارضة محمد صلى الله عليه وسلم.

{ أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ } بل الله يراه، وأحصى عليه أعماله، وسيجازيه عليها، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم  كما ثبت عند الترمذي ” لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع منها عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه”

{ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9)} ذكر اللسان مع الشفتين لأن الكلام السوي لا يكون كلاما سويا إلا بلسان مع شفتين.

{ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } يعني هديناه طريق الخير وطريق الشر، وقال {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } { النَّجْدَيْنِ } النجد المرتفع يعني أنه بين له ماذا؟ طريق الخير وطريق الشر بيانا واضحا، وهذا أظهر من قول من يقول {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } يعني هديناه الثديين يعني ثديي أمه.

{ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ } يعني هلا اقتحم العقبة كان من أولى به بدل من أن ينفق ماله في معارضة الدين أن يقتحم العقبة الشديدة التي سيواجهها يوم القيامة.

{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ } استفهم عنها من باب تعظيمها، ما هي؟

{ فَكُّ رَقَبَةٍ } يعني أنه يعتق الإماء والعبيد، وقيل { فَكُّ رَقَبَةٍ } يعني أنه يفك رقبته من عذاب الله بفعل الطاعات.

{ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } يعني في مجاعة شديدة يطعم من؟ { يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ } يعني اليتيم القريب له { أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ } يعني يطعم مسكينا قد افتقر افتقارا حتى ألصق بالتراب.

{ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا } { ثُمَّ } هنا ليست للترتيب الزمني، وإنما هي للترتيب الذكري يعني أن تلك الأعمال لا يمكن أن تكون أعمالا مقبولة من الإطعام وما شابه ذلك إلا بالإيمان، ولذلك قال { ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } يعني فيما بينهم توصوا بالصبر على الحق { وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } تواصوا على فعل الخير { وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ }على رحمة المخلوقين جمعوا بين حق الخالق وبين حق المخلوق { أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ } الذين يعطون كتبهم بأيمانهم

{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا } يعني بالقرآن { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ } وهم أهل الشمال { عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ } يعني مغلقة.