تفسير سورة ( التكوير ) الدرس ( 268 )

تفسير سورة ( التكوير ) الدرس ( 268 )

مشاهدات: 443

تفسير سورة ( التكوير ) كاملة

الدرس (  268 )

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة التكوير…

{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) }

 { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } يعني لفت وجمعت كما تلف الكرة ثم قذف بها في النار.

{ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ } يعني تساقطت { وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ } يعني عن أماكنها.

{ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ } وهي الإبل جمع عشراء، وهي الإبل التي هي  من أنفس أموالهم، وهي الناقة الحاملة، قال بعض المفسرون: هذا تمثيل  لانشغالهم بهذه الساعة؛ لأنه لا يوجد إبل في مثل ذلك اليوم، وقال بعض المفسرين: لا مانع من أن تكون هناك إبل في ذلك الموقف،  فقال تعالى {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ } يعني أن لهول هذا اليوم ينصرفون عن هذه الإبل التي هي من أنفس أموالهم.

{ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } الوحوش المفترية والتي تنافر تجمع يوم القيامة حتى يقتص من الوحش الظالم للوحش المظلوم، وقد مر معنا توضيح لذلك أكثر في قوله تعالى: { ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }

{ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ } يعني فجرت وامتلأت ماء، وأيضا تأججت نارا.

{ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } يعني النفوس قرنت بأزواجها بمعنى أن الأرواح تكون مع الأجساد، وأيضا كل نفس تكون مع من يشاكلها من حيث  العمل.

{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)} وهي الموؤدة التي تقتل ظلما كما هو حال أهل الجاهلية تسأل مع أنها لم تصنع شيئا، وإنما تسأل من باب التبكيت والتحقير لمن قتلها كما قال تعالى لعيسى عليه السلام { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } هذا تحقير، وتبكيت لمن عبده.

{ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } وهي صحف الأعمال بني آدم تنشر، قال تعالى { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا }

{ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ } يعني نزعت من أماكنها كما ينزع جلد الشاة من على ظهرها.

{ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ } يعني أوقد عليها، { وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } يعني قربت لأهلها، { وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } كل ذلك إذا حصل { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ } يعني ما أحضرته من أعمال كما قال تعالى { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا }

{فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29) }

{ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ } يعني أقسم الله بالنجوم، وهذا أصح ممن قال إنها هي الظباء وإن كان لا مانع من دخول ذلك، لكن الأظهر من حيث السياق هذا الأول، وقد يدخل القول الآخر في ذلك.

{ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ } وهي النجوم التي تختفي في النهار.

{ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ } يعني التي تجري بأمر الله

{ الْكُنَّسِ } يعني تجري إلى أن تغيب في أماكنها.

{ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } { عَسْعَسَ } يعني أقبل أو أدبر.

{ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } يعني أنه خرج وامتد ضوء هذا الصبح، ولذا لما قال الله { وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } قال بعض المفسرين: حتى تكون المقابلة أفضل يكون معنى { عَسْعَسَ } يكون بمعنى أدبر { وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } لأنه قال عن الصبح { وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } يعني أقبل لكن في الليل يكون ماذا ؟ يكون أدبر

{ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)} هنا قسم بهذه النجوم، وبهذه الأشياء على ماذا؟ على أن ما أتى به محمد إنه لحق.

{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } والرسول هنا من؟ هو جبريل عليه السلام {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } يعني صاحب قوة { عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } له مكانة عند الله.

{ مُطَاعٍ } يعني تطيعه الملائكة { ثَمَّ أَمِينٍ } يعني هو أمين عليه السلام فهو أمين على الوحي.

{ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } أي ذلكم القسم أيضا هو قسم على أن صاحبكم وهو محمد صلى الله عليه وسلم ليس بمجنون{ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآَهُ } يعني النبي عليه الصلاة والسلام رأى جبريل على صورته قال { وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ } يعني من جهة المشرق، ومن ثم فإن الله قال { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى } المقصود من ذلك كما مر معنا هو جبريل، وأما من قال من أن قوله تعالى { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى } من أنه هو الله ، واستدلوا على ذلك بحديث ذلكم الحديث حديث شاذ لا يصح عنه عليه الصلاة والسلام

{ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ } يعني أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس بضنين يعني ليس ببخيل على أن يبلغ الرسالة، وهناك قراءة { بظنين } يعني ليس بمتهم.

{ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ } كما زعمتم.

{ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ } أين تذهب عقولكم لتنصرف عن هذا الحق وتقبل على آرائكم الباطلة، وعلى هذه الأقوال الشاذة فقال تعالى { فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ } يعني القرآن { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } يعني أنه تذكرة للعالمين { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ } على شرع الله { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } فلن يستطيع أحد أن يستقيم إلا بمشيئة الله عز وجل…