تفسير سورة الروم من الآية ( 33 ) إلى ( آخر السورة ) الدرس (203 )

تفسير سورة الروم من الآية ( 33 ) إلى ( آخر السورة ) الدرس (203 )

مشاهدات: 493

بسم الله الرحمن الرحيم

 تفسير سورة الروم

من آية 33 إلى نهاية السورة

(الدرس 203)

للشيخ زيد بن مسفر البحري

 

قال تعالى :

  • {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33)}

{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ}: من الناس هنا؟ الكفار؛ لأن من كان مؤمنا فمسه الضر فإنه يكون منيبا إلى الله في الضراء وفي السراء، فقال عز وجل: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ}: قال مَسَّ دل هذا على أنه مجرد مسّ يحصل له مثل هذا الأمر، {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ}: دل هذا على أن الكفار تحصل منهم إنابة لكنها إنابة في وقت الشدة لا خير فيها ولا منفعة منها، لكن أهل الإيمان: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ} –في الآيات السابقة- منيبين إنابةً في السراء وفي الضراء.

{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً}: من نجاةٍ ومن غنى وما شابه ذلك، {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}: يشركون بالله عز وجل، وقال: {فَرِيقٌ مِنْهُمْ}: لأن هناك من يخرج من هذه الشدة وإذا به يُسلِم، ولذلك عكرمة بن أبي جهل كما ثبت عنه –وقد مر الحديث معنا فيما يتعلق بذلك- قال: (لئن نجاني الله عز وجل لآتي إلى محمد وأسلم) وفعل. فقال الله عز وجل: {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}: العاقبة والنتيجة:

 

  • {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34)}

{لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ}: من الرحمة، {فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}: فتمتعوا حتى تنقضي آجالكم، أو يأتي وعد الله بالعذاب. {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}: وهذا يحمل التهديد، سوف تعلمون عذاب الله.

 

  • {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35)}

{أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا}: استفهام للنفي، للإنكار. {سُلْطَانًا}: أي: حُجة، {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ: هل لديهم حجة ودليل على شركهم؟ الجواب: لا.

 

  • {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36)}

{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا}: رحمة: من غنى وصحة وما شابه ذلك، فرحوا بها، {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}: وتأمل، قال: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}: قال: {وَإِذَا أَذَقْنَا}: لأنه خير، لكن لما أتت السيئة –مع أن الكل من عند الله وهو الذي خلق كل شيء- لكن هذا من باب التأدب مع الله، كما في دعاء في صحيح مسلم في دعاء الاستفتاح: “والشر ليس إليك”. {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}: أي: ما لا يلائمهم من فقر وما شابه ذلك، {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}: بسبب ما عملوه من الأعمال السيئة، {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}: يعني: يستبعدون رحمة الله، فهم إذا أعطاهم الله النعم فرحوا بها فرح بطر وتكبر، وإذا أصابهم شيء من الضر استبعدوا رحمة الله.

 

  • {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37)}

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}: أليست لهم رؤية ونظر وتأمل؟ {يَبْسُطُ الرِّزْقَ}: يوسع الرزق لمن يشاء ويقدر –ومر معنا ذلك في أواخر سورة العنكبوت وبيّنا ذلك توضيحا أكثر-. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}: لأنهم أهل الإيمان ينتفعون بهذه الآيات، وتأمل في حالك: إنسان بسط الله له الرزق، وإنسان ضُيّق عليه وإنسان كان فقيرا ثم أغناه بعد حين، أو كان غنيا ثم أفقره بعد حين، آيات لقوم يؤمنون.

 

  • {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)}

{فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}: هنا أمر بإعطاء، إذا بسط الله عليك أن تعطي مَن؟ هؤلاء حقوقهم، {فَآتِ}: يعني: أعطِ، {ذَا الْقُرْبَى}: القريبون لك، الأرحام لك من القرابة، والصحيح أنها محكمة ليست منسوخة بآية المواريث، {وَالْمِسْكِينَ}: الفقير، {وَابْنَ السَّبِيلِ}: يعني المسافر، {ذَلِكَ خَيْرٌ}: وهو الإيتاء، {لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ}: مخلصين لله عز وجل، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}: والمفلح هو الذي فاز بالمطلوب ونجى من المكروب والمكروه.

 

  • {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)}

{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ}: بعض المفسرين قال: المقصود هنا هو الربا المعروف المحرم وأتى به من باب التنبيه على كراهيته، {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ}: يعني: تعطون ذلك الناس فيعود ذلك إلى أموالكم فيزداد، {فَلَا يَرْبُو}: فلا يزكو عند الله؛ لأنه إلى مُحْق: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}، لكن أكثر المفسرين من أن الآية هنا في الربا المباح، وما هو الربا المباح؟ أن تعطي شخصا هدية من أجل أن يعطيك أفضل منها، وهي هدية الأجر الدنيوي، {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ}: وهذا كما قال المفسرون وذكر ابن كثير -رحمه الله-: من أن هذا جائز إلا في حق النبي ﷺ، قال: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}. {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ}: إذا أردتم بهذه الصدقة فقط لله من غير أن تنتظروا ثوابًا من المخلوق، {يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ}: مخلصين لله، {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}: لأن الله عز وجل كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}، فقال هنا: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}: فدل ذلك على أن الخير يتضاعف لهم.

 

  • {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)}

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ}: فيه دلائل على أن الذي يستحق العبودية هو الله عز وجل، لا تلك الأصنام ولا تلك الأنداد. {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ}: استفهام للإنكار والنفي، {هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ}: وأتى بـ (من) قبل (شيء): للتأكيد لعموم التأكيد النفي، {هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ}: شيء من الخلق والرزق والإحياء والإماتة؟ الجواب: لا!، ولذلك نزّه نفسه: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.

 

  • {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)}

{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر}ِ: ظهر وانتشر واستبان الفساد، فساد ماذا؟ الفساد المتعلق بمصالح الناس الدنيوية فيما يتعلق بقلة الأرزاق، بقلة الثمار، بانعدام البركة، بعدم صلاح الأولاد، قل ما تشاء من أنواع الفساد. {فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر}ِ: قيل: البر والبحر المعروفان، وقيل: البر: الصحراء المعروفة، والبحر: هي المدن التي تكون على البحار، وعلى كل حال هي شاملة. السبب: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}: من الذنوب، {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا}: بعض وليس الكل، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ}. {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا}: من أجل؟: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}: إليه عز وجل، هل يتوبون إلى الله هل يعودون إلى الله.

 

  • {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42)}

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ}: أمرهم أيضًا مرة أخرى، قل يا محمد لهؤلاء: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ}: في أول السورة: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا}: فقال هنا: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ}: فما الذي حل بهم؟ ما ذكره عز وجل في أول السورة. {وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}. {كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ}.

 

  • {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43)}

ثم أعاد مرة أخرى على التأكيد على الثبات على الدين الحق: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ}: المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ}: تنكير، والتنكير للتعظيم، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ}: ما أحد يستطيع أن يرده: {أزِفَتِ الاْزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللهِ كَاشِفَة}. {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ}: يعني: يفترقون، فريق في الجنة وفريق في السعير، ولذلك ماذا قال بعدها؟

 

  • {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44)}

{مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ}: عليه كفره جزاءً بما عمل وما ظلمه الله، {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}: يمهَدون: يمهّدون ويهيئون لأنفسهم كما يمهد الفراش للطفل، يمهدون لأنفسهم ماذا؟ أن يصلوا إلى النعيم المقيم، ومن عمل صالحا فإنما يمهد لنفسه. لماذا صدّعهم فريق هنا وفريق هنا؟

 

  • {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45)}

{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ}: تفضّل منه عز وجل، ما قمت بالعبادة إلا تفضّل منه وبإعانة، {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}، {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ}.

 

  • {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)}

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ}: ومن آياته الدالة على عظمته ووجوب توحيده وإفراده بالعبودية، {مُبَشِّرَاتٍ}: أي: بالمطر، {وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ}: وذلك هو المطر، فهو آثار من آثار رحمة الله عز وجل، {وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ}: أي ولتجري السفن بأمره عز وجل إذ تحركها الرياح بإذن الله عز وجل، {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}: أي: ولتطلبوا من فضله من التجارة ونحوها في أسفاركم وذلك من أنواعه ما يكون في البحر مما تركبونه من هذه السفن، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}: أي: تشكرون الله عز وجل على هذه النعم.

 

  • {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)}

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}: وهنا شيء محذوف: يعني: فكذبوهم، جاؤوهم بالبينات وبالحجج الواضحة، {فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}: فانتقم الله عز وجل ممن كذب الرسل {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}: وهذا حقٌّ ألزم الله عز وجل به نفسه تفضلا منه عز وجل، وهذا يدل على أن نصر الله عز وجل للمؤمنين هو وعد من الله ومتحقق في كل زمن وفي كل مكان.

 

  • {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)}

{اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا}: سبحان الله! ذكر في الآيات السابقات: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ}، ثم ذكر ما يتعلق بالرسالة، ثم عاد السياق مرة أخرى إلى ذكر الرياح، ولعل ذكر ما يتعلق بالرسل عليهم الصلوات والسلام؛ ذلك لأن ما جاء به الرسل هو حياة للقلوب، كذلك الرياح وما تكون منها من تلقيح للسحب تحصل بذلك بإذن الله الأمطار التي بها حياة الأرض. {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ}: وأيضا في تلك الآية السابقة تسلية للنبي ﷺ من أن قومك إذا كذبوك فإن الأمم السابقة قد كذبت أنبياءها. {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ}: وقدّم اسمه عز وجل من باب التعظيم وأنه هو الإله المعبود الذي لا يستحق العبودية إلا هو. {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ}: فماذا تصنع هذه الرياح؟ فتثير سحابا: أي توزّع وتنشر هذا السحاب، {فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ}: فيبسط الله عز وجل هذا السحاب بأنواع شتى في السماء، {وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا}: يعني: يجعل بعضه على بعض، والكِسَف هي القِطَع، كما قال عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ}، فقال هنا: {فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ}: يعني: المطر، {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ}: يعني من جوانبه، {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}: يفرحون بنزول المطر

 

  • {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49)}

{وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ}: أكّد ذلك مرة أخرى فقال: {مِنْ قَبْلِهِ}: مما يدل على ماذا؟ مما يدل على تأكيد ما بعدها: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ}: يعني أنهم آيسون من نزول المطر فأعاد (من قبله) من باب التأكيد على هذا الأمر.

 

  • {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)}

{فَانْظُرْ}: نظر اعتبار، {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ}: المطر من آثار رحمة الله، والمطر هو رحمة، {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}: بنزول هذا المطر، {إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى}: كما أحيى هذه الأرض فإنه يحييكم من قبوركم فإذا بكم تقفون أمامه للحساب، ثم قال معمّمًا: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}: ومن ذلك من أنه يبعثكم في يوم القيامة.

 

  • {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51)}

{وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا}: سبحان الله! تلك الريح إما أن تأتي مبشرة بنزول المطر وإما أن تأتي مهلكة للزروع وما شابه ذلك وهذا يدل على ماذا؟ مع أنها ريح مخلوقة من خلق الله عز وجل لكن التدبير من الله يجعل هذه بشرى ويجعل هذه ممحقة لزروعٍ ونحوها، {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا}: يعني ذلكم النبات الذي حصل بعد أن يئِسوا، لما نزل المطر واخضرت الأرض إذا أرسل الله ريحا فأهلكت هذه الريح هذه الزروع ماذا يكون حالهم؟ كان من الواجب عليهم أن يشكروا الله وأن لا يكفروا نعمة الله. {لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ}: مع أن الواجب عليهم أن يشكروا الله عز وجل.

 

  • {فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52)}
  • {وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53)}

: فهؤلاء هذه صفاتهم لا ينتفعون، وهذه مر معنا تفسيرها في أواخر سورة النمل، فهؤلاء لا ينتفعون ولا يتدبرون ولا ينتفعون من هذه الحواس.

 

  • {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)}

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ}: يعني من أن أصل ابن آدم من ضعف، ولم يقل الله خلقكم ضعافا، دل هذا على ماذا؟ على أن الأصل فينا من ضعف، ولذا خلقنا من ماء مهين، {مِنْ ضَعْفٍ}: ضعف في الأبدان وفي الأفهام وفي العقول وما شابه ذلك، {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً}: إذ تطور بكم الأمر فقوّاكم الله عز وجل، {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً}: يعني أن الإنسان في آخر حياته يصيبه الضعف مع ما يكون من الشيب وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن الإنسان إذا رُدّ إلى أرذل العمر يكون بمثابة الطفل أو أن الطفل أفضل منه، وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن أحوال بني آدم تختلف طبقات حياتهم مما يدل على أن المدبر هو الله عز وجل، فإذا كنتم من ضعفٍ خُلِقتم، ثم من قوة ثم من ضعف ثم مع هذا الضعف شيبة دل على أنه عز وجل قادر على أن يعيدكم مرة أخرى. {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}: مما أراده عز وجل مما يكون ما يتعلق بأبدان هؤلاء البشر وفيما يتعلق بالمخلوقات الأخرى. {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}: فهو عز وجل العليم بكل شيء وهو القدير على كل شيء وهو عالم بأحوالكم وبأطواركم وهو قدير عز وجل إذ جعلكم من ضعف ثم من قوة ثم بعد ذلك إلى ضعف وشيبة.

 

  • {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)}

{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ}: بمعنى أن قيام الساعة متحقق، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}: ولذلك ماذا قال عز وجل في الآيات السابقات: {فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}: هذا في الدنيا أما في الآخرة إذا قاموا في يوم القيامة: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ}: يعني: يحلف، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}: يعني: ما لبثوا في قبورهم وفي دنياهم غير ساعة، {كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ}: يعني مثل هذا الكذب الذي حصل منهم في يوم القيامة حصل منهم كذب في دنياهم فكما أنهم كذبوا بالحق لما جاءهم في الحياة الدنيا كذلك هم كذَبوا فيما زعموا من أنهم ما لبثوا غير ساعة، {كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ}: أي يُصرفون عن الحق ويُصرفون عن الجواب الصحيح، فهم جهَلة في دنياهم وجهلة في أخراهم إذ أقسموا على هذا الأمر.

 

  • {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56)}

{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ}: سبحان الله هذه مزيّة لمن؟ لأهل العلم، لكن علم من غير إيمان لا فائدة منه، ولذلك جمع بينهما فلا بد من العلم والإيمان وإلا فلا فائدة، ثم هنا فيه شرف لأهل العلم إذ يتحدثون يوم القيامة كما قال تعالى: {قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ}. {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ}: يردون عليهم، {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ}: أي: فيما كتب الله عز وجل لبثتم في الدنيا، ولبثتم في القبور على حسب ما كتبه الله عزو وجل لكم في البقاء في الدنيا وفي القبور، {إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}: ولذلك لأنكم صرفتم أنفسكم عن مصادر التعلم الذي هو الوحي.

 

  • {فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)}

{فَيَوْمَئِذٍ}: في يوم القيامة، {لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ}: ووصفهم بالظلم ليشمل كل ظالم اتصف بصفتهم فلا ينفعهم الاعتذار، {فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}: أي: لا يُتركون أن يطلبوا رضى الله عز وجل بالرجوع إلى الدنيا لطاعته وما يقرب إليه.

 

  • {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58)}

{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ}: في هذا القرآن أمثلة من الوعيد والوعد والترغيب والترهيب وذكر أحوال الأمم السابقة، فقد بيّن لكم في الدنيا في هذا القرآن كل شيء لكنكم كما قال عز وجل: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ}: يعني: إن جئتهم بآية وتلوت عليهم الآيات وتلا عليهم المؤمنون الآيات وصفوهم بأنهم مبطلون إذ قلبوا الحقائق فقال الله عز وجل: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ}، ولذا قال تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.

 

  • {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59)}

{كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}: مثل ما طبع على قلوب هؤلاء الذين وصفوا أهل الإيمان بأن ما أتوا به هو الباطل كذلك يطبع الله على قلب كل من لا يعلم، ولذلك في الآيات السابقات ماذا قال أهل العلم؟ {وقالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ والإيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ في كِتابِ اللَّهِ إلى يَوْمِ البَعْثِ فَهَذا يَوْمُ البَعْثِ ولَكِنَّكم كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}. {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ}: يعني يختم الله على قلب الإنسان وإذا خُتِم على القلب فلا يخرج منه شيء ولا يدخل إليه شيء.

 

  • {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)}

{فَاصْبِر}: يا محمد، {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}: ما وعدك به من نصرك ومن إذلال هؤلاء فإنه حق، {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}: أي: لا يحملنّك على العجلة والانصراف عن دينك أو شيء منه ما يفعله هؤلاء، {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}: فهم لا يوقنون بما أخبر الله عز وجل به في هذا القرآن. وبهذا ينتهي تفسير سورة الروم.