تفسير سورة ( الجن )
الدرس (259 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــ
تفسير سورة الجن… وهي من السور المكية…
{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7)}
{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا} وهؤلاء أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن الجن قد استعموا إليه كما مر معنا في سورة الأحقاف، كما قال تعالى {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ} فقال تعالى {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا} فالجن أثنوا على القرآن بأنهم سمعوا هذا القرآن الذي هو عجببا باعتبار ألفاظه، وباعتبار معانيه وما فيه من الهدى والخير، ثم قالوا {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ} فدل هذا على أن التوحيد هو الرشد، وأن من ترك الدين فهو سفيه، {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}.
{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} يعني تعالى عظمة ربنا {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً} يعني زوجة {وَلَا وَلَدًا}.
{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا} يعني كبيرهم الشيطان، وهذا يدل على ماذا؟ على أنه سفيه لأنه أشرك، لكن من آمن {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} يعني ظلما وكذبا وجورا، وهو الشرك بالله، {وَأَنَّهُ كَانَ} ويدخل في ذلك كل سفيه اتبع الشيطان {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا}
{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} هؤلاء الجن لما سمعوا القرآن قالوا ما ظننا أن الجن والإنس تقول على الله الكذب، فنحن اتبعناهم بناء على أننا صدقناهم وبهذا يعتذرون لأنفسهم {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}.
ثم قال الله {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} كانوا في الجاهلية إذا أتى أحدهم إلى الوادي قال أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه بمعنى أنه يستعيذ بالجن، وهذا شرك بالله، قال{فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} يعني زاد الإنس الجن لم استعاذوا بهم {رَهَقًا} يعني طغيانا وكفرا، وزاد الجن الإنس زادوا الإنس خوفا ورهقا وتعبا؛ لأن من لجأ إلى غير الله فإن حاله إلى عذاب، ولذلك ذكر الله حالهم، {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}
{وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا} قال تعالى {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا} يعني الجن {كَمَا ظَنَنْتُمْ} يعني يا كفار الإنس {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا}.
{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)}
قالت الجن {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} يعني حرست بالملائكة، وبما قدره الله، وحرست بالشهب وهذا يدل على ماذا؟ على أن قوله تعالى {مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} من أنها قبل ذلك قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام لم تملأ، وقد مر معنا بيان ذلك مفصلا في أول سورة الصافات، {وَأَنَّا كُنَّا} تقول الجن {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} يعني نستمع ما تقوله الملائكة {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} شهابا يرصده حتى يحرقه وحتى يثقبه.
{وَأَنَّا لَا نَدْرِي} يعني تقول الجن لما منعنا من السماء {وَأَنَّا لَا نَدْرِي} ما سبب هذا الأمر؟ هل هو شر سيقع في الأرض، أم خير سيكون لأهل الأرض؟ ولذا قالوا {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ} ولذلك لم يقولوا أشر أراد الله بأهل الأرض من باب أنهم لا ينسبون الشر إلى الله تعظيما لله كما قال عليه الصلاة والسلام عند مسلم: ” والشر ليس إليك” لكن عند الخير ماذا قالوا لما قالوا {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} صرحوا باسمه عز وجل {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} يعني خيرا، وهذا قبل أن يعلموا بماذا؟ أن يعلموا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلما أتوا واستمعوا إليه ورأوه هنا علموا أن منعهم من السماء هو بسبب بعثة محمد صلى الله عليه وسلم.
{وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} يعني تقول الجن {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} يعني من هو دون الصالحين، وأيضا هناك من هم دون دون وهم المشركون، {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} يعني كنا مذاهب متفرقة وأهواء وأحزاب، ولذا صح عن الأعمش رحمه الله كما قال ابن كثير رحمه الله عن شيخه المزي من أنه قال عرضت هذا الإسناد على شيخنا المزي من أن الأعمش قال:” تروح إلينا جني فقلنا له ما أحب الطعام إليكم؟ قال الأرز، فقدمنا له فلم يبق شيئا، ثم قلنا له هل فيكم هذه الأهواء مثل التي فينا؟ قال نعم فينا، فقلنا من شر الطوائف عندكم؟ قال: الرافضة”
{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ} أي في أي بقعة من بقع الأرض يعني هم أيقنوا بعد سماع القرآن {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا} لن نستطيع أن نهرب من الله ولو كنا في السماء أو في أي مكان.
{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ} الجن تقول {لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ} وهؤلاء الجن طائفة منهم كما قال تعالى {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ} فقال تعالى عن هؤلاء {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} يعني نقصا في حسناته {فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} يعني أنه لا يزاد على سيئاته.
{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} {الْقَاسِطُونَ} يعني الجائرون الظلمة؛ لأنه من قسط بمعنى جار القاسط، لأن من أقسط يعني عدل فهو مقسط،
{فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} بمعنى أنهم ساروا في الطريق الذي هو الرشد، وهو دين الحق، {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} القاسطون وهم الكفرة، {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} كما قال تعالى {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}.
{وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)}
{وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} يعني ماء متدفقا {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} أي لنختبرهم فيه، {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} معنى ذلك وأن لو استقاموا على طريقة الإسلام {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} من يشكر ممن لا يشكر، وقال بعض المفسرين {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} يعني على طريقة الشرك {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} من باب أننا نمهلهم ونمتعهم كما قال تعالى {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ}
{وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)} من أنه يدخل ماذا؟ يدخل في العذاب الصعد، والصعد هو الشاق الذي يشق على الإنسان {يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا}.
{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} وذلك لأن الأمم السابقة إذا أتوا إلى معابدهم فإنهم يشركون مع الله فقال تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} هذه المساجد هي لله، فلا يجوز أن يشرك مع الله، وكذلك المساجد كما قال بعض المفسرين، ولا تعارض بينها هي مواضع السجود، فلا تسجدوا بجوارحكم وبأعضائكم لغير الله.
{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} {لِبَدًا } يعني مجتمعين بعضهم فوق بعض قد تزاحموا عليه، من؟ قيل هم الجن لما استمعوا إليه جلعوا يجتمعون إليه، وقيل من أن شياطين الإنس وشياطين الجن أرادوا أن يجتمعوا على النبي صلى الله عليه وسلم حتى يهلكوا دعوته، وحتى ينفروا الناس من ذلك.
{قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي} {قُلْ} يا محمد {إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي} فكيف يدعى محمد من قبل أولئك الذين ضلوا وأضلوا يدعون النبي صلى الله عليه وسلم ويستغيثون به وهذا من الشرك بالله. {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا}.
{قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} لا أملك أن أدفع عنكم ضرا، ولا أستطيع أن آتي لكم بخير من رشد وغير ذلك، فكيف يدعى من دون الله؟!
هذا هو الشرك. فقال الله {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا}.
{قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} لن يمنعي من الله أحد {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} يعني ملجأ ألتجئ إليه {إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ} يعني من أنه لا مأمن لي إلا أن أبلغ رسالات ربي، أو لا أملك شيئا إلا أن أبلغ رسالات ربي {إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} والعصيان هنا هو الكفر بالله {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} وتغيرت بعض الكلمات من الجمع إلى الإفراد باعتبار كلمة “من” كما مر معنا في السور السابقة.
{حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)}
{حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ} يعني العذاب {فَسَيَعْلَمُونَ} حينها {مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا} لأنهم يقولون للمسلمين أنتم ضعفاء، ولا ناصر لكم، وأنتم أقل عددا، {فَسَيَعْلَمُونَ} حينها {مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا}.
{قُلْ} يا محمد {إِنْ أَدْرِي} يعني ما أدري {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ} يعني من العذاب {أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا} يعني زمنا علمه عند ربي.
{عَالِمُ الْغَيْبِ} يعني ما غاب عنكم {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} فالغيب لا يعلمه إلا الله، لكن قد يخبر ببعض الغيب لبعض الرسل، فقال الله {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} {رَسُولٍ } يعني ممن اختاره وارتضاه {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} يعني فإن الله يسلك من بين يديه يعني من بين يدي هذا الرسول {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} يعني من جميع الجهات {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} يعني ملائكة يحفظونه ويرصدون ما يكون عليه من سوء، فيمنعونه عن السوء.
{لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا} يعني ليعلم الله عز وجل {أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا} يعني أن الرسل قد بلغوا {رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} {أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} وأحاط عز وجل بما لديهم، فلا يخفى عليه شيء، {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} يعني بالعدد واحدا تلو الواحد، فإن الله قد أحصاه، {لِيَعْلَمَ} أي ليعلم الله علم ظهور يترتب عليه جزاء وحساب {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} هذا هو الأظهر، وقال بعض المفسرين {لِيَعْلَمَ} الضمير يعود إلى محمد صلى الله عليه وسلم ليعلم محمد صلى الله عليه وسلم أن الرسل الذين سبقوه {قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} يعني أحاط الله بما لديهم وأحصى جل وعلا كل شيء عددا…
وبهذا ينتهي تفسير سورة الجن……